رسالة الى خادم الحرمين الشريفين فلسطين تحت الحصار الشامل - أحمد حنون

16.01.2013 11:42 PM
عندما يداهم الخطر شعبا كاملا بكل زمان ومكان ويحصار من كل اتجاه فانه الشعب الفلسطيني ، وعندما يتم احتلال وغصب ارض الديانات السماوية وفيها القدس خلال مؤامرة دولية فان هذه الارض فلسطين ، التي قال فيها الرحوم المللك عبد العزيز "انها لا تحتاج الى رجال فرجالها اهل ثبات "، فاننا نتذكر دوما المواقف الشجاعة ـ رغم من تخلي وابتعد وقصر بحق قضية فلسطين ـ ومقولته "ويل للضعيف الذي اذا احتله القوي"، هذا جزء مما سجله التاريخ ليس حصرا وانما اقتباسا من مواقف العزة العربية في دعم واسناد القضية الفلسطينية ، لننفي عن العرب خروجهم من التاريخ وليعود العرب لاعبون اساسيون في السياسة واصحاب مصالح لا يمكن تجاوزهم ، في اطار علاقة تضامنية تكاملية كالجسد الواحد ، مرسلين الزيت ليضاء به قناديل المسجد الاقصى اولى القبلتين ، والارض التي بارك الله حوله ، في تثبيت ودعم صمودهم ورباطهم ، وله اجرهم في نضالهم ودفاعهم عن ارض المسلمين ، في خط الدفاع الاول عن الامتين العربية والاسلامية .
فانكم من موقعك ومن مكانتكم يا خادم الحرمين ومن موقع قيادتكم للعرب والمسلمين ، تستطيعون ان تفعلوا الكثير من اجل فلسطين قلب المسلمين وجرحهم ومعراج نبيهم والارض المباركة التي بارك الله حولها ، والمقدسة لكل الاديان ، وان بامكانكم صناعة تاريخ يكتب عنه لاجيال ، ففلسطين وشعبها امانة في اعناقكم وفاء لله ورسوله وللمباديء ، ومواقف الاباء ، فانتم وحدكم ومعكم من معكم ومن يريد ان يكون معكم تستطيعون ا ن تقدموا لفلسطين وان تكسروا الحصار عنها ، في كلمة حق تلقون الله تعالى بها ، وكما عودتم العالم بانكم صاحب الكلمة الفصل في الازمات التي تواجه الامة والشعب الفلسطيني عونا وسندا .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم "خير الناس أنفعهم للناس"، لذلك فإن أعظم الأعمال هو ما دام نفعه وهنا انا اقتبس من خطاب لكم خادم الحرمين ، فان الحصار الظلم المفروض على الشعب الفلسطيني لا يمكن كسره بدونكم رغم صمود شعبنا ، ومبادرتكم لكسر الحصار المالي ومطالبة العالم بوقف وكسر هذا الحصار هي عمل عظيم ينفع الناس ويدوم نفعه ، فجزء من معركة الدولة الفلسطينية قد انجز ولم يبقى الا مزيدا من الصبر والثبات .
وخصوصا في ظل وصول الوضع المعيشي والاقتصادي الذي وصل الى حافة الخطر الشديد ، حيث تصل نسبة الفقر الى معدلات عالية وكذلك البطالة ، وهناك من يعجز على تقديم اقل من نصف دولار لابنائه ، وان مجموع ديون الموظفين للبنوك العاملة تصل 664 مليون دولار امريكي حتى اوكتوبر 2012 ، وما يقارب 70 الفا من موظفي القطاع العام من الذين اقترضوا من البنوك ، لسداد التزاماتهم ، وفي ظل الازمة المالية والاقتصادية المتلازمة وانقطاع الرواتب فان ازمة حقيقة كارثية تواجه الشعب الفلسطيني ، ومن خلال حصار اسرائيلي يومي معلن وقرصنة على اموال الشعب الفلسطيني ، وحكومة اسرائيلية يمينية متطرفه لا يتوقف برنامجها عند حد ، وتخطط للاطاحة والتخلص من الرئيس الفلسطيني ابو مازن ، وادارة امريكية تفرض حصارا ماليا وعقوبات على الضحية الفلسطينية ، ليكون الهدف اما التركيع او التقتيل ، ومن احيا نفسا كأنما احيا الناس جميعا ومن قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا .
لم تكن ثورة الشعب الفلسطيني يوما ثورة جياع في يوم من الايام ، وكانت قضية وطنية عربية اسلامية ، فان هناك من يحاول فرض معادلة المساعدة مقابل الحق بدولته وكأنه عقاب للشعب الفلسطيني ، وقدر على الفلسطينيين ان يبقوا طوال حياتهم الضحية الدائمة، لتجريد الفلسطينين من حقهم بقهرهم وخنقهم ونفيهم وتقسيمهم ، رغم كل الاصرار على قرع جداران الخزان ، وهدم سور من العنصرية ، واغلاق باب الشمس .

قالوا " أن الشعب الفلسطيني قد خانه العالم" وفق افتتاحية صحيفة الاندبندنت ، ولكني اضيف ان لا حصار على الشعب الفلسطيني بدون العرب ، والجهة الدولية الوحيدة التي يمكنها كسر الحصار عن الشعب الفلسطيني هم العرب ، والعمق الفلسطيني هم العرب ، وان الفلسطينيون لا يضرهم من خذلهم وانهم حتما منتصرين لحقهم ، رغم ما لحق بهم من اذى معنوي وسياسي ومجتمعي بسبب حالة الانقسام والتي يتحمل مسؤوليتها الفلسطينيون اولا ولكن هناك من غذى وساعد اتساع الهوة في الانقسام ، وبذلك فان الاشقاء العرب مطالبون بوقفة جدية ، مقابل إفقار الفلسطينيين مرة من خلال تقسيم فلسطين سنة 1947 و مساندة إسرائيل كدولة محتلة لشعب اعزل ( صاحب الأرض ) ومرة بالدعم غير المحدود لإسرائيل ومرة بغض الطرف والسمع والبصر عن الممارسات الإسرائيلية ومرة بالموافقة على استباحة الدم الفلسطيني ومرة بالصمت على جرائم الحرب الإسرائيلية والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الابادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ سنة 1948 ، ومرة بالمشاركة الفعلية في دعم العدوان والاحتلال وعقاب الحرية ، وهذه المرة فان العالم الذي خان وخذل الفلسطينيين ( فانه ) ضالع العدوان على الشعب الفلسطيني بتجويع أطفالهم وإفقارهم حتى لا تقوم لهم قائمة استمرارا للنكبة الأولى التي يعيشها الفلسطينيين اليوم منذ العام 1948 عندما تحول أصحاب الأرض وتجارها ومالكوها ومزارعوها إلى فقراء مشردين مشتتين ، تحت رحمة المانحين وبانتظار المساعدات المعلقة والمشروطة ، ويعيش تحت اللا رحمة من المحتل الذي يحجز على أمواله ويحارب ويحاصره ويجوعه ويحتل أرضه، وليصبح الوضع الإنساني والمعيشي لا يسر عدوا ولا صديقا في ظل حصار لم يغادر يوما فلسطين وحواجز اسرائيلية منتشرة تصل الى 700 حاجز وعائق في الضفة الغربية وفصل كامل بين مدن الضفة وغزة وفصل مماثل بين الضفة والقدس وبين ما قبل وما بعد ، وبذلك فان العالم قد وصل الى حضيض الانهيار والسقوط الإنساني والأخلاقي بالموافقة على هدم المنظومة الإنسانية والقيمية لتصبح معها الحياة والبشرية لا قيمة لها ولوجودها وموضع سؤال ، إنها مخطوطة حجرية كبيرة هدية من العالم الحر والديمقراطي للشعب الفلسطيني في اللاتسامح ودرس في العنصرية البغيضة، ضد شعب طيب يحب الحياة الكريمة، وآلا فان هذا الحصار المفروض على السلطة الفلسطينية إذا ما تواصل ونخر العظم فانه جريمة ابادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، في ظل نظام عالمي قاصر متهم بالحضارة والتحضر مخدوع بالقوة ، يعتقد ان بامكانه السيطرة على مقدرات الشعوب وحرمانها من حقوقها الاساسية واحداث اكبر قدر من الفوضى ، وممارسة الاستبداد والاستبعاد ، ليكون قد غدا معه الوجود الإنساني غير ذي قيمة أخلاقية وإنسانية ، لان الفعل انتقل من الخطأ كصفة إنسانية للخطيئة كصفة شيطانية من خلال الإصرار على الخطأ ، بالاصرار على الظلم التاريخي الذي يلازم الفلسطينيين منذ زمن بعيد ، فالإنسانية اليوم مصابة في مقتل ان هي استمرت بالسكوت عن ما يحدث في فلسطين او شاركت في حصار وتجويع جديد للفلسطينيين في اطار المقايضة او المفاضلة بين الحرية وبين الجوع والحصار، فالعالم الذي لم يحتمل النظر لعيون الأغنياء وهم يفقدون جزء من ثرواتهم الطائلة ، و يعاقب من يموت جوعا وقهرا وظلما .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير