المصالحة ما بين الاتفاق و بناء النظام السياسي الفلسطيني -قلم- احمد حنون

05.02.2013 04:29 PM
ثمة تشابه يصل الى حد التطابق ما بين الحالة الفلسطينية والحالة اللبنانية ، رغم الاختلافات الطفيفة ، اضافة للترابط الكبير مابين لبنان وفلسطين ، تشابه في الحرب وتشابه في الوضع الداخلي ، وتشابه في الانسحاب الاسرائيلي من جانب واحد من جنوب لبنان وجنوب فلسطين ( قطاع غزة ) ، وكذلك فيما يخص اتفاق المصالحة الفلسطينية ( في مكة المكرمة ولاحقا في القاهرة ثم الى الدوحة ) والذي يشابه اتفاق الطائف ـ ومن ثم الدوحة ـ من حيث المضمون لوقف الحرب الاهلية ( الانقسام ) والمحاصصة السياسية في الاطار الطائفي والمحاصصة الفلسطينية بين الفصائل الفلسطينينية ، صحيح ان اتفاق الطائف اسس لادارة الوضع والحالة السياسية واعتبر مرجعا للاحتكام اليه لبنانيا ، الا انه لا يحاكي بناء النظام السياسي على اسس جديدة مستفيدين من تجارب الماضي ، او اعادة بناء النظام السياسي في اطار دستور يساوي بين الطوائف اللبنانية ، فيما يخص الرئاسات الثلاث الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة ما بين المسيحيين والشيعة والسنة ورغم ذلك انفجرت الازمة وتم اسقاط حكومة الحريري ، كل هذا في اطار قوانين انتخابية تكرس الحالة الطائفية ، مستندة الى دستور يحميها ، وفلسطينيا يعتقد ان اتفاق المصالحة سيحل المشاكل الفلسطينية وازمة المالية والسياسية ، وكأن الوضع سيحل بشكل كامل لان هذا التوقع هو افراط في التفاؤل في غير مكانه ، ولا تصغير باهمية الاتفاق الذي يضع حد لحالة الانقلاب والانقسام وتراجع الحالة الفلسطينية والاهم هو ان ترسخ ان المصالح الوطنية الفلسطينية هي مصالح كل الشعب الفلسطيني وبرنامجه الوطني ، وليست مصالح فصيل في الاثراء بسب حالة الانقسام او الانقلاب يكفي نقوص وتراجع ، رغم الجهود السابقة للوحدة الفلسطينية سواء أكان في الجزائر او السودان او القاهرة وثم مكة المكرمة وصولا الى الدوحة وليس انتهاء بها لتعود للقاهرة .

بأمل تجاوز العقبات والصعاب والتعقيدات والتعطيل والمصالح الضيقة نكون امام حكومة رئاسية برئاسة الرئيس ، على طريق انجاز اتفاق المصالحة الفلسطينية وصولا للمصالحة لان هناك فارق بين اتفاق المصالحة والمصالحة ، مصالحة تتخطى محاولات القفز على التمثيل الفلسطيني ، تعيد اللحمة الفلسطينية وتوحد الفلسطينين لتنهي سنوات من الانقسام والانقلاب والظلام من عمر الشعب الفلسطيني ، مصالحة تجب ما قبلها " لا غالب ولا مغلوب " مصالحة تتجاوز اكثر من 600 قتيل في صراع الانقلاب والانقسام ، ولجنة مجتمعية لمعالجة آثار الانقسام ، حماس تؤكد حصولها على ضمانات مصرية ( القاهرة ) وقطرية ( الدوحة ) كجزء من المصالحة او ملحق للمصالحة ، وبعيدا عن الاطالة فان اتفاق المصالحة في احسن الاحوال وافضلها تفاؤلا ، ستعيد الوضع الى ما كان عليه قبل حالة الانقسام ، مجلس تشريعي سلطة تامة باغلبية حمساوية لربما يعاود ممارسة دوره واجتماعاته وانتخاب هيئة رئاسة المجلس التشريعي وهذا ما تريده حماس لان رئاسة المجلس التشريعي في غاية الاهمية وفقا للقانون الاساسي الفلسطيني وخصوصا المادة ( 37 ) من القانون الاساسي الفلسطيني لسنة 2003 وتعديلاته لسنة 2005 ، بند 2 منه انه " إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في أي من الحالات التي حددها القانون وفقا لنص نفس المادة " يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً لمـدة لا تزيد عن ستين يوماً تجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني.

وحدة التمثيل والموقف الذي تسعى له منظمة التحرير وفتح من اجل تعزيز الدولة المعترف بها امميا ، لتنفي الانقسام عن الحالة الفلسطينية ، ولتضع العالم عند مسؤولياته ابتداءا من الامم المتحدة والدول المؤثرة دوليا ، وكذلك الدول العربية والاسلامية ، ولتضع اسرائيل في الموقف المعزول بسبب رفضها اجراء مفوضات جدية مثمرة مع الفلسطينيين .

واهم خطوات المصالحة اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والعودة للشعب وفقا للمادة (2) من القانون الاساسي لسنة 2003 وتعديلاته لسنة 2005 ، والتي تنص على ان الشعب مصدر السلطات ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، ولكن على ان تتم وفق نظام التمثيل النسبي للقوائم بنسبة 75% والابقاء على 25% وفق نظام الدوائر ، وهذا يعني اعادة انتخاب مجلس تشريعي بعدد 132 عضوا ، واضح ان اتفاق المصالحة الذي تم التوقيع عليه قبل حصول موافقة الجمعية العامة بتريخ 26- نوفمينر2012 بتصويت 136 دولة الى جانب قرار رفع مكانة فلسطين الى الدولة غير عضو (بصفة مراقب ) في الامم المتحدة ، وبذلك فان اتفاق المصالحة لا يعالج او يحاكي امكانية انتخاب مجلس الدولة التأسيسي للتأكيد على هوية النظام السياسي الفلسطيني كنظام وفق ما جاء بالقانون الاساسي الفلسطيني مادة (5) بان "نظام الحكم في فلسطين نظام " ديمقراطي نيابي " يعتمد على التعددية السياسية والحزبية وينتخب فيه الرئيس انتخاباً مباشراً من قـبل الشعب " وذلك من خلال وضع دستور فلسطيني على اعتبار ان القانون الاساسي يخدم المرحلة الانتقالية ، وحتى يكون الدستور نابعا من الشعب ويعكس طموحاته لا بد ان يوضع من قبل ممثلي الشعب عبر انتخاب مجلس تأسيسي لا يزيد عن نصف اعضاء المجلس التشريعي اي 66 عضوا يعين من ثلث اعضائه من الخبرات والشتات ، يشكل المجلس لجنة خاصة لصياغة الدستور، او ان يصار لاعتماد مقترح توافقي يعرض للاستفتاء العام عليه ، وهذا قد يكون الصيغة الاقرب للحالة الفلسطينية لمراعاة الوجود الفلسطيني في الشتات واللجوء ، وبذلك يجب ان يقدم باسم منظمة التحرير الفلسطينية ويصدر عنها بصفتها الحكومة المؤقته ، وفي هذا الاطار فان المجلس المركزي لمنظمة التحرير يمكنه ان يقوم بهذا الدور كما كان له الدور في انشاء السلطة الوطنية الفلسطينية ، ولكن غالب الظن عدم القدرة على اجراء الانتخابات المتقرحة للمجلس الوطني والاكتفاء بالتعيين في اطار المحاصصة السياسية بين الفصائل والقوى ، وهذا الامر يعكس من جديد اشكالية النظام الفلسطيني وقصوره ، الامر الذي يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار في خطوة قادمة مدروسة.

ان انتخاب مجلس تأسيسي خاص بوضع الدستور الفلسطيني قد يشكل الحل المثالي ( ربما ) في الحالة الفلسطينية على ان يراعي التمثيل الفلسطيني للشتات الفلسطيني وتواجد اللاجئين الفلسطينيين ـ خصوصا في ظل تعذر اجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني في كل من سوريا ولبنان والاردن وهنا نحن نتحدث عن الوجود الاكبر للفلسطينيين ـ ويؤسس للانتقال والتداول الهاديء والسلس للحكم ، لان الاشكالية الحقيقة في النظم السياسية الشرقية في انها قاصرة عن تقديم الاجابات الواضحة والنظامية على آليات الانتقال السلس للحكم ، وان التاريح العربي فيه الكثير من الامثلة على الانقلابات والوصول للحكم بالدم ، الشعب الفلسطيني لا يوجد بثقافته الانقلاب لان حماس لا زال تقر بالرئيس عباس رئيسا للشعب الفلسطيني رغم الانقلاب الذي حصل عام 2007 ، وهذا يشكل امتدادا لحالة الانقسام وعدم ترسيخ حالة من الوحدة كجبهة عريضة ببرنامج سياسي واجتماعي واقتصادي، يعكس النظام العام الفلسطيني الذي يحكم كافة الامور .

وتأسيسا على المادة (5) من القانون الاساسي الفلسطيني فانه من المطلوب انتخاب مجلس نواب فلسطيني، وهل انتخاب ( مجلس تشريعي ) غدى في غاية الضرورة في امتنع عن اداء مهامه لسنوات ؟ اصلا المجلس النشريعي ارتبط اسمه بحالة الانقسام ولا بد من تجاوزه كمسمى وكصيغة قانونية ، اضافة مسمى السلطة كمشروع مؤقت للوصول للدولة ، لتستبدل بالحكومة الفلسطينية ، لذلك لابد من قرار فلسطيني او توافق على امور اساسية قبل الوصول للانتخابات التشريعية والرئاسية دونما استعجال يدخلنا من جديد متاهات سوء التخطيط والفشل ، المرحلة الحالية القادمة لا تحتمل الاخطاء والفشل والانقسام بحاجة الى الجدية الحقيقة والحرص الوطني الكبير في تجاوز الماضي ، سعيا لبناء مستقبل تكون فيه الدولة الفلسطينية محور عملية بناء النظام السياسي والوطني الفلسطيني ، وضرورة اخذ العبرة من الماضي ومن الاخفاق والفشل والضعف وسوء الاداء.

وربما لزم تخفيض عدد اعضاء المجلس التشريعي ، ولكن السؤال المهم هل ستنجز الانتخابات التشريعية والرئاسية اختراقا حقيقيا في ظل الحالة العامة ؟ وهل يمكن البناء على اتفاق المصالحة في الستقبل حتى لا تبقى الحالة اللبنانية المرآة التي يرى بها الفلسطينيون انفسهم ، وان تتم العودة الى طاولة الحوار من جديد ، والقدر الذي يمكن ان يساهم فيه اتفاق المصالحة في الوصول للمصالحة الحقيقية الشاملة ، حيث لا يكفي الرهان على النوايا الصادقة وحدها ولا الضمانات وحدها في المضي في تنفيذ المصالحة ، ويكفي كذلك مسيرة الاعوام الطويلة من الحوار لانجاز وحدة وطنية فلسطينية ، رغم ان ما رفضته حماس في الخرطوم تطالب فيه اليوم ، ألا وهو الدخول الى منظمة التحرير الفلسطينية ، ولكنها اليوم اكثر استعدادا لطرح موقف سياسي لا يختلف كثيرا عن فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ، لانها توافق على دولة على اراضي الرابع من حزيران عام 1967 ، ومستعدة لهدنة طويلة المدى بدأت بداياتها عشية وقف العدوان الاخير على قطاع غزة ، هذا كله مع احتفاظ حماس بوجودها المسلح التنظيمي والذي لا يشكل مشكلة لحماس حال فوزها بالحكم ، وبالمقابل يشكل تعقيدا اذا ما خسرت حماس الانتخابات وليناقض تماما شعار السلاح الواحد الدولة الواحدة التمثيل الواحد ، ولربما يتم ايجاد محرج حقيقي يجعل الامر في اطار القانون.

في فلسطين الفرصة قد تكون مواتية لبناء نظام سياسي فلسطيني يتطلع له كل مناصري القضية الوطنية الفلسطينية العادلة لما تمثله من قدسية وثقل عربي واسلامي ودولي ، واعتقد انني افتح الباب من خلال هذه المقالة لنقاش جاد ربما اكون فيه صاحب وجهة نظر ولكن احداث نقاش على قدر كبير من الاهمية ، رغم اننا نؤمن اكثر بالاجراءات العملية اكثر من التنظير ولكن لنبقي الباب مفتوحا غير متناسين من لهم اهداف حقيقية في افشال اي جهد حقيقي للمصالحة بكل الوسائل وبخاصة اسرائيل التي تبادر دوما لاعتقال نواب حماس في المجلس التشريعي في حال وجود اي اعلان للمصالحة.

واخيرا البدء في المشاورات لتشكيل حكومة الرئيس عباس كحكومة كفاءات في نفس يوم بدء عمل لجنة الانتخابات عملها يعني ان مرسوما رئاسيا من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية سيرسم تاريخا محددا للانتخابات العامة ، يجعلنا نتحدث عن مواقيت محددة تستدعي من الفصائل الاستعداد لها وترتيب امورها الداخلية وخصوصا فصائل منظمة التحرير وحتى لا تنخدع بحجم الحشد الذي شارك في احياء انطلاقة الثورة الفلسطينية.

[email protected]

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير