المماليك..حدث قبل مئتي عام..بقلم: بسام الهلسه

20.08.2011 10:40 AM

هذه المقالة عن المماليك، ولاعلاقة لها بالأنظمة العربية المعاصرة. وإن لاح لبعض القراء تشابه ما، فهو من باب المصادفات غير المقصودة، أو مكر التاريخ الذي قيل إنه يتبدى مرة على شكل مأساة، ومرة ثانية على شكل ملهاة.

ففي العام 1811 للميلاد أوقع بهم والي مصر "محمد علي باشا" في "مذبحة القلعة" المشهورة، وهو الذي كان دعاهم لحضور الاحتفال بتسيير جيشه إلى الجزيرة العربية لمواجهة "الدولة السعودية الأولى" التي أقلقت "الباب العالي العثماني" وزعزعت هيبته، بعدما افتتحت الحجاز الشريف ونشرت سلطتها وفتاوى شيخها "محمد بن عبد الوهاب" عليه.

                          *     *    *

أنهت المذبحة آخر ما تبقى من نفوذ داخلي للماليك في مصر، فقد كانت الجيوش العثمانية بقيادة السلطان "سليم الاول"- المعروف لدى الأتراك بلقبه "ياووز"، أي "القاطع"- قد ألحقت بهم وبسلطانهم "قانصوه الغوري" الهزيمة في معركة "مرج دابق" قرب مدينة حلب في شمال سورية في العام 1516م، وواصلت زحفها إلى مصر، لتنهي دولتهم التي حكمت أقاليم مصر والشام والحجاز واليمن لأكثر من قرنين ونصف القرن، ولتعلق آخر سلاطينهم " طومان باي" على "باب زويلة"، أحد ابواب القاهرة القديمة التي بناها الفاطميون، بعدما رفض بإباء القبول بالخضوع للعثمانيين كوَالٍ تابع لهم، رغم هزيمته في موقعة "الريدانية".

                         *     *     *    

وللإنصاف، ربما ينبغي القول هنا إن الحرص على الاستقلال ورفض التبعية، كان صفة ملازمة لعهد المماليك منذ تولى قائدهم العسكري الأتابك "عزالدين إيبك" السلطنة في مطلع النصف الثاني من القرن الثالث عشر بتدبير من السيدة المتنفذة القديرة "شجرة الدر" زوجة آخر السلاطين الأيوبيين.

وقد تجلى هذا في مواجهتهم للإعصار المغولي الزاحف المُدمر وصدِّه في معركة "عين جالوت"، وفي إجهازهم على ما تبقى من إمارات وقلاع صليبية في بلاد الشام. وهاتان مأثرتان خالدتان عرفتهما وحفظتهما لهم الأجيال بتقدير كثير.

غير أن ما أثار نفور الناس منهم وسخطهم عليهم، كان تعاملهم مع العباد والبلاد كممتلكات خاصة ظفروا بها، فاستباحوها وتصرفوا فيها على هواهم، المتقلب غالباً، بسبب عجزهم عن بناء نظام مستقر ثابت، وشيوع المنازعات والانقلابات الدورية في صفوف طبقتهم العسكرية المنفصلة عن السكان وذات الامتيازات الخاصة المُطلقة، وما كان يصحبها ويلحقها من تصفيات واضطرابات تهدد أمن الدولة وسلامة الأهالي المغلوبين على أمرهم.

                         *     *     *

ومع حرصهم على استثمار البلاد بإقامة المشاريع العمرانية بين حين وآخر- والتي ما زالت بقايا منها في مصر والشام- إلا أنهم اخفقوا في حفظ مكانة ودور الدولة والبلاد الواقعة في سلطانهم، والدفاع عن مجالاتها الحيوية في وجه التغلغل والزحف البرتغالي المتنامي بقوة إثر اكتشاف طريق "رأس الرجاء الصالح" الموصل إلى أفريقيا والهند والصين، مما آذن بعزل مصر والشام واليمن كأقاليم وسيطة مهمة وفاعلة في التجارة الدولية، واحتلال سواحل الخليج العربي، وحتى تهديد الحجاز.

                         *     *     *   

 بسقوط دولتهم، تولى وارثوهم العثمانيون مهمة الدفاع عن المنطقة التي بسطوا سلطانهم عليها وأعلنوا من بعد أنهم الخلفاء الشرعيون للمسلمين. غير أنهم – وبخاصة بعد "سليمان القانوني" أحد أعظم سلاطينهم- لم يبذلوا أيما جهد جاد لتحسين وضع المنطقة والارتقاء بأحوالها، فأخذت تتردى في الانحطاط والبؤس والجهل، فيما كانت أوروبا تجدد نفسها وتنطلق في نهضتها.

أما المماليك، فلم يعد لديهم ما يعنيهم سوى ابتزاز السكان وإرهاقهم بالضرائب والرسوم والمصادرات. وحينما غزا "نابليون بونابرت" مصر في نهاية القرن الثامن عشر، كان التاريخ قد قرر مصيرهم النهائي. ولم يطل الوقت حتى أنفذه "محمد علي باشا"، الرجل المُجددُ في الشرق، الذي قام بمباشرة المهمة التاريخية في البلاد العربية والإسلامية: إسدال الستارة على عصر الفرسان القروسطيين وإقطاعياتهم العسكرية العتيقة المُجزَّأة، وتدشين عهد بناء الدولة الصناعية الحديثة المُوحَّدة المستقلة.

وهي المهمة الضرورية، والمصيرية، التي ما زال يتعيَّن على العرب النضال لإنجازها في شروط العصر الجديدة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير