الكورونا و الصراع الأخلاقي

25.02.2020 07:31 AM

كتب: سامر عنبتاوي

توماس مالثوس أحد أبرز منظري الرأسمالية تحدث عن نظرية السكان والتي تنص على أن عدد السكان في العالم يتزايد بمتتالية هندسية أي تضاعف الأعداد ،٨،٤،٢ ، فيما الموارد الطبيعية تتزايد بمتتالية حسابية ، ٤،٣،٢،١ ، و بالتالي و بالإرتباط بقانون الندرة تصبح الموارد الطبيعية لا تكفي الزيادة المضطردة في السكان ، و قال أن الحل يكمن في تخفيض سكان العالم من خلال الكوارث الطبيعية كالزلازل و غيرها ، و كذلك الحروب و المجاعات ، اي لا بد من التخلص من كثير من البشر (الفقراء) حتى يعيش الأغنياء ، و هذه النظرية مجرمة لأنها تدفع إلى التخلص من البشر بدل التوجه لتنمية و زيادة الموارد ، و قد استعملت هذه النظرية في التطهير العرقي و التخلص من أعداد كبيرة من البشر تماما كما حصل في امريكا ضد السكان الأصليين من الهنود الحمر ، علما بأن الموارد تزايدت بشكل كبير من خلال التقنيات و لكن تذهب الكثير من الشركات العملاقة للتخلص من فائض الإنتاج للإحتكار و ضمان مستوى الأسعار بدل توجيه هذه المنتجات للبلدان الفقيرة التي تسودها المجاعات .

و قد أصبحت هذه النظرية نبراسا للرأسمالية المتوحشة فغذت الحروب و الصراعات ، و تم تجاهل المجاعات ، و نشطت شركات الأدوية و المخابرات الرأسمالية في تطوير الأمراض و أصبحت تجارة الأدوية من أضخم الصناعات الإحتكارية ، فأودت الحروب بعشرات الملايين من البشر و تركت الدول الفقيرة تعاني من المجاعات ، و أحتكرت شركات الأدوية  مرتفعة الثمن فضمنت الرأسمالية السيطرة الإقتصادية من خلال الشركات متعددة الجنسيات .

في هذا الإطار و بعيدا عن نظرية المؤامرة ، فإن تنوع الأمراض و الأوبئة ليس بعيدا عن هذه التوجهات ، و نرى أن البشرية تواجه كل فترة تطويرات جينية لأمراض و أوبئة تستمر لعدة سنوات فتنشط شركات الأدوية بعد سقوط الضحايا ، إضافة إلى معامل تطوير الأسلحة البيولوجية البشعة ، و تطوير جينات الفايروسات ، و في الحقبة الأخيرة صارع العالم انفلونزا الخنازير و الطيور و السارس و الجمرة الخبيثة ، و غيرهم ، و الإعتقاد السائد أن معظمها إن لم يكن جميعها قد خرج من معامل السلاح البيولوجي ، و بذا أصبح العالم رهينة لجشع و توحش الرأسمالية .

إن التعامل الأخلاقي للدولة الصينية مع فايروس الكورونا و الإستماتة في محاولات حصاره و منع إنتشاره للعالم أعطى نموذجا مخالفا للسياسات الرأسمالية و أثبت درجة عالية من الأخلاقية و المهنية و الرقي لم تشهده دولة أخرى في العالم ، و أثبت حرصا شديدا على مواطنيها و على البشرية كافة ، و لولا هذا الحرص و التوجه لتحول المرض إلى وباء سيما أن للصين شبكة علاقات إقتصادية حول العالم ضحت بجزء كبير منها و تكبدت الخسائر لتقي البشرية شر هذا المرض ، و إلى ذلك التزمت الصمت تجاه أسبابه رغم الإتهامات للشعب الصيني و أسلوبه في الحياة و نوعية طعامه .

إن الأمراض و الأوبئة تشكل تحديا للبشرية و العمل على مواجهتها يعتمد كثيرا على النظرة الإنسانية الشاملة التي تعتمد على أن الأمراض لا تصيب عرقا دون عرق آخر ، و أن المجتمعات بعد تطور وسائل المواصلات أصبحت متداخلة ، و بذلك فانتقال الأمراض من خلال التواصل أصبح سريعا ، و في نفس الوقت مواجهتها أيضا بطرق الحماية و الإحتياطات و الوعي و الطرق العلمية أصبح متاحا ، و لذلك سينتهي الكورونا كما انتهى غيره ، و يبقى جشع رأس المال و السياسات المرتبطة به ما يحتاج إلى المواجهة ، فلنأخذ احتياطاتنا لمواجهة الكورونا مع اليقين أنه عند الإنتهاء منه سيتم التوجه لغيره و يبقى الصراع بين قوى الخير و قوى الشر في العالم هو التحدي .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير