سعيد موسى مراغه العسكري المخضرم والسياسي البسيط -قلم- علي بدوان

01.02.2013 07:35 PM
لم أكن في يوم من الأيام من أنصار أو من مقربي حركة فتح الإنتفاضة من زاوية خطها وبرنامجها أو سياساتها ومواقفها منذ إنشقاقها عن حركة فتح الأم في الثالث عشر من أيار/مايو 1983، لكنني كنت بالمقابل صديقاً، ولو صديقاً لدوداً للعديد من كوادرها وأبنائها، وقياداتها، ومنهم الأب الكبير بالنسبة لي الأخ العقيد أبو موسى (سعيد موسى مراغه) الذي زرته قبل أشهر في مكتبه في ساحة التحرير وسط مدينة دمشق، وقد أهداني مجموعة (سي دي) لحلقاته المسجلة مع عزام التميمي لصالح فضائية الحوار ضمن برنامج مراجعات.

العقيد سعيد موسى مراغه (أبو موسى)، شقيق شهيد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجون الإحتلال إسحق مراغه، عاش في سنواته الأخيرة التي تجازوت السبع والثمانين عاماً، حاملاً كختيار فلسطين "العكازة أو العاكُورة وليس عصا الماريشالية"، رجلٌ من جيل المناضلين المخضرمين كبهجت أبو غربية وجورج حبش وإبراهيم بكر وأحمد اليماني ووديع حداد وخالد الفاهوم إلخ... عاش النكبة وخاض فصولها، فتاً يافعاً وشاباً ورجلاً، فرأى بأن عينه مأساة شعبه المنكوب عام 1948، فأختار طريق العمل الوطني بالإنتساب للكلية الحربية، ليصبح ضابطاً عاملاً في الجيش الأردني.
أبو موسى، إبن سلوان قضاء القدس، ضابط فلسطيني وعسكري محترف، خرج من الجيش الأردني بعد خدمة طويلة كان أخرها في مرتبات اللواء المدرع الأربعين ملتحقاً بقوات الثورة الفلسطينية وحركة فتح على وجه التحديد في أيلول/سبتمبر 1970، إلى جانب رفيق عمره الشهيد اللواء سعد صايل سلمان، واللواء أحمد عفانه (أبو المعتصم)، والعقيد موسى العمله (أبو خالد العملة)، والعقيد محمد البدر (أبو مجدي)، والعقيد الحاج ياسين سعاده، والعقيد محمود عيسى (أبو عيسى المدفعية)، والعقيد أبو جبر، وواصف عريقات (أبو رعد) وغيرهم وغيرهم من ماكان يعرف بتشكيلات قوات اليرموك بعد العام 1971، من العشرات، بل المئات من الضباط الذين ساهموا في إعادة بناء القوة العسكرية الفلسطينية في جبهة جنوب لبنان. بعد الخروج الفلسطيني المسلح من الساحة الأردنية.

أبو موسى، العقيد سعيد موسى مراغه، الضابط المرموق والمُعتَبَر عند ياسر عرفات، وعند خليل الوزير، وعند عموم القوى الفلسطينية أثناء عمله في جبهة جنوب لبنان، الضابط المزكى بخبرته الميدانية ووفائه وإلتصاقه بقضية شعبه، حتى وإن طالته عثرات التجربة ومراراتها حين إنشق عن الحركة الأم عام 1983، إلا أنه بقي هو ذاته العقيد سعيد موسى مراغه (أبو موسى) الذي إرتبطت باسمه جبهة جنوب لبنان وقيادته لها منذ العام 1971 وحتى العام 1978، فكان المقدم أبو موسى في حينها إسماً وبيرقاً يلمع فوق كل الأسماء والبيارق، يجاوره رهط من العشرات من المناضلين الفلسطينيين، كان منهم العقيد الشهيد عزمي الصغيّر، والعقيد الشهيد بلال الأوسط، والعقيد الحاج إسماعيل جبر وغيرهم وغيرهم...

سَمعتُ بالمقدم أبو موسى مع نهاية جولة أيلول/سبتمبر 1970 إبان الصدام المسلح في الساحة الأردنية، ورأيته شخصياً لأول مرة عام 1977 في صيدا في لبنان أثناء إحتفالي مركزي لحركة فتح، شاركت به معظم القوى الفلسطينية، وقد تحلقت أعداد كبيرة من المقاتلين والمليشيا والتنظيم نهاية الحفل المركزي حول أبو موسى، منشدين أهزوجة فتحاوية، ورد فيه إسم الشهيد أبو علي إياد :
أبو علي لعيونك والعكازة .... مانتراجع لو كل يوم مائة جنازة
أبو عمار لعيونك والنظارة .... فدائية لو كل يوم مائة غارة
أبو موسى لعيونك والعاكُورة ..... فدائية من رفح للناقورة
هذا هو العقيد سعيد موسى مراغه (أبو موسى)، الذي سبقته سمعته الطيبة على الدوام، ومحاربته للتجاوزات والتفلتات وغيرها، خصوصاً في مرحلة قيادته لجبهة جنوب لبنان طوال سبعينيات القرن الماضي، فبات تأثيره طاغياً على حركة فتح وجناحها العسكري قوات العاصفة وعموم الوحدات الفدائية الفلسطينية المقاتلة على مختلف الجبهات وخاصة منها جبهة جنوب لبنان. شديد الانضباط الذاتي، متواضع، مقيماً دوماً بين القوات، وفي المعركة على رأسها. لم يعرف الملاجئ ولا السيارات المصفحة.

خاض العقيد أبو موسى معظم معارك الثورة الفلسطينية في جنوب لبنان، في قطاع العرقوب والقطاع الغربي وقطاع النبطية الأوسط، وقاد عمليات القصف الصاروخي على المستعمرات في جليلنا الفلسطيني، بما فيها رشقات الكاتيوشا التي كانت تتساقط على المستعمرات الصهيونية في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي من نهاريا إلى كفار يوفال وكفار جلعادي ومسكاف عام وصفد وصولاً إلى الخالصة (كريات شمونة) بقيادة وإشراف مناضلي الثورة الفلسطينية وعلى رأسهم العقيد أبو موسى، فأكتسب ثقة أبو عمار ياسر عرفات، ومحبته وثقة المجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، فأوكل إليه أبو عمار مهام صعبة وفي ظروف قاسية جداً، كان منها على سبيل المثال قيادته للقوات المشتركة الفلسطينية والوطنية اللبنانية عام 1976، والتي كان منها أيضاً لحظات صعبة إثر الصدام المسلح والمؤسف، الفلسطيني السوري في حزيران عام 1976 وتحديداً مع عبور كتيبة سورية مدرعة من الفرقة الثالثة السورية بإتجاه مدنية صيدا عن طريق جزين والتي وقع معها إشتباكاً دموياً مؤلماً للطرفين معاً الفلسطيني والسوري.

أبو عمار ياسر عرفات، قام بنقل العقيد أبو موسى من الجنوب إلى بيروت بعد الصدام السوري الفلسطيني المؤسف وسط العام 1976، فلم ينجح ابو موسى عسكرياً في بيروت في ظروف الحرب الأهلية اللبنانية المدمرة، فأعاده أبو عمار لبيروت قائلاً "أبو موسى ماينفعش إلا للجنوب"، وهكذا إلى حين إعاة ترتيب الإنتشار العسكري الفلسطيني فوق جنوب لبنان، فتم تحديد موقع عمل العقيد أبو موسى في غرفة العمليات المركزية في بيروت، كنائباً للواء سعد صايل حتى غزو لبنان عام 1982 وحصار بيروت.

العقيد أبو موسى، الذي طالما عيّره وأنتقده البعض أو الكثيرين بالإنشقاق وخيبة الإنشقاق ومآلاته، إلا أنه بقي الفلسطيني، الذي أمتدحه أبو عمار ياسر عرفات قبل سنوات قليله من رحيله، وقد تحدث معه هاتفياً أكثر من مرة. فخطأ الإنشقاق وكفره وأثامه وأثاره وحروبه الداخلية الفلسطينية التي وقعت في سهل البقاع وطرابلس وبعلبك في النصف الثاني من العام 1983 تبقى أقل بكثير من خطأ الإستمرار به وخطأ الإنقسام وإدامته.

لقد بقي العقيد أبو موسى، كما كان حال رفيقه بالإنشقاق عن حركة فتح الأم الفقيد الراحل نمر صالح (ابو صالح) سواء إختلفنا معه، أو إتفقنا، فلسطينياً حتى نخاع العظم، ووطنياً بإمتياز، وقائداً عسكرياً أثقلته سنين العمل الوطني، فأضناه حبه لفلسطين وعهده بالسير نحوها من بحرها لنهرها على طريق حرب الشعب التي بات يراها البعض لغة خشبية متقادمة أو حالمة في أحسن الأحوال.

ومع عسكريته المجربة بالميدان، ووطنيته الخالصة، كان بالمقابل بسيطاً في تسييسه وفي تنظيراته المحدودة، فطغت رؤيته الإستراتيجية للصراع مع العدو "الإسرائيلي" بخطوطها العامة والعريضة على أي منطق أخر يتكلم بالسياسات والتكتيكات والبرامج والحوارات والتشاركية والتلاقي في منتصف الطريق والحلول والتسويات.

العقيد أبو موسى (سعيد موسى مراغه) يستحق منّا الإحترام والتقدير، وذكر محاسنه، ومشواره الكفاحي، وصلابته الراسخة، ووطنيته الصادقة، نودعه ونحن على عهد الوطن الفلسطيني السليب هناك في حيفا ويافا وعكا وصفد واللد والرملة ..

وداعاً العقيد سعيد موسى مراغه (أبو موسى)، واحداً من مفاتيح الصبر وجملٌ من جِمال المحامل الفلسطينية، وواحداً من جيل الرجال المخضرمين، البسيط كبساطة فلاحي فلسطين، وقد إرتسمت على جبهته وسحنته الحنطية القمحية تجاعيد وتعرجات دراما فلسطين والنكبة. نقرأ عليك السلام والرحمة، ونبعث معك سلاماً ورحمة لمن سبق من رجالات فلسطين، وقل لهم نحن على العهد "إما النار وإنما فلسطين جيلاً بعد جيل".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير