كيف هرّب أسرى فلسطينيون "أولادهم" خارج السجن؟

11.02.2020 03:49 PM

غزة- وطن عبد الله أبو كميل: "هذا الهواء الرطب لي.. هذا الرصيف وما عليه من خطاي لي..  وسائلي المنوي لي..."

كلمات صاغها الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وطبقها الأسرى الفلسطينيون من خلف القضبان الإسرائيلية، عندما نجحوا في تهريب سائلهم المنوي إلى خارج السجن، واستطاعوا أن ينجبوا أطفالهم رغم القيود المشدّدة وما يتبعها من إجراءات تعسفية بحقهم.

تعود فكرة إمكانية تهريب الأسرى الفلسطينيين سائلهم المنوي لزوجاتهم إلى عام 2000، بعدما أبدى الكثير من أصحاب الأحكام العالية الرغبة في إنجاب أطفال، نتيجة رفض المحكمة القضائية الإسرائيلية طلب الخلوة بالزوجة.

وقتها، أثارت فكرة الإنجاب عن بعد اختلافاً وسط الأسرى، حتى كتبت رسالة من داخل السجن لمعرفة الحكم الشرعي حول عملية تهريب السائل المنوي ومدى الضوابط الشرعية لتلك العملية.

واليوم، استطاع قرابة واحد وخمسين أسيراً فلسطينياً أن ينجبوا سبعة وستين طفلاً بفضل تهريب السائل المنوي، بينما تضع إسرائيل الأطفال في خانة الإرهابيين وغير الشرعيين.

ومن هؤلاء الأسير الفلسطيني عمار الزبن، من سكان الضفة الغربية المحتلة، الذي تمكّن عام 2012 أن ينجب أول أطفاله بينما سجّلت تلك العملية أول نجاح للفكرة، واعتُبرت باكورة الانطلاقة الجادة لها.

أول عملية تهريب في غزة

في تمام الساعة العاشرة صباحاً، تلقى الأسير الفلسطيني تامر الزعانين اتصالاً هاتفياً من زوجته هناء، تطرح عليه فيه فكرة القبول بالحمل المهرّب، لم يستطع الإجابة على الفور، واكتفى بالقول: "لازم أخبر أهلي".

ردت زوجته بأن "أهلك موافقون"، فبدأ الاثنان بالتجهيز للمشروع.

من جهته، أبلغ تامر صديقاً مقدسياً له بحاجته للمساعدة في تهريب السائل المنوي، بينما بدأت الزوجة بدورها في إجراء الفحوصات الطبية اللازمة والتهيئة لإتمام العملية فور وصول السائل.

وفي شباط/ فبراير عام 2013، كان رفيق تامر في السجن ينتظر زيارة من ذويه، وقد تم التنسيق معهم للمباشرة بترتيب طريقة التهريب.

يقول تامر: "عملت على استخلاص السائل المنوي ووضعته في كيس بقايا الدواء لبعض الزملاء المرضى، ثم في كيس شرائح البطاطس، وبعدها أغلقته جيداً بالحرارة، ومن ثم أعطيته لصديقي".

تواصلت العائلة المقدسيّة بعد استلام العيّنة مع شخص كان متجهاً إلى غزة عن طريق معبر "بيت حانون" (إيرز)، ليشارك في عملية النقل.

كان الحظ حليف تامر، إذ لم تستغرق عملية تهريب العينة إلى القطاع سوى خمس ساعات. بعدها، اتجه ذوو الأسير وزوجته إلى مركز مختص بعمليات التلقيح الصناعي للبويضة.

هناك، تم فحص العينة للتأكد من صلاحيتها، وبعدها أجريت عملية التلقيح، ثم تلقى تامر اتصالاً من والدته تبشره فيه بأن "كل شيء بالسليم"، وتقول: "عقبال ما نشوف ابنك وأنت معه".

بعد ثلاثة أشهر على هذه المكالمة، تلقى تامر اتصالاً يبشره بحمل زوجته، وفي اليوم العاشر من كانون الثاني/ يناير عام 2014 جاء مخاض الولادة، وقدِم الحسن ليكون بكراً لوالده الأسير.

بعد عامين، عاد الحظ ليحالف تامر من جديد عندما سُمح للحسن بزيارة والده.

يستذكر أبو الحسن تلك اللحظات، ويقول: "رأيت والدي وأمي يسيرون باتجاهي وطفل متعلق بحضن أمي، بدأت أتساءل: هو الحسن أم أنني أتخيل؟ اقتربوا مني، ولم يكن يفصلنا سوى الزجاج العازل".

يتوقف أبو الحسن عن الحديث ليمسح الدمع الذي سال على وجنتيه، بينما لا تفارقه الابتسامة، ثم يكمل: "استطعت أن أحتضن ابني لعشر دقائق لم أتوقف فيها عن البكاء من الفرح حتى انتهت الزيارة وشعرت أنها كانت أقل من نصف دقيقة".

طرق التهريب

بصعوبة بالغة، استطعنا أن نتعرف على الطرق التي تحمل احتمال كائن حي إلى خارج السجون، من خلال بعض المراكز الطبية التي أجريت بها تلك العمليات عرفنا أن من بينها أكياس رقائق البطاطس وأخرى بواسطة مغلفات السكاكر، وبعضها وُضع داخل دمى الأطفال.

ثمة طريقة أخرى تعرفنا عليها من الأسير إياد أبو جياب، المفرج عنه بعد قضاء 12 عاماً في السجون الإسرائيلية.

يقول: "عملت على تهريب السائل المنوي لأحد رفاقي في الأسر، وضعت السائل في كيس بلاستيكي بعد أن تم إحكام إغلاقه ومن ثم وضعناه في حبة تمر بدل نواتها، وفور خروجي سلمته لأم رفيقي". ولم يكشف أبو جياب عن اسم رفيقه كون الأخير لا يزال معتقلاً في السجون الإسرائيلية.

ويشرح لنا أبو جياب طريقة أخرى تتم من خلال الاحتفاظ بالسائل المنوي داخل كبسولة طبية بعد أن يتم تغليفها بأكياس بلاستيكية، وتشميعها بالحرارة ثم تغليفها مرة أخرى بأكياس بلاستيكية صغيرة تلتف حولها خيوط، يبتلعها الأسير الذي سيطلق سراحه، وفور خروجه يقوم بإخراجها عن طريق الفضلات، وتُسلّم إلى ذوي الأسرى بعد التنسيق مع الزوجة وأفراد من عائلة الأب، لإثبات أبوة المولود شرعاً وعرفاً.

عملية التلقيح

يمكن للسائل المنوي العيش لقرابة الثلاثة أيام بعد خروجه، ما يتيح إمكانية نقل العينة بنجاح من داخل السجون الإسرائيلية إلى قطاع غزة أو الضفة الغربية المحتلة، لتُسلّم إلى المركز المختص.

ويوجد في فلسطين ما لا يقل عن 14 مركزاً طبياً مختصاً في عمليات التلقيح الصناعي، لعل أبرزها مركز في الضفة الغربية المحتلة يأخذ على عاتقه تحمل كافة التكاليف المالية لإجراء العملية لزوجات الأسرى أصحاب الأحكام العالية، علماً أن تكلفة إجراء العملية تصل إلى قرابة الثلاثة آلاف دولار أمريكي.

وفي قطاع غزة، يشرح مسؤول في أحد المراكز المتخصصة بأن طرق التلقيح تُقسم إلى قسمين أساسيين: التلقيح عن طريق الأنابيب أو عن طريق الحقن المجهري.

في الحالة الأولى، يقوم الطبيب المختص بتنشيط المبيض لإخراج أكبر عدد من البويضات الصالحة للتخصيب، ثم تسحب الأخيرة وتوضع في أنبوب بانتظار مجموعة من الحيوانات المنوية العائدة للزوج، بعد التأكد من إخصاب البويضة، يتم إرجاع البويضات إلى رحم الزوجة، عن طريق غرسها في جدار الرحم. وتسمى هذه العملية بـ"إرجاع الأجنّة".

وتشير مراكز الإحصاء الفلسطيني وهيئة شؤون الأسرى والمحررين إلى أن قرابة 35% من الأسرى الفلسطينيين لديهم أزواج، واللافت للنظر أن أغلب هؤلاء اعتقلوا في مقتبل زواجهم وحُكموا لمدة طويلة، ما يجعل فرصة إنجاب مولود بشكل طبيعي صعبة بعد تقدم العمر.

ويصل عدد الأسرى إلى قرابة 6400 أسير، من بينهم 300 طفل وقرابة 140 فتاة، و1100 مريض، وهم موزعون على 22 سجناً ومركز اعتقال، وهناك 4600 أسير من الضفة الغربية، و490 أسير من القدس المحتلة، و90 أسير من أراضي 1948 المحتلة فضلاً عن 325 أسير من قطاع غزة، حسب "هيئة الأسرى والمحررين".

مفارقة عنصرية

تسمح إدارة السجون الإسرائيلية للأسرى اليهود والأمنيين بالخلوة الحميمة مع زوجاتهم أو صديقاتهم، ومن بينهم السماح للأسير الأمني اليهودي، قاتل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحاق رابين، بمقابلة حبيبته والزواج منها ومن ثم إنجاب أطفال.

وكانت الهيئة القضائية العليا في إسرائيل قد أقرت بحق الأسرى الأمنيين في الإنجاب على اعتبار أنه "عمل إنساني"، لكنها استثنت الأسير الفلسطيني الذي لا يزال يُطالب بالخلوة الشرعية مع الزوجة إلا أن الإدارة ترفض هذا المطلب القانوني.

ويلفت الإعلامي المختص في الشأن الإسرائيلي فايز أبو رزق إلى أن قيود عدة مشددة تفرضها إدارة السجون الإسرائيلية على الأسرى الفلسطينيين، منها منع الأسرى من الاختلاء بزوجاتهم، موضحاً أن نظام "الخلوة" تكفله القوانين والتشريعات الدولية، ومجاز في غالبية الدول الأوروبية وبعض الدول العربية.

بالإضافة إلى ما سبق، وكدليل على تفاقم التمييز العنصري الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية، فإن الأسير الفلسطيني الذي يحمل "الجنسية الاسرائيليّة" يُحرم بدوره من الحقوق التي يتمتع بها السجين اليهودي.

*تم إنجاز هذه المادة في إطار برنامج التدريب الذي ينظمه مكتب العلاقات الخارجية في "الجامعة الأمريكية في بيروت" بالتعاون مع "مؤسسة دعم الإعلام الدولي".

تصميم وتطوير