إهانتان في نفس اليوم - عطاف يوسف

05.02.2013 11:37 AM
من أكثر الأمور استفزازا لي، أن يتم التشكيك بصدق كلامي أو بنواياي، لكن أن يتم التشكيك بوجودي حية أرزق، فهذا قمة الاستفزاز، وأن لا يرضى الطرف المشكك بحضوري شخصياً مصطحبة معي أوراقي الثبوتية، وأن يطلب مني تعبئة استمارة وختمها من المجلس القروي، ليثبت أنني ما زلت على قيد الحياة، فهذه في نظري إهانة كبرى، وهم بذلك يقولون لي بشكل مباشر، أن رئيس المجلس أصدق مني وإنني كاذبة وميتة، رغم أنني اتنفس وأتحدث، وكل ذلك مقابل راتب تقاعدي هزيل، لا يسمن ولا يغني من جوع.
هذه الإهانة تتكرر مع بداية كل عام، لجميع المتقاعدين المدنيين والعسكريين، يطلب منهم ما يسمى ب"تفقد الحياة"، لاستمرار صرف الراتب، ولا تكتفي هيئة التأمين والمعاشات بحضور الشخص بنفسه ووقوفه أمامهم، بل تطلب منه شهادة إما من المجلس القروي، وإما من جمعية المتقاعدين العسكريين، ولا أدري توقيع من إذا كان المتقاعد مدنياً.
قلت لهم: ألا يكفي حضوري شخصياً، وأن يكتب على الاستمارة عبارة "حضرت بنفسها" للتأكد من أنني لا زلت على قيد الحياة، أم أن الكل أصدق مني؟ أم أنكم تستعجلون موتي؟
الإهانة الثانية وكانت أقسى من سابقتها، وحصلت في نفس اليوم هي طلب مؤسسة أسر الشهداء مني ورقة من المحكمة الشرعية، تثبت عدم زواجي مرة أخرى، بناء على طلب وزارة المالية، وأيضاً تحت التهديد بقطع راتب الشهيد.
كم تمنيت لو كانت أوضاعي المالية جيدة لاستغني عن راتب زوجي وراتبي التتقاعدي، حتى أجنب نفسي من التعرض للإهانات مع بداية كل عام.
عبأت استمارة تفقد الحياة، وارسلتها مع أخي لرئيس المجلس المنتخب حديثاً لتوقيعها وختمها بختم المجلس، إلا أنه أعاد الورقة لي، لأنه لم يستلم بعد ختم المجلس من الرئيس السابق، فاستعنت بصاحب الدكان ليوقعها لي منه وهذا ما تم.
أما بالنسبة لورقة عدم الزواج، فكان مطلوب مني أن أذهب إلى المحكمة الشرعية، وأنا بصراحة أكره الذهاب هناك، لأنني سبق وتعرضت لإهانات لا حصر لها هناك، أولها التشكيك بقدراتي العقلية، مرورا بالتشكيك في نزاهتي وأخلاقي، وليس انتهاء بالتشكيك في مراعاتي لمصلحة أبنائي، عندما طلبت أن أكون وصية على أبنائي القصر، منحت الوصاية وحق عمل جوازات سفر لهم فقط، لكن لائحة الممنوعات احتلت ثلثي الصفحة، بينما المسموح سطراً واحداً، وذلك بشهادة شابين أحضرتهما من الحسبة، أعرف أحدهما، بينما الآخر لا أعرفة ولا يعرفني، وشهد معي على أنني غير مجنونة وأنني أراعي مصلحة أبنائي.
هذه المرة لم نكن الحسبة قريبة، حيث انتقل مقر المحكمة الشرعية إلى سطح مرحبا، حيث كلفني المشوار 30 شيكلاً للتكسي ذهاباً وإياباً، وبعد أن قدمت الطلب في المحكمة طلب مني الموظف إحضار شاهدين، سألته: من أين سأحضر لك الشهود؟ ألا يكفي أن احلف يميناً أنني لم اتزوج. قال: لا، لا بد من إحضار الشهود، سألته بسخرسة واضحة، هل تريدني أن أحضر لك أي شاهدين من الشارع، قال: نعم، قلت: يعني كأنك تقول لي أي كان هو أصدق مني. قال: نعم، احضري الشهود. ذهبت للشارع، وجدت شخصاً اعرفه من بعيد، وأنا متأكدة أنه لا يعرف عني شيئاً، وشخصاً آخراً لم أره في حياتي من قبل، حضرا معي ووقعا فقط على الطلب وذهبا، بعدها ذهبت إلى المحاسب، دفعت 5 شواكل وسألت: ماذا بعد؟ قال: خلص مع السلامة، لم أدخل على القاضي، ولم استخدم الشال الذي كنت قد وضعته في حقيبتي احتياطاً لأضعه على رأسي، لأن القاضي الشرعي يرفض استقبال النساء، إذا كن حاسرات الرأس، مع أنه يستقبل من يضعن المكياج الصارخ لكتب الكتاب. خرجت من المحكمة وأنا ابتسم وأجبت سائلي عن سر الابتسامة قائلة: ما أسهل التزوير!!.
اعتقد أن هناك وسائل أخرى يجب أن تتبع، للحفاظ على كرامة المواطن، ومن حقه أن لا يتعرض للإهانة والتشكيك في مصداقيته، فهو مواطن أولاً وأخيراً.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير