بعد خطوة المغنية النيوزيلندية

هل ترتفع وتيرة الغاء حفلات الفنانين العالميين في إسرائيل؟

19.03.2018 01:32 PM

ترجمة خاصة-وطن: دعا السيناتور عن ولاية فلوريدا الامريكية، راندي فاين، إلى إلغاء حفل المغنية النيوزيلندية العالمية "لورد"، والمزمع اقامته لاحقا هذا العام، في ولاية فلوريدا. جاءت دعوة السيناتور على خلفية قيامها بإلغاء حفل كانت تعتزم اقامته في دولة الاحتلال، خلال شهر حزيران 2018.

وكانت المغنية النيوزيلندية الأصل، قد أعلنت عن الغاء حفلتها الموسيقية في مدينة تل أبيب، بعد ضغوط هائلة من نشطاء حركة "بي دي أس" (حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها).

ويعتمد السيناتور في مساعه لإلغاء الحفلة القادمة في فلوريدا، على القوانين السائدة في ولاية فلوريدا، والتي تحظر على ولاية فلوريدا القيام باي نوع من الاعمال التجارية، مع الشركات والمنظمات والمؤسسات التي تقاطع إسرائيل. ووفق السيناتور فاين، فان القانون ساري المفعول، ويهدف الى خلق معادلة مفادها: إذا قررت مقاطعة إسرائيل، فهناك ثمن يجب ان تدفعه.

وبشكل عام، يرغب العديد من الفنانين العالميين أداء العديد من الحفلات في إسرائيل. ولفهم قرار إلغاء الحفلات من قبل العديد من النجوم العالميين، يجب نطلع على الحجم الهائل للضغوط التي يتعرض لها هؤلاء الفنانين بمجرد الاعلان عن نيتهم لاقامة حفلات في دولة الاحتلال.

وما ان يلبث أحد الفنانين ان يعلن عن حفلة ما، حتى يعترضه نشاط كبير ومكثف من نشطاء محترفين في الاعلام الاجتماعي. وحيث انهم ينادون الفنانين الى مقاطعة إسرائيل عبر استراتيجيتهم المعهودة، وهي الفضاء المفتوح من شبكات التواصل الاجتماعي، فان تلك التحذيرات تظهر امام الجميع، مما يشكل حركة جارفة، تشجع الاخرين على الانضمام الى حملات المقاطعة.

على الجانب الاخر، فان الإسرائيليين، وأنصار إسرائيل، قادرون على المشاركة في هذا النقاش العام والحيوي، وهو مفتوح لهم. وتشمل هذه المناقشة الحجج الواقعية، والأخلاقية، والتاريخية، والدينية. كما تشمل ايضا الحجج مختلفة، واتهامات، وخطاب كراهية، من الطرفين.

ومع ذلك، هناك جزء آخر من هذا الضغط، الذي لا يزال مخفياً عن أعين الناس، وهو أسلوب الرسائل الخاصة. والتي يستهدف بها نشطاء "بي دي أس" الفنانين للضغط عليهم، وبشكل مباشر، من اجل الغاء الاحتفالات في إسرائيل. حيث يتم امطار الفنانين بكميات كبيرة من رسائل الكراهية، والتهديدات الصريحة، وفق الكاتب.

كما يتم إرسال هذه التهديدات الى كل شخص يعمل في تحضيرات الاحتفالات، او حتى جزء من عملية صنع القرار. ويشمل ذلك الفنانين أنفسهم، ومرافقيهم الموسيقيين، والمنتجين، والمروجين، والمديرين، وأحيانًا الأقارب، وفق الكاتب. ومن المهم الإشارة الى ان هناك عددا ليس بالقليل من الفنانين الذين صرحوا، وبشكل علني، أنهم تلقوا مثل هذه التهديدات. فعلى سبيل المثال، أعلن العضو السابق في فرقة "البيتلز"، بول مكارتني، وفي منتدى عام، عن تلقيه أحد هذه التهديدات.

وقال الناشط عمر بكري محمد، في مقابلة مع صحيفة "صنداي إكسبريس" مهددا مكارتني: "إذا كان مكارتني يقدّر حياته، فعليه ان يمتنع عن الذهاب الى إسرائيل، لأنه لن يكون امنا، لان المناضلين سيكونون بانتظاره هناك". وفي رده على ذلك، قال مكارتني: "لقد وصلتني تهديدات صريحة بالقتل، ولكن ليس لدي أية نية للاستسلام، وانا أرفض إلغاء حفلتي في إسرائيل".

وفي سياق حالة أخرى، ألغى مغني البوب الافريقي، ساليف كيتا، من فرقة "صوت إفريقيا الذهبي"، مشاركته في مهرجان القدس للموسيقى، في العام 2013، قائلاً إنه وطاقمه تلقى مئات التهديدات، ومحاولات الابتزاز، والترهيب، عبر سائل التواصل الاجتماعي.

وفي هذا السياق يحاول العديد من الفنانين التكتم على التهديدات، وعدم إخراجها الى العلن، مما يمكنهم من الغاء الحفل،تحت اية ذريعة أخرى يختارونها، في حال قرروا ذلك. وفي حال قرروا الغاء الحفل، فيمكنهم ذلك دون الظهور بمظهر الخاضع للضغوطات، او المستسلم لها.

وبالنظر إلى ما سبق، يطرح السؤال التالي:

هل الفنانون الذين يقومون بإلغاء الحفلات في إسرائيل، يقومون بذلك بسبب ضغط المقاطعة، ويعتبرون بالتالي ضحايا؟ ام انهم يقومون بذلك لأنهم اقتنعوا بوجهة نظر حركة المقاطعة؟

هذا سؤال جوهري ينبغي الإجابة عليه، وفق الكاتب.

في الحقيقة لا توجد إجابة محددة، حيث يمكن أن يتغير التصرف من فنان الى اخر. ولكن الخطير في الامر هو ان تكون هذه الإلغاءات نتيجة قبول الفنان لأفكار حركة "بي دي أس"، وفق الكاتب. ومن أكبر المؤشرات على ذلك، هو ان يقوم فنان ليس له حضور في وسائل التواصل الاجتماعي، او ليس له سجل أيديولوجي،بإلغاء حفل موسيقي في إسرائيل. عندئذ، يجب البحث في الأسباب بشكل أعمق واوسع، لأنه الوضع الذي يمكن ان يكون فيه الفنان قد وصل الى نقطة القناعة.

وإن "متابعة" الفنانين الذين ألغوا الحفلات الموسيقية في إسرائيل، واستقاء المعلومات منهم، لا يساعد على الحد من ظاهرة المقاطعة. بل سيكون المردود عكسي. فان حاولت إسرائيل الانتقام من هؤلاء الفنانين، فسيؤدي ذلك الى تعزيز "المقاطعة الصامتة". وسيؤدي بالفنانين الى الامتناع عن اجراء أي نوع من الاتصال مع الإسرائيليين، مما ينتج عنه انتاج المزيد من المقاطعة غير المقصودة.

وينقل الكاتب تقديرات المؤسسة الرسمية الإسرائيلية فيقول "انه إذا خلقنا واقعا يعرف فيه الفنانون أن إلغاء حفل موسيقي في إسرائيل يمكن ان يؤدي الى تعرضهم الى دعاوى قضائية، أو اضطهاد من المعسكر المؤيد لإسرائيل، فإن هذا سيقوي الميل إلى تجنب إسرائيل كلياً، وعدم التفكير بتنظيم احتفالات فيها من الأصل، وتصبح إسرائيل الخاسر الأكبر في هذه الحالة. ويعتبر وضع كهذا ارتداد عكسي غير مرغوب فيمكافحة حركة "بي دي اس".

وبالنظر إلى ذلك، فإن الطبيعة الحقيقية للمعادلة تقول انه إذا اخترت عدم مقاطعة إسرائيل، فستتعرض للتسلط والتهديد من قبل نشطاء حركة المقاطعة من جهة. وان قاطعت، عليك ان تتلقى تهديدات باتخاذ إجراءات قانونية ضدك من قبل المعسكر المؤيد لإسرائيل من جهة أخرى. وبالتالي، فانت ملعون إذا فعلت، وملعون إذا لم تفعل. وهناك راي اخر في حركة المقاطعة "بي دي اس" يقول ان أفضل طريقة لمقاطعة إسرائيل لا تكمن في إبعاد الفنانين من خلال الغاء حفلاتهم، بل عن طريق الاحتكاك بهم والعمل معهم. وهو الأسلوب الأكثر تأثيرا.

وبالمقابل، هناك عدد من الفنانين العالميين اعتلوا المسرح في إسرائيل. ولكنهم أدوا ما طلبته منهم حركة "بي دي اس". وأصبحت معظم الحفلات تمر عبر حل وسط، وهو تضمين الحفلات دعوات إلى السلام، وإطلاق اعلام فلسطينية واسرائيلية جنباً إلى جنب. كما يشمل ذلك توزيع المواد التثقيفية المكتوبة في الحفلات الموسيقية، مثل اتفاقية جنيف لعام 2003. وقد أصبحت جميع هذه الاعمال سمة من سمات الفنانين الذين يؤدون عروضا في إسرائيل.

وفي الفترة الاخيرة، يبدو أن هناك تغيرا ملحوظا بدا بالتبلور في موقف المجتمع الفني تجاه موضوع المقاطعة الثقافية لإسرائيل، وأصبح عدد الفنانين الذين يتجاوبون مع حركة المقاطعة يزداد. رغم ان هناك مقاومة دائمة لحركة المقاطعة، حيث يفضل الفنانون إقامة الحفلات، وتحقيق المكاسب، قبل المبادئ.

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "ذي جيروزالم سنتر فور ببلك افيرز"

تصميم وتطوير