فلسطين ـ فرنسا: عودة "مسيو بيكو" !! - هاني حبيب

03.03.2013 11:56 AM
رام الله - وطن للانباء: تظل العاصمة الفرنسية باريس، مرشحة دائماً لعقد أي مؤتمر خاص بالصراع العربي الإسرائيلي، خاصة على المسار الفلسطيني، جهود الحكومة الفرنسية، سواء من اليمين أو اليسار، ديغولية أو اشتراكية، سعت خلال العقد الأخير على الأقل لاستضافة العاصمة الفرنسية مؤتمراً سياسياً حول هذا الملف الشائك والمعقد. قبل أقل من عامين، طرحت فرنسا مبادرتها حول الملف التفاوضي الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وفي حين قبل الرئيس أبو مازن هذه المبادرة، رفضتها إسرائيل، كما رفضتها الولايات المتحدة الأميركية، ولم يكتب لهذه المبادرة النجاح.

في الآونة الأخيرة، ومع تسلّم الاشتراكيين الحكم برئاسة اولاند، نشطت الخارجية الفرنسية، لإعادة فتح هذا الملف من جديد، من خلال دعم التوجه الفلسطيني إلى الجمعية العامة لنيل دولة مراقب لفلسطين، بل إن باريس، ضغطت على عدة دول أوروبية، لتوحيد موقف أوروبي داعم لهذا التوجه، الأمر الذي أدى إلى دعم عدة دول أوروبية فعلاً، في حين ان دولاً أخرى، امتنعت عن التصويت، وهو موقف إيجابي، إذ ان هذه الدول كانت تعارض في السابق مثل هذا التوجه. لم تكترث فرنسا بالموقف الأميركي المنحاز تماماً إلى جانب إسرائيل، وقادت الاعتراف الأوروبي بفلسطين كعضو في اليونسكو، كما ظلت فرنسا تقود التوجه الأوروبي المناهض للاستيطان، ولكافة أشكال الأعمال العنصرية الإسرائيلية وإجراءات الاحتلال في المناطق المحتلة من دولة فلسطين.

الصداقة التقليدية بين فرنسا وإسرائيل، لم تمنع الأولى من أن تكون صديقة لفلسطين، وتتخذ المواقف التي تتناسب والتراث الإنساني لدولة مثل فرنسا، غير أن هذه الصداقة لفلسطين لم تصل إل المستوى الذي يجعل منها أكثر إنصافاً، مع ذلك ينظر معظم الفلسطينيين إلى فرنسا كدولة صديقة قياساً مع المعايير المقارنة مع الدول الأوروبية والغربية عموماً.

تشعر فرنسا بأن بإمكانها أن تقوم بما هو أكثر مما قامت به، سواء على صعيد فردي، ومن خلال نفوذها كدولة كبرى في الاتحاد الأوروبي من أجل إيجاد تسوية على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي انطلاقاً من حل الدولتين، وفشلها قبل عامين في هذا الشأن، لم يثنها عن أن تحاول من جديد، هذه المرة بالاتفاق مع بريطانيا وبدعم من ألمانيا، والتقدم بمبادرة جديدة.

غير أن هذه المبادرة التي لم يعلن عن تفاصيلها رسمياً، لا تزال قيد النقاش على الأغلب في أروقة وزارة الخارجية الفرنسية، وبالتأكيد لدى نظيرتها البريطانية، ولا يزال هناك وقت لبلورة مثل هذه المبادرة التي على الأغلب ستكون أكثر وضوحاً وبلورة بعد تشكيل رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو حكومته الجديدة.

ويعتقد على نطاق واسع، أن هذه المبادرة ـ إذا انطلقت ـ فستطرح على بساط البحث أثناء انعقاد فعاليات المنتدى حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أواخر أيار القادم في منطقة البحر الميت بالأردن، ومن ضمن إشارات انطلقت من قبل الجامعة العربية، يبدو أن هناك تنسيقاً معها، ما يوفر أرضية لا بد منها لانطلاق مثل هذه المبادرة التي في كل الأحوال، ستشكل بديلاً عن المبادرة العربية التي انطلقت من دون أن تصل إلى أي هدف.

العوائق أمام مثل هذه المبادرة هي ذاتها التي اعترضت المبادرة الفرنسية قبل عامين، إسرائيل والولايات المتحدة، ولا شك أن باريس تدرك تماماً، أنه من غير المسموح لمثل هذه المبادرة بالمرور، غير أن ذلك لن يعيق العاصمة الفرنسية من أن تبذل كل جهد من أجل عودة دورها المؤثر على الصعيد السياسي في هذه المنطقة الحيوية، ولكي لا تظل الولايات المتحدة اللاعب الأوحد في هذه الساحة الاستراتيجية. انشغال فرنسا في همومها الداخلية، خاصة على ضوء الأزمة الاقتصادية، أو الحرب في مالي، والانشغال النسبي في الأزمة السورية، لن يعيقها عن أن تلعب دوراً أكبر وأكثر تأثيراً على ساحة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وبوابة ذلك، المسار التفاوضي المتوقف تماماً على الملف الفلسطيني.

في الوثائق البريطانية، التي كشف عنها النقاب أوائل هذا العام، عرفنا المزيد من التاريخ الغامض لتوزيع تركة "الرجل المريض" تركيا على التحالف الفرنسي البريطاني، وما لم نكن نعرفه، أن المسوّدات الأولى لاتفاقية "سايكس ـ بيكو" وضعت فلسطين ضمن الحصة الفرنسية، على أساس أن سورية ولبنان وفلسطين، دول الشام، في إطار هذه الحصة، بريطانيا أصرت على أن فلسطين يجب أن تبقى تحت انتدابها ربما للإيفاء بـ "وعد بلفور"، ومقابل ذلك، تساهلت بريطانيا في منح دول المغرب العربي لفرنسا، مسيو بيكو، الذي لم ينجح في ضم فلسطين إلى الانتداب الفرنسي، ربما ينجح هذه الأيام، في جعل فرنسا أقرب إلى فلسطين، بالانتقال من مرحلة الانتداب الاستعماري إلى الإنقاذ، والمبادرة الفرنسية ـ البريطانية، تعيد التاريخ إلى مقاربة غريبة، سايكس ـ بيكو، كانت اقتساماً لتركة العثمانيين، والآن، قد تشكل مواجهة مع النفوذ الأميركي المتفرد في المنطقة.. فهل يعود مسيو بيكو هذه المرة برداء جديد، في الشكل والجوهر، ويكتب لفرنسا دوراً أكثر تأثيراً في ساحة الشرق الأوسط من خلال النفق الفلسطيني ـ الإسرائيلي؟!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير