مثلث العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية-الروسية...والديناميكيات المحتملة

22.05.2018 01:36 PM

ترجمة خاصة-وطن: أفضت الأساليب العدوانية التي اتبعها نظام الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش، في اختراق أطراف الشرق الأوسط (عبر حرب أفغانستان في العام 2001)، واختراق قلب منطقة الشرق الأوسط (عبر الحرب على العراق في العام 2003) إلى تعزيز قوة وحضور إيران. وصحيح ان واشنطن تمكنت من الإطاحة بقوتين رئيسيتين ، في أفغانستان والعراق، غير ان تدخلها في هذين البلدين كان أحد العوامل الرئيسية وراء صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا.

وفي نهج مختلف، دعا خليفة بوش، باراك أوباما، إلى اتاحة الفرصة لنمو الديمقراطية وتقدمها في المنطقة. وكانت هذه السياسة أحد العوامل الهامة التي أدت الى اندلاع الربيع العربي، وزعزعة استقرار الأنظمة العربية. فقد ارتأت إدارة أوباما التخلي عن بعض الأنظمة التي وقعت تحت الضغط الشعبي، مثل النظام المصري برئاسة حسني مبارك. كما أدى "هوس" واشنطن الى الإطاحة المباشرة بأنظمة أخرى، مثل نظام معمر القذافي في ليبيا.

وبعيدا عن حالتي مصر وليبيا، ما تزال النتائج السلبية للتشجيع الأمريكي لهذه الاحتجاجات تتكشف الى الان. فعلى سبيل المثال، انزلقت التطورات في بعض الدول الى منحى لم يكن متوقعا، كالحالة السورية. ففيها وقعت حرب أودت بحياة مئات الالاف من الناس، وأسفرت عن نزوح الملايين. كما أدت سياسة أوباما المترددة إلى استخدام تجاوز كل الحدود في الحرب السورية، والقفز على "المحرمات"، مثل استخدام الأسلحة الكيماوية.

وعلى الرغم من معارضته الشديدة لاستخدام الأسلحة الكيماوية، واعتبارها "خطا أحمر" بالنسبة للولايات المتحدة، الا ان أوباما امتنع عن ضرب سوريا، بعد استخدامها للأسلحة الكيميائية، وفقا لتقارير مختلفة.

كما استحدثت إدارة أوباما إرثا جديدا، صعبا وغير معهود، بالنسبة الى إسرائيل، وهو الاتفاق النووي مع إيران. وعلى الرغم من قسوة القيود المفروضة على برنامج إيران النووي، رغم انها محددة بوقت معين، الا انها اهملت اثنتين من القضايا الهامة وتركتهما دون علاج، وهما: برنامج إيران للصواريخ البالستية، والأهم من ذلك، جهود إيران ودورها في زعزعة الامن والاستقرار في أنحاء المنطقة.
وعلى صعيد الازمة السورية أيضا، استغل الروس الفراغ الذي تركته الإدارة الامريكية هناك، فملأت القيادة الروسية كل المساحات الجغرافية الممكنة، وتوسعت الى كل الصلاحيات التي تمكنت من بسط نفوذها عليها.

فقد زادت من وجودها العسكري في سوريا، بطرق مباشرة وغير مباشرة. اما طريقة توسعها العسكري على الأراضي السوية، فهي ما يقلق إسرائيل الى حد بعيد جدا. فإيران تبني وجودها في سوريا بحيث يسمح لجار إسرائيل المعادي (أي سوريا) بان يصبح قاعدة تجهيزات، ومنطلق عمليات قريب لأعداء إسرائيل اللدودين (أي إيران وحزب الله). وقد أجبرت هذه الحقيقة، الصعبة والمرة والمعقدة، بالنسبة الى تل ابيب، على عقد حوارات ثانوية مع موسكو عبر عشرات الزيارات واللقاءات الخاطفة التي يقوم بها نتنياهو مع بوتين بين الحين والأخر، وذلك بالتوازي مع الحوار الاستراتيجي العميق والمستمر وطويل المدى موسكو.

وقد كان الحوار الاستراتيجي ناجحا بين إسرائيل وروسيا، حيث مكن تل ابيب من الحفاظ على مصالحها في سوريا ولبنان طيلة سنوات الازمة السورية، مع تجنب الاحتكاك مع موسكو وفلاديمير بوتين. وهكذا، وفي حين أن إسرائيل لم تحل مكان شريكها الاستراتيجي الأمريكي في سوريا، الا انها تمكنت من إيجاد توازن لها بين القوتين الكبيرتين، موسكو وواشنطن.
وعلى اعتبار ان المصالح والاستراتيجيات الأمريكية في الشرق الأوسط غير واضحة، فإن إسرائيل مجبرة على مواجهة التهديدات المتصاعدة من أعدائها التقليديين، وخاصة إيران وحزب الله، بنفسها وفق رؤيتها. بالإضافة الى ضرورة التعامل مع حلفاء سابقين، لم يعودوا حلفاء، بل واتجهوا لاتخاذ خط صارم، وربما عدواني ضد تل ابيب، مثل تركيا.

ولا تركن إسرائيل الى العلاقة مع روسيا بوتين، فهي تدرك ان موسكو تحاول انجاز وجود كبير لها، انطلاقا من كونها ترى نفسها قوة عظمى سابقة، وبالتالي ما تزال تحتفظ بطموحات لاستعادة نفوذها السابق في الساحة الدولية.
ولهذا، تأمل إسرائيل أن يشكل الهجوم الأمريكي، بمشاركة فرنسا وبريطانيا، ضد مواقع تطوير وإنتاج الأسلحة الكيميائية في سوريا، شهر نيسان 2018، مؤشرا على عودة واشنطن بقوة إلى المنطقة. وفي حال حدث ذلك (أي عودة الوجود الأمريكي)، فإن تل ابيب ستكون قادرة على الاعتماد على الولايات المتحدة، وستستغل ذلك بأسرع وقت ممكن، وخاصة في ظل وجود روسيا وتورطها في سوريا، مما سيقلل التهديد المحتمل من قبل إيران ووكلاءها، مثل حزب الله، والميليشيات الشيعية المستوردة إلى سوريا من أفغانستان وباكستان، وفق الكاتب.

اما إذا كان العكس هو الصحيح (أي استمرار الوضع الحالي من الغياب الأمريكي في الشرق الأوسط، وخاصة الازمة السورية)، فإن من الاجدى لإسرائيل أن تلتزم بسياستها الحالية، وأن تحافظ على المثلث الدبلوماسي الذي تتزعمه منذ سنوات، بحذر وحكمة. بمعنى اخر، الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية الوثيقة مع الولايات المتحدة، وتحريك الدبلوماسية الامريكية وفق مصالحها في المنطقة، وفي ذات الوقت رعاية العلاقة والمحافظة على القنوات مع جارتها الجديدة، روسيا.
غير ان أي من هذين السيناريوهان يعتمد على واشنطن أكثر مما يعتمد على تل ابيب.

 

ترجمة: ناصر العيسة، عن: ذي جيروزالم بوست

تصميم وتطوير