أسماء سلامة تكتب لوطن: هل سيأتي الوقت المناسب؟

21.02.2020 10:25 AM

كلما طالبت فئة من فئات هذا المجتمع بحق من حقوقها هذه الأيام، جاء الاستهجان من الكثيرين، أهذا هو الوقت المناسب لكذا أو كذا !!! ومنذ وقت طويل كان الوقت ومازال غير مناسب للمطالبة ببعض الحقوق ، أو التساؤل عن بعض القضايا التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر ، وقد تصل قريباً إلى أن يصبح الحديث عنها من المحرمات .

خرجت مجموعة من المواطنين والموظفين والعمال للمطالبة برفع الحد الأدنى من الأجور ، وبالرغم من  الإجماع على أحقية العمال في رفع الحد  الأدنى من الأجور إلا أن المشاركة كانت على غير المتوقع ، متواضعة وخجولة ، وقوبلت بعدم الارتياح من البعض لكونها في الوقت غير المناسب ، فنحن الآن في بصدد التعاطي مع إعلان صفقة القرن ، هناك الأهم .

وعندما أعلن الأطباء عن مطالبهم بعلاوة 200% على رواتبهم ، وهددوا بالإضراب ( بغض النظر عن النسبة غير المنطقية للعلاوة مقارنة برواتب الموظفين في التخصصات الأخرى ) ، جاء التعليق بأن الوقت الآن غير مناسب فهناك صفقة القرن ...

وإن تحدثنا عن المشاكل التي يعاني منها قطاع التعليم أو الصحة ، أو عن ضريبة المغادرة على المعابر ، أو طالب المعلمون بحقوقهم وعلاوات هم أيضاً ، سيكون الوقت غير مناسب ، هل نحن مطالبون بإجراء تجميد لكل مطالبنا العادلة بتحسين ظروف العمل والحياة ، لحين الانتهاء من التعاطي مع صفقة القرن ؟؟ ، هل الحديث عن أي شيء بات غير مقبول ، وليس الوقت المناسب له ، وربما اتهمنا بأننا نحاول الاصطياد في المياه العكرة والتشويش على الرأي العام ، وإشغال المسؤولين عن مهمتهم  التي يتفرغون لها وهي مواجهة صفقة القرن ...

هل جميع الوزراء في كافة الوزارات متفرغون الآن لدراسة طرق الرد على هذا الإعلان المشؤوم ، ويمضون كل أوقاتهم في دراسة الطرق والوسائل التي يمكن إتباعها لإفشال هذه الصفقة ، هل ستصاب الحياة بالشلل التام لأن ترامب أعلن عن صفقة القرن ، ويمنع التفكير في أي شيء آخر حتى ننتهي من هذا الكابوس .. الحياة مستمرة ، الكل يصحو من النوم ليذهب إلى عمله كل يوم ، ويدفع مواصلات ويقف على الحواجز، ويشتري الطعام والشراب بالأسعار المرتفعة  ، والمرضى يذهبون للمستشفيات وقد لا تتوفر كافة الأدوية في المستودعات ، ونقوم بدفع فواتير الكهرباء والمياه والاتصالات ، وتتضرر مركباتنا من الحفر الموجودة في الشوارع ونقوم بإصلاحها ، مازلنا  نعاني من العديد من المشاكل التي تؤثر على حياتنا اليومية ، ولا ندري متى وكيف سيتم التعامل مع هذه الصفقة وإسقاطها ، فهل ستبقى أحوالنا على سوئها وربما تسوء أكثر حتى ذلك الحين ؟

كيف لنا أن نقتنع أنه لا يمكن للحياة أن تستمر ، وأن لا إمكانية للإصلاح في بعض الأمور يمكن أن تتم بمعزل عن مقاومة صفقة القرن ، وربما بالتوازي معها ، هذا ليس من التجاوز للحدود ، ولا خلط الأوراق ، ولا إضعاف الموقف ، ولا حرف للمسار ، لكي يكون موقف هذا المواطن قوياً ، عليه أن يكون مرتاحاً ، وأن يطمئن على قوته وقوت أبنائه ، لن  يعمل هذا المواطن بصفاء ذهن طالما أن باله مشغول في لقمة عيشه ، كانت هذه المطالب بالإصلاحات في العديد من المجالات قبل الإعلان عن صفقة القرن بكثير ، وكان الشارع يتحدث عنها باستمرار ، فلماذا تمت المماطلة في حلّها ، لحين أن تم الإعلان عن صفقة القرن ، ثم اتخذنا ذلك عذراً وسبباً منطقياً لتأجيل الحديث عن كل شيء ، وربما نسيانه لاحقاً .

كيف لنا أن نقول مثلاً لأهل طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة ، أن الوقت غير مناسب للحديث عن وضع هذه الفئة في المجتمع ، وليس مناسباً للمطالبة بفتح مراكز متخصصة لهم ولرعايتهم ، كيف نقول لأهل مريض مصاب بغيبوبة بسبب خطأ طبي أن الوقت غير مناسب للحديث عن الأخطاء الطبية ومحاسبة المذنب ، وهل نقول لمن لا يجد بعد منتصف الشهر ما يشتري به طعاماً أو علاجاً لأبنائه لأن راتبه يتبخر أن الوقت غير مناسب للحديث عن زيادة الحد الأدنى من الأجور ، ونطلب من المواطنين أن لا يفتحوا موضوع البنى التحتية المهترئة والتي تشكل خطراً على حياتهم ولا نطالب المجالس والهيئات المحلية بمتابعتها وإصلاحها  لأن الوقت غير مناسب ، ولا داعي للحديث عن أقساط جامعات ولا أسعار بضائع ، ولا مجال للمزارعين أن يتحدثوا من منتجاتهم التي منعت من التصدير ، و... و ... و ... فمتى هو الوقت المناسب ؟؟

حل المشاكل التي يعاني منها المواطن يجب أن يبقى في قمة سلم الأولويات ، ليستطيع هذا المواطن أن يعطي ، عليك أن تعطيه ما يحتاجه وتؤمن له الحياة الكريمة ، أن  لا يبقى دائماً على قائمة الانتظار ، لا يمكن لك أن تقول لمواطنيك ( مش فاضيين لكم الآن ) وانتظروا على الدور . ليس هذا الشعب ممن يقوم بلوي الذراع ، ولا يثير البلبلة ، ولكنه يطالب بأبسط الحقوق ومنذ مدة طويلة ، وتمت المماطلة كثيراً ، فلم يعد يحتمل الانتظار أكثر .ولديه تجارب سابقة مع بعض الأمور التي تم تأجيلها بحجة ( الوقت غير مناسب ) ، ولم يعد أحد يذكرها بعد حين ..

أنتم تقولون نحن في وضع حرج ولسنا في وارد فتح ( جبهات ) أخرى ، ولكن هذا الشعب في أزمة دائمة وبحاجة لبصيص نور في هذا النفق المعتم ، يبشره ولو بأمل بسيط أن هناك مجال للتغيير للأفضل ، وأنه سيحصل على بعض ما يمكّنه من الاستمرار في البقاء على هذه الأرض والدفاع عنها.

وضعنا الصعب والأزمات التي تتوالى علينا ليست بحالة طارئة ولا المستجدة ، نحن تعودنا على الأزمات ونحن أكثر من يستطيع التعايش معها والتغلب عليها ، ولكن نريد أن نرى من هو قادر على إدارة الأزمات وتحمل العمل على كافة الأصعدة ، وليس من المنطقي أن تتوحد جهود حكومة بأكملها لمواجهة أمر أو قضية واحدة ، وركن باقي القضايا ( لأنها أقل أهمية في الوقت الحالي ) على الرفوف، إن كانت هذه القضايا أقل أهمية قدموا لها الحلول لنقوم بإزالتها من القائمة وبالتالي نخفف من التوتر الداخلي ، ليست وظيفة الوزارات فقط هي فقط رعاية افتتاح كذا أو مؤتمر كذا ، بل حل المشاكل العالقة منذ سنوات ، وبدل أن نحل هذه المشاكل تتراكم وتزيد وتكبر كل يوم .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير