تنفيذ قرارات المحاكم الاسرائيلية من قبل وزارة المالية الفلسطينية وتغولها على اختصاص المحاكم الفلسطينية

21.02.2020 11:28 AM

كتب: المحامي علاء فخري فريحات

في ظل المطالبات بالانفكاك الاقتصادي عن الاقتصاد الاسرائيلي من قبل الحكومة الفلسطينية، وفرض الامر على المواطن الفلسطيني كواجب وطني واجبارهم تحمل تبعات هذه المطالبة بالانفكاك، وتحمل اية اضرار تلحق بجميع القطاعات الاقتصادية في فلسطين، -ودون الخوض في تفاصيل الانفكاك الاقتصادي في هذا المقام-، تعمل وزارة المالية الفلسطينية على اجبار المواطنين الفلسطينين والشركات الفلسطينية على الاذعان لقرارات المحاكم الاسرائيلية.

بل واكثر من ذلك، تفرض سلطتها على المواطنين والشركات الفلسطينية، وتجبرهم على تنفيذ قرارات المحاكم الاسرائيلية، بصورة مخالفة للتشريعات الفلسطينية النافذة.

وشرعت وزارة المالية الفلسطينية مؤخرا، بصورة غير مسبوقة، بالتزامن مع المطالبة بالانفكاك الاقتصادي، بالضغط على شركات فلسطينية صدر بحقها احكام عن محاكم الاحتلال، لتنفيذ هذه الاحكام عن طريق وزارة المالية.

وهذه التصرفات توصم بعيب اساءة استخدام السلطة، وتجاوز الصلاحيات دون اي مسوغ قانوني او اساس قانوني، وتجاهل من قبل وزارة المالية لكافة القوانين النافذة في فلسطين، والتي تنظم آلية تنفيذ الأحكام المحلية والاجنبية، ولكل منهم خصوصية وطريق قانوني واجب الاتباع، لا يحق لأي كان مخالفتها حتى وان كانت وزارة المالية.

وبخصوص القرارات الصادرة عن المحاكم الاسرائيلية، وعن المحكمة العليا الاسرائيلية، ضد شركات فلسطينية مساهمة عامة، فإنه كان الأولى بوزارة المالية حماية اموال المساهمين والدفاع عنها، لا الضغط على الشركات لدفع مبالغ طائلة تنفبذا لقرار محكمة الاحتلال بصورة مخالفة للقانون.

وتتغول وزارة المالية بهذا التصرف على السلطة القضائية، وتنصب نفسها مكان المحاكم الفلسطينية، وتعتدي على اختصاصات المحاكم وتحرم الشركات والمواطنين من حقهم بالتقاضي والدفاع عن نفسها امام المحاكم الفلسطينية، من خلال سلوك السبل القانونية لتنفيذ الاحكام الاجنبية، وفقا لشروط محددة في القانون النافذ.

وبذلك فإننا نرى أن وزارة المالية فضلت التساوق مع قرار محكمة احتلالية اسرائيلية على شركة فلسطينية، وآثرت احترام الحكم الاجنبي على حساب الوطني، لا سيما وان ما ينظم تنفيذ الاحكام الصادرة عن المحاكم بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، تم تنظيمة بالملحق المتعلق بالمسائل القانونية من اتفاقية غزة اريحا المؤرخة في ١٩٩٤/٥/٥ في المادة ٤/أ من الملحق، والتي ضربت المحاكم الاسرائيلية بها عرض الحائط، ولم تحترم ايا مما ورد في هذه الاتفاقية وملحقاتها وترفض ايضا تنفيذ احكام المحاكم الفلسطينية، فان ذلك يسقط مبدأ المعاملة بالمثل ويجعل ايضا من وزارة المالية الفلسطينية تهدر الشروط القانونية الواجبة الاتباع والاحترام في المواد ٣٦ و٣٧ من قانون التنفيذ بخصوص ما يتعلق بتنفيذ الاحكام الاجنبية في فلسطين.

وبذلك فإن ما تسلكه وزارة المالية بهذا الشأن اتجاه شركات فلسطينية، يفقد الشركات حقها الطبيعي باللجوء للقضاء والدفاع عن ذاتها، ونكون امام سابقة خطيرة تعمل على شرعنة قرارات المحاكم الاحتلالية بيد فلسطينية.

ومن المستغرب والمدهش أن وزارة المالية لا تعلم ان اجتهاد المحاكم الفلسطينية قد استقر على عدم جواز تنفيذ قرارت المحاكم الاسرائيلية امام المحاكم الفلسطينية واصدرت العديد من القرارات بهذا الخصوص، وهذا ما يجعلنا نتساءل هل فعلا لا علم لوزارة المالية بهذه القرارات الفلسطينية؟، ام ان لديها علما وتحاول  تجاهل قرارات المحاكم الفلسطينية الواجبة الاحترام وتفضل عليها قرارات المحاكم الاسرائيلية؟ فإن كان ذلك!.. فنحن امام واقع كارثي يفقد المواطن والشركات المسجلة في فلسطين الثقة بالمؤسسات الفلسطينية.

فالمنطق القويم يرفض ان يستقيم الانفكاك الاقتصادي عن الجانب الاسرائيلي، ويذعن المواطن الفلسطيني لقرارات المحاكم الاحتلالية، فمن أسمى صور الانفكاك عن الاحتلال هو رفض قرارات محاكمها الجائرة على الفلسطينيين وعدم تنفيذها من قبل المؤسسات الفلسطينية والمحاكم الفلسطينية.

هل بتنا نشاهد في هذه التصرفات مظهرا جديدا من مظاهر تغول السلطة التنفيذية على صلاحيات السلطة القضائية، وهل تملك وزارة المالية ان تنشر تفاصيل هذه الواقعة ومبرراتها القانونية التي تؤسس تصرفها هذا عليه؟

وبذلك نستذكر مقولة (يجب على الجميع ان يدرك ان احترام القانون يوفر العيش الكريم اكثر مما توفره محاولات الاحتيال عليه)، ومقولة (لا تزرع شجرة الحرية في أرض لا يعرف أصحابها احترام القانون، لأنها ستطرح الفوضى).

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير