يا متضرري العاصفة الثلجية أبشروا، فقد جاءكم الغوث د. حازم الشنار
17.01.2013 09:19 PM
وقد انساني المنظر الساحر الذي شاهدته من على سطح المنزل شدة الاضرار التي لحقت به وبمرافق البنية التحتية فيه نتيجة للعاصفة، حيث كان الثلج الابيض يكسو سفوح التلال و الاودية المحيطة بها. ولما نزلت عن السطح كانت صورة التلفاز قد عادت، اما الشبكة العنكبوتية فبقيت متوقفة على حالها، فادركت ان جهاز التوجيه قد اعطبته العاصفة. لقد ظفرت على الاقل بمشاهدة التلفاز ومتابعة نشرة الاخبار التي تركزت على تأثيرات العاصفة على المناطق المختلفة، فهالني حجم الاضرار التي تسببت بها والارواح التي أزهقتها، خصوصا في المناطق الشمالية من الضفة وفي البلدات القديمة والمزارع ومضارب البدو في الاغوار.
ومن اجل التعرف على تأثيرات العاصفة على المدينة التي اقطنها، قررت الخروج بجولة سريعة، فرأيت امورا سرتني وامورا اخرى ازعجتني. لقد سرني قبل كل شيئ المنظرالبهي لشوارع المدينة واشجارها ومرافقها وبناياتها وهي مكسوة بالثلوج، وخروج بعض الفتية فرحين الى الشوارع والمروج، وهم يلعبون بتقاذف الكرات الثلجية وإقامة التماثيل منه والتقاط الصور حولها. وسرني ايضا قيام اليات البلديات بفتح الطرقات وتحركات سيارات الدفاع المدني والصحة للقيام بعمليات الانقاذ والطوارئ. وما لم يسرني هو حال البنية التحتية لدينا والتي صرف على إنشائها وعلى اعادة اعمار الشوارع والميادين وشبكات المياه والمجاري مئات ملايين من الدولارات، لنجد شوارع مليئة بالحفر وشبكات مجار عاجزة عن استيعاب تدفق السيول، مع ضعف استعداد للتلبية السريعة لمعالجة الفيضانات والاعطال في شبكات المياه والكهرباء والهاتف، وفي القيام بعمليات الاغاثة و توفير المساعدة للمتضررين.
ومن اجل المقارنة استعنت بالمذياع، لاستمع الى الاخبار عن اثار العاصفة الثلجية على اسرائيل، وتفاجأت بالسرعة التي تم فيها نشرتقرير اولي عن حجم الاضرار التي اصابت المرافق فيها، حيث قدراتحاد الصناعات خسائر الصناعة بثلاثمئة مليون شاقل، اما التجارة فقدرتها اتحاد ارباب العمل بعشرات ملايين الشواقل حيث تشكلت على الفور لجنة لحصر تلك الخسائر، وكذلك الامر بالنسبة للزراعة. والاهم من هذا هو ان هذه البيانات بدأت تتوارد على الفور من الجهات المعنية على شكل مطالبات الى "صندوق الكوارث الطبيعية". فتذكرت صديقي القائد السابق لجهاز الدفاع المدني وحديثي معه عن ضرورة انشاء صندوق فلسطيني للكوارث الطبيعية، بل ان الامر دفعني ايام وقوع اعصار التسونامي الى التفكير بضرورة وجود صندوق دولي يعنى بالكوارث الطبيعية في جميع انحاء العالم وكتبت مسودة مشروع لذلك.
اما في الجانب الفلسطيني، والحق يقال فقد تبارى المسئولون في زيارة المناطق المنكوبة، بدءأ من صباح ذلك اليوم، للاطلاع عن كثب على حجم الخسائر والاضرار، وللتضامن مع الاسر والمؤسسات المنكوبة. وكان اول الواصلين الى تلك المناطق وبالتحديد في محافظتي طولكرم وجنين، رئيس الوزراء سلام فياض، وتلاه بعض وزراء الاختصاص ومن بينهم وزير الاقتصاد الوطني جواد الناجي الذي قام بتهدئة روع المتضررين واعدا اياهم بتشكيل لجان لحصر قيمة الاضرار تمهيدا للتعويض عنها. وحسنا فعل مجلس الوزراء الذي قرر في جلسته يوم امس رغم الازمة المالية التي نعيشها اقتطاع ثلاثة عشر مليون شاقل من موازنة الرواتب، لدفعها كتعويضات فورية للمزارعين والى اصحاب المصانع والبيوت المتضررة. وان كنا لا نعلم بالحجم الحقيقي للاضرار ومدى ملاءمة هذا المبلغ مع تلك الاضرار، الذي يبدو مبلغا ضئيلا جدا بالمقارنة مع الخسائر، وبأن محسن واحد من القطاع الخاص في العالم الغربي كان من الممكن ان يدفعه لمتضرري بلده. المهم ان تتحول الاقوال والقرارات الى افعال وعلى وجه السرعة، وان تتحول هذه الخطوة الرمزية الى برنامج اغاثة شامل ومتكامل، وان يترجم ما ذكر من وعود في التصريحات عن حصر للاضرار وتعويضها بالكامل الى ارض الواقع ودون ابطاء، وان لا تذهب الزيارات والتصريحات والتقاط الصور التذكارية ادراج الرياح.
وهمسة اخيرة في هذا المقال اضعها في اذن مسئولينا، قبل هبوب العاصفة الثلجية القادمة او وقوع اي كارثة طبيعية اخرى، و حتى لا تتكرر فاجعة عنبتا وقبلها فاجعة جبع، هي في انه لابد من تقييم جدي لبنيتنا التحتية، ولمدى قدرتها على تحمل انعكاسات التغيرات الجوية و على تلافي الاضرار المادية والجسدية الى اقصى حدود ممكنة قبل حصولها. كما انه لابد ان يتغير المنهج في التعامل مع الكوارث الطبيعية من منهج ادارة ازمات الى منهج منظم وممأسس لادارة الكوارث الطبيعية، وبدلا من اقتطاع التعويضات كالعادة من البقرة الحلوب (رواتب الموظفين)، ينبغي انشاء صندوق وطني لتعويض متضرري الكوارث الطبيعية، من الممكن ان تشكل موارده من رسوم جباية مخصصة للتأمين ضد الكوارث الطبيعية. ومع كل التقدير لجهاز الدفاع المدني والاجهزة الاغاثية الحكومية الاخرى، الا ان محدودية امكانياتها المادية والبشرية تفرض تجنيد منظمات المجتمع المدني للقيام بمهام اغاثية طارئة، وينبغي على الاجهزة المعنية العمل على تدريب الطواقم التطوعية للقيام باعمال الاغاثة والتحضير المسبق لها. كما لابد من القيام بتمارين عملياتية في كل المدن والتجمعات السكنية لمواجهة اوضاع الطوارئ، ونشر الوعي والثقافة العامة عن سبل مواجهة الكوارث الطبيعية واهمية التكافل والتضامن والتنظيم في مواجهتها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء