ثمن الاعتبار... بقلم: تسفي بارئيل/ هآرتس

19.08.2011 10:26 AM

تقرير الامم المتحدة للتحقيق في قضية الاسطول لم ينشر بعد، ولكن الرد الاسرائيلي وجد صعوبة في الانتظار حتى نشره. في السباق الفزع نحو الحفاظ على اعتبار دولة اسرائيل، تسرع نتنياهو في ابلاغ الامريكيين بان ليس في نيته الاعتذار عن قضية الاسطول. للعجلة يوجد أبوان سياسيان اسرائيليان يسميان بوغي يعلون وافيغدور ليبرمان اللذان مع التقرير او بدونه، ليس لاسرائيل ولن يكون، برأيهما، سبب للاعتذار عن عملية الاسطول. "الاعتبار هو ذخر استراتيجي"، شرح يعلون موقفه. ولكن للاعتبار يوجد ايضا ثمن استراتيجي في حالة اسرائيل هو ثمن عال على نحو خاص.

اسرائيل لا تتأثر باصدقاء كثيرين، لا في المنطقة ولا في العالم. فهي تفحص بريبة سياسة الحكومة المؤقتة في مصر، ترى كيف يمر الاردن في فترة الازمات وكيف تستخف سوريا ليس فقط بمواطنيها، الذين يذبحهم بمنهاجية، بل وايضا بتحذيرات تركيا، الولايات المتحدة والدول الاوروبية. اسرائيل، التي أعلنت حربا على المبادرة الفلسطينية لنيل اعتراف دولي بدولة مستقلة، تحصي كل يوم الدول التي تؤيد المبادرة وترى كيف يأخذ التأييد لموقفها بالتقلص.

وفي نفس الوقت، تحولت تركيا في نظر اسرائيل من دولة مجرورة، تحتاج الى خدمات الوساطة لدى واشنطن و "مسلم بها"، الى قوة عظمى اقليمية تشارك في كل خطوة سياسية. ولكن، تركيا ورئيس وزرائها اردوغان، اللذين اقاما علاقات استراتيجية وشخصية عميقة مع سوريا ورئيسها بشار الاسد، يفهمان أكثر من اسرائيل بكثير متى يتحول الاعتبار ليصبح عبئا استراتيجيا. فعندما تبين لتركيا بان العلاقات مع الاسد تعرض للخطر مكانتها في الشرق الاوسط، لم يتردد اردوغان في التحذير، التهديد والان ايضا اتخاذ وسائل حقيقية للايضاح لسوريا بانها لا يمكنها ان ترى بعد اليوم في تركيا صديقة. هذا الموقف جاء رغم العلاقات الاقتصادية بين الدولتين وانطلاقا من الاعتراف بان النزاع مع سوريا يرفع تركيا الى مسار الصدام مع ايران. وهكذا تصبح تركيا ليس فقط حليفا هاما للولايات المتحدة بل ويمكنها أن تشكل ضلعا هاما في محور سياسي يضم اسرائيل. البيان المتسرع لرئيس الوزراء يجمد هذه الفرصة ايضا.

اسرائيل تصر على تجاهل المكانة الاستراتيجية لتركيا، وهي تتمسك بطريقة النقاط، التي بموجبها تفحص من بين الدولتين تحتاج أكثر للاخرى. هذه الطريقة تعرض ضياع العطاءات العسكرية، او الغاء التدريبات العسكرية مع تركيا كـ "خسارة" معقولة مقابل ربح الاعتبار الذي ستجنيه كنتيجة لعدم اعتذارها. هذه طريقة البقالة تحاول انقاذ الاعتبار السفيه مما بقي من شبكة علاقات فاخرة وعرضه كانجاز. فأي اعتبار بقي هنا بعد أن ابتلعت اسرائيل، بسبب سياستها، حتى الان كل الضفادع الممكنة. هي أزالت بشكل كبير الاغلاق عن غزة في أعقاب قضية الاسطول، شبكة علاقاتها مع الدول الاوروبية تعرضت لضربة شديدة بسبب هذا الاغلاق. الجنود الذين شاركوا في العملية يتعرضون لتهديد المحكمة الدولية، بل وفقدت علاقاتها مع تركيا ايضا. اما الان فانها ترتدي بدلة الاعتبار ولكن ليس لديها من يمكنها أن تتباهى بها أمامه.

ميزان التعلق بين اسرائيل وتركيا هو مقياس مضلل لفحص القيمة الاستراتيجية بهذه العلاقات. كل واحدة من الدولتين يمكنها أن تعيش جيدا دون الاخرى. اذا قررت تركيا الا تعيد سفيرها الى اسرائيل واذا رفضت استقبال سفير اسرائيلي جديد، فلن تقع أي مصيبة. ولكن العلاقات مع تركيا، خلافا مع العلاقات مع مصر او الاردن، تعتمد على "إخوة الشعوب" والتعاون الاستراتيجي وليس على علاقات النخب. هنا يكمن الضرر الحاسم لسخافة الاعتبار. ضرر سيبقي الحكومة مع ظهر منتصب ولكن دون صديق ممكن هام مثل تركيا. الاعتذار لتركيا ليس استسلاما وليس سلفة تحت الحساب. هو انهاء حساب لغرض استئناف شبكة علاقات حيوية.

 

تصميم وتطوير