بريطانيا العظمى ورائد صلاح...بقلم: امجد عرار
دائماً ما تذكّرنا بريطانيا بأنها كانت المملكة التي لا تغيب عنها الشمس . لكن يبدو أن الشمس ليست وحدها التي غابت عن المملكة التي أنجبت آرثر بلفور لكي تتمخّض قريحته عن وعد كان البيضة الأولى ذات الطابع الدولي المعلن لتفريخ الصوص “الإسرائيلي” . لقد غاب عن المسؤولين في المملكة المتحدة أن تجد مبرراً لا ينتمي إلى ال “أقبح من ذنب” وهم يحاولون اختراع تفسير لاعتقال القيادي الإسلامي الفلسطيني الشيخ رائد صلاح .
لا يلوح في أفق الكلام ما يشير إلى أن وزيرة الداخلية البريطانية استشارت أحداً أو حتى فكّرت جيداً، وهي لا تقدّم تفسيراً لاعتقال رجل مسنّ يجمع بين الدين والسياسة ولا شيء سواهما، إلا كونه دخل بريطانيا من دون علم بريطانيا! الوزيرة تعد بفحص كيفية دخوله المملكة في حين أنه ممنوع من دخولها .
لو صدر هذا الكلام عن حبيب العادلي، لافترضنا على الفور أن رائد صلاح دخل الأراضي المصرية عن طريق الأنفاق، أما حين يساق هذا الكلام عن رجل ختم جواز سفره مغادراً معابر يسيطر عليه سجّانوه “الإسرائيليون”، ثم ختم جواز سفره في مطار بريطاني يديره رجال أمن وليس بائعون في سوق خضار، فإن معالجة القضية على هذا النحو تهبط إلى مستوى المسخرة أو الكوميديا في أحسن الأحوال . كان على وزيرة دولة عظمى أن تكون أكثر حصافة وأشد وضوحاً وأن تقول إن بريطانيا، الصديقة السابقة لشمس السماء والحقيقة معاً، لا تحتمل رؤية السفير “الإسرائيلي” عابساً، فكان ما كان .
لكن ما لم تقله الوزيرة، يستطيع دافعو ثمن جريمة اغتصاب فلسطين أن يقولوه . فباعتقالها رائد صلاح تؤكد بريطانيا أنها وفيّة لبلفورها والمكوّن الاستعماري الذي جُبلت عليه . الرجل الذي حاولت شريكة “إسرائيل” إهانته يحمل قضية يتعاطف معها ملايين الناس من أعراق وديانات ودول شتى . فهل الانتماء إلى قضية القدس والانشغال بها وترؤس جمعية تحمل اسم الأقصى والمقدسات تجلب تهمة العداء للسامية تلك التي وجتهها لندن إلى رائد صلاح؟
نستطيع أن نتذكّر أن الشمس كانت لا تغيب عن بريطانيا لكن لندن مدينة ضباب وليست على علاقة طيبة مع الشمس، وهي بهذه الفعلة أسقطت الواقع المناخي على المعنى المجازي لشمس لا تغطيها غرابيل الانحياز المصلحي والعنصرية المقرفة . وإذا عرفنا أن رئيس جمعية الأقصى والمقدسات كانت له كلمة في مؤتمر حول فلسطين في مجلس العموم البريطاني، لا تعوزنا الفطنة لكي نفهم خلفية استبعاده من المؤتمر بطريقة دنيئة، وأن نرى أصابع الحركة الصهيونية خلف الاعتقال . ثم إن الحركة التي يرئسها صلاح تقول إنه في اللحظة الأولى التي صدرت فيها الدعوة إلى الرجل لزيارة بريطانيا، جن جنون اللوبي الصهيوني، كيف لا وهو لا يريد أن تنفتح نوافذ العالم على غير رواية، بل على الحقيقة المدفونة في مدفن اسمه العولمة الاستعمارية .
ليست الوزيرة البريطانية أكثر حرصاً على أمن بريطانيا من مواطنتها سارة كولبورن، ولو من موقعها رئيسة لحملة تضامن مع فلسطين المجروحة بسهم بريطاني . هذه السيدة تقول إن صلاح هو رئيس حزب سياسي مشروع، وهو يعارض جميع أشكال العنصرية بما فيها معاداة السامية التي صدّعت “إسرائيل” رأس العالم بها .
يستطيع أن يعتقل العربي الذي لا يعجب “إسرائيل”، وأن يزجّه في السجون بلا محاكمة أو يرحّله، لكن بشرط أن يكف عن بيعنا شعارات الديمقراطية، أي أن يكف عن الكذب.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء