مبيد "جاوتشو" المسرطن و"المحظور" فلسطينيا موجود بالسوق تحت مسميات أخرى

13.12.2012 09:32 AM
جورج كرزم/ خاص بآفاق البيئة والتنمية بالتعاون مع وطن للانباء


رام الله - وطن: كشفت دراسة استقصائية حول كمية المبيدات الكيميائية المستخدمة في الزراعة الإسرائيلية، نشرت في نهاية تشرين أول الماضي؛ أجرتها دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، أن تركيز المواد الفعالة السامة في المبيدات بإسرائيل، خلال السنوات 2008-2010، يعد الأعلى من بين دول "منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية" (OECD) التي تضم أغنى 34 دولة "متقدمة" في العالم، بما فيها "إسرائيل". وهذا يعني أن المنتجات الزراعية الإسرائيلية تشكل الأكثر خطرا لدى تناولها، بالمقارنة مع سائر الدول الغربية.

وفحص معدو الدراسة مكونات المبيدات لدى الشركات المنتجة أو المستوردة للمبيدات في "إسرائيل"؛ فتبين لهم أن متوسط كمية المادة السامة (الفعالة) المستخدمة في الدونم الواحد بإسرائيل هي 3.5 كغم سنويا؛ أي أكثر بنحو 88 مرة من دولة السويد (0.04 كغم لكل دونم) التي تعد أقل الدول استعمالا للمبيدات.

وقد جاءت اليابان في المرتبة الثانية بين الدول الأكثر "تسميما" للمنتجات الزراعية؛ حيث أن متوسط كمية المادة السامة للدونم الواحد 1.55 كغم.

ومن حيث كمية المادة الفعالة السامة للفرد الواحد، تقف اليابان في المرتبة الأولى؛ إذ أن حصة الفرد الياباني 4.95 كغم. ومن ثم تأتي بعدها "إسرائيل" التي تبلغ فيها حصة الفرد 1 كغم. أما حصة الفرد الهنغاري فهي 0.98 كغم. وتقع سويسرا والنرويج في أسفل السلم؛ إذ تصل حصة الفرد فيهما إلى 0.19 كغم. أما حصة الفرد السويدي فهي 0.11 كغم.

وبحسب وزارة الزراعة الإسرائيلية، يباع سنويا في "إسرائيل" نحو سبعة آلاف طن مادة فعالة سامة متواجدة في المبيدات الكيماوية التي تستعمل أساسا لمكافحة الفطريات والبكتيريا والحشرات، فضلا عن تعقيم التربة. ويبلغ عدد الأدوية الزراعية المباعة في السوق الإسرائيلي نحو 670 نوعا للأغراض المختلفة. كما تستخدم مواد كيميائية أخرى لأغراض حفظ وتخزين الفاكهة بعد قطفها، وللتحكم في النمو بواسطة الهورمونات، وكإضافات غذائية للنبات.

وأضافت الدراسة الاستقصائية بأنه رغم حظر "بروتوكول مونتريال" الدولي استخدام المبيدات المؤذية لطبقة الأوزون، وبخاصة "مثيل بروميد" (CH3Br)، إلا أن استعماله لا يزال شائعا في "إسرائيل"؛ كما أنه يتواجد في 570 مبيدا يباع في "إسرائيل". ومن بين المواد الخطرة جدا الشائعة الاستخدام إسرائيليا وفلسطينيا، المبيدات الحشرية المعروفة بـِ "كونفيدور"، و"فرتميك"، والمبيد الفطري "اوهايو".

الجدير بالذكر، أن تقرير "مراقب الدولة" الإسرائيلي الذي نشر في أوائل عام 2012 كشف عن وجود متبقيات للمبيدات الكيميائية في الغذاء الإسرائيلي وضعف الرقابة، فضلا عن وجود عيوب خطيرة في مجال المكافحة الكيميائية بإسرائيل.

يشار هنا، إلى أن وزارة الزراعة الإسرائيلية، تجري حاليا مراجعة للمبيدات المستعملة؛ فتروج لمبيدات "بديلة أقل سمية" بدلا من المبيدات الفسفورية العضوية ومبيدات الأعشاب المنتمية لمجموعة "تريازين" (triazine) التي حظر استعمالها في إسرائيل والعديد من دول العالم. كما تشجع الوزارة ذاتها المكافحة غير الكيميائية، وبخاصة تلك المتعلقة بمكافحة ذبابة الفاكهة. وقد ازداد في السنوات الأخيرة استعمال المصائد وتقنيات ميكانيكية لقتل الحشرات الضارة، إضافة إلى نشر الذباب العاقر.

ادعاءات رسمية واهية

إن ارتفاع كمية المواد الكيماوية الفعالة للدونم وللفرد في إسرائيل، يفند الادعاء الفلسطيني الذي طالما تردد على مسامعنا من موظفين رسميين، والقائل بأن السماح بمبيدات معينة في الضفة والقطاع (حتى لو كانت ومحظورة في معظم دول العالم وتتسبب بأمراض خطيرة) يستند إلى أن هذه المبيدات "مرخصة" في إسرائيل.

من الواضح الآن، أن هذا الادعاء واه؛ لأن ترخيص مبيد في وزارة الزراعة الإسرائيلية لا يعني إطلاقاً بأن هذا المبيد لا يتسبب بأمراض مميتة وقاتلة. فهل، بعد الآن، يكفي القول الساذج وغير المقنع بأن هذا المبيد أو ذاك مسجل في وزارة الزراعة الإسرائيلية، أو حتى الأميركية؟ ومن هي، إذن، المرجعية الزراعية الحقيقية للفلسطينيين في الضفة والقطاع؟

الواقع الزراعي الكيماوي البائس في إسرائيل، بالمقارنة مع دول OECD، يجب أن يدق ناقوس الخطر في ما يعرف بمناطق السلطة الفلسطينية (الضفة والقطاع)؛ إذ تعد تلك المناطق، وفقا لاتفاقيات أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي، وحدة اقتصادية واحدة مع السوق الإسرائيلي يتحكم فيها الاحتلال تحكما مطلقا.

فنتيجة ربط إسرائيل الاقتصاد الزراعي الفلسطيني باقتصادها، أصبحت كل المستلزمات الزراعية من مبيدات وأسمدة كيميائية وغيرها تشترى من إسرائيل أو من خلالها، لدرجة أن تلك الاتفاقات تمنع الفلسطينيين شراء هذه المستلزمات من خارج إسرائيل وبأسعار أرخص، دون إذن خاص من الأخيرة. بل يجب على الفلسطينيين التقيد بعدم استيراد (من خارج إسرائيل) مبيدات كيميائية محظورة في إسرائيل؛ لكن لا مانع (بالنسبة لإسرائيل) تسويق مبيدات في السوق الفلسطيني من تلك المتراكمة لدى الأخيرة والمحظورة إسرائيليا.

حظر المبيدات أو السماح بتداولها يفتقر إلى منهج علمي واضح

السؤال المطروح هو: إذا كان متوسط كمية المادة السامة (الفعالة) المستخدمة في الدونم الواحد بإسرائيل هي 3.5 كغم سنويا، وهي تعد الأعلى من بين دول OECD، كما أن حصة الفرد الإسرائيلي من المواد الفعالة السامة 1 كغم، فما هي حصة الدونم الواحد في الضفة والقطاع، وما هي حصة الفرد الفلسطيني في هاتين المنطقتين؟

لا توجد حتى الآن، دراسة مسحية أو إحصائية دقيقة موثوقة ومعتمدة بخصوص كميات المبيدات المستخدمة في الضفة الغربية تحديدا، بسبب عمليات التهريب-إسرائيليا وفلسطينيا- وضعف الرقابة الرسمية، إلا أن بعض التقديرات تتحدث عن آلاف الأطنان من المبيدات المستخدمة سنويا في الضفة لوحدها، وبكلفة عشرات ملايين الدولارات. وتعتبر هذه الأرقام مخيفة، خاصة لو علمنا أن إجمالي المساحات المزروعة في الضفة والقطاع تبلغ حوالي 1,513,000 دونم، منها نحو 1,343,400 دونم بعلية و169,600 دونم مروية (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إحصاءات استعمالات الأراضي، 2008).

ومن المعروف أن معظم المبيدات الكيميائية تستخدم أساسا في الأراضي المروية؛ فبالرغم من صغر المساحات المروية (بالمقارنة مع المساحات البعلية)؛ إلا أن إنتاجية الأراضي المروية نحو 5,2 طن للدونم، مقابل 0.2 طن للدونم إنتاجية الأراضي البعلية (المصدر السابق). أي أن إجمالي إنتاجية المساحات المروية نحو 882 ألف طن، مقابل حوالي 269 ألف طن إجمالي إنتاجية المساحات البعلية؛ بمعنى أن معظم المحاصيل الفلسطينية المسوقة هي أساسا من المساحات المروية (بالطبع هذه الأرقام تختلف من عام لآخر، ولكنها تعطي مؤشرات عامة).

وتنتشر حاليا في الضفة الغربية مئات أصناف المبيدات السامة والممرضة التي تستعمل بآلاف الأطنان سنويا. بعض الأوساط الزراعية تقدر نسبة المبيدات من إجمالي تكاليف الإنتاج الزراعي الفلسطيني بما لا يقل عن 35%؛ ولو صحت هذه النسبة فهي تعتبر من أعلى النسب في العالم.
علاوة على ذلك، تستخدمنا شركات الكيماويات الإسرائيلية كحقل تجارب؛ إذ تعمل أولا على تسويق مبيداتها الجديدة (التي تنتجها أو تستوردها) في السوق الفلسطيني، ومن ثم تقرر تسويقها أو عدمه في السوق الإسرائيلي وغيره. وقد كشفت مجلة آفاق البيئة والتنمية في عددها الصادر في تشرين ثاني 2011، بأن جهات مجهولة تستخدم مزارعين فلسطينيين في أريحا كحقل تجارب لمبيدات سامة؛ بل إن المحاصيل الفلسطينية الملوثة كيماويا وغير الصالحة للتسويق في إسرائيل بسبب "رسوبها" في الفحوصات المخبرية الإسرائيلية، يعاد تسويقها في الأسواق الفلسطينية.

وهذا ينطبق أيضا على المحاصيل الإسرائيلية التي تغرق السوق الفلسطيني؛ فالعديد منها الذي يرسب في الفحوصات يسوق في السوق الفلسطيني؛ ويكفي للتأكد من هذا الأمر زيارة أسواق "الحسبة" في المدن الفلسطينية يوم الجمعة، حين تفرغ الشاحنات هناك الخضار والفاكهة دون حسيب أو رقيب.

الحقيقة أن السوق الفلسطيني مستباح كيميائيا؛ فشركات الكيماويات الزراعية الإسرائيلية (أو الفروع الإسرائيلية للشركات العالمية مثل Bayer، Dupont، Syngenta، Monsanto، وغيرها) تسوق ما تشاء من مئات أنواع المبيدات، عبر وكلائها الفلسطينيين أو مباشرة، باتجاه واحد (من إسرائيل ومستعمراتها إلى مناطق السلطة)، وليس العكس؛ علما أن إسرائيل لا تعتبر سوقا لبائعي المبيدات الفلسطينيين في مناطق السلطة؛ فالسلع الإسرائيلية هي التي تتمتع وحدها "بالحركة الحرة" في مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني وليس العكس، كما أن لإسرائيل وحدها السيطرة المطلقة على "الحدود" و"المعابر".

بل، إن مواد فعالة معينة تنتمي إلى مجموعات كيميائية منع استعمالها في العديد من دول العالم، لا يزال يسمح بتداولها في مناطق السلطة الفلسطينية. على سبيل المثال لا الحصر، يسمح فلسطينيا استعمال المادة الفعالة ametryne (دليل الآفات الزراعية المسموح تداولها في مناطق السلطة للعام 2012). وهذه المادة المحظورة في العديد من دول العالم بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، موجودة في بعض مبيدات الأعشاب (مثل amitrex وamigan 65) التي تنتجها شركة Agan الإسرائيلية، وهي تنتمي إلى مجموعة "تريازين" (triazine) التي حظر استعمالها في دول كثيرة بما فيها إسرائيل، بسبب احتمال تسببها بسرطان الثدي. وقد تبين وجود علاقة بين التعرض لمبيدات الأعشاب المنتمية لمجموعة "تريازين" واحتمال الإصابة بسرطان الثدي. ومادة ametryne تحديدا، قد تتسبب بسرطان الثدي، وهبوط في الخصوبة وإعاقة في النمو وتلف في الجهاز العصبي.

كما لا تزال وزارة الزراعة تروج لاستخدام مبيد methidathion بأسمائه التجارية المختلفة مثل سوبر أسيد، سوبراثيون وغيرهما (المصدر السابق)؛ وهذا المبيد سام جدا (درجة سميته b) ومحظور في العديد من دول العالم بما فيها الاتحاد الأوروبي، وهو يعد مسرطنا، ويتلف الجهاز العصبي وقد يحدث تضخما في الكبد.

ليس هذا فقط، بل إن حظر تداول مبيدات معينة أو السماح باستعمالها في مناطق السلطة، يتم بشكل عشوائي ولا يستند إلى منهج علمي واضح؛ فيمنع مبيد محدد في سنة معينة، ثم يعاد السماح باستعماله في سنة أخرى. وعلى سبيل المثال، منعت وزارة الزراعة الفلسطينية عام 1997 (جريدة الأيام 24 / 11 / 1997) استعمال مبيدي ميتاك" (يحوي المادة الفعالة amitraz التي تتلف الجهازين التناسلي والعصبي) و"جاوتشو" (الذي يحوي المادة الفعالة imidacloprid المسرطنة، والمسببة لتشوه وراثي في كروموسومات الكرات اللمفاوية)، وثبتت الوزارة منعهما مرة أخرى في "دليل المزارع" الذي أصدرته عام 1999. لكن الوزارة سمحت باستعمال مبيد "ميتاك" عام 2010، أي بعد مرور 13 سنة على منعه!! (دليل مبيدات الآفات المسموح تداولها لعام 2010).

أما دليل مبيدات الآفات المسموح تداولها لعام 2005 فسمح باستعمال مبيد الجاوتشو!! علما أن وزارة الزراعة، وقبل ذلك بسبع سنوات، منعت تداول وبيع ذات المبيد. ثم في سنوات ما بعد 2005 منع استخدام "الجاوتشو" مرة أخرى شكليا بذات الإسم التجاري؛ إلا أن الترويج الرسمي لاستعمال ذات المبيد الذي يحوي على ذات المادة الفعالة (imidacloprid) وذات التركيز لا يزال متواصلا إلى يومنا هذا بأسماء تجارية أخرى. فدليل مبيدات الآفات الزراعية المسموح تداولها لعام 2012، والذي يبدو كأنه ترويجا تجاريا لسلع الشركات التجارية المنتجة، يوصي باستخدام مبيد "جاوتشو" تحت أسماء تجارية أخرى ("كونفيدور"، "كودكود"، "كومودور"،"كوهنير"، و"إماكسي") التي تصنعها شركات Lied Chemical، Tapazol، Chemia Spa، Makhteshim، وRotam China) على التوالي. وهذه المبيدات التي تحوي على المادة الفعالة (imidacloprid) هي عمليا مبيد الجاوتشو ذاته، والاختلاف فقط بالأسماء التجارية والشركات المنتجة.

بل إن الدليل المذكور (لعام 2012) يوصي باستخدام ذات التركيز (لمادة imidacloprid) المذكور في حالة "الجاوتشو" في دليل العام 2005، وتحديدا ( g/l350). السؤال هو: لماذا منعت وزارة الزراعة الفلسطينية مبيد "الجاوتشو" الذي تنتجه شركة باير الألمانية، وسمحت بمواصلة استعمال ذات المبيد بأسماء تجارية أخرى ولشركات أخرى؟ على أي حال، المشكلة لا تكمن فقط في كمية أو تركيز المادة الفعالة بالمبيد، بل في نوعية المادة الفعالة ودرجة سمية المبيد والأمراض الخطيرة التي قد يتسبب فيها.

ويمكن سحب العشوائية السابقة على مبيدات أخرى مثل ديزيكتول وثيونكس اللذين يتلفان الجهاز العصبي ويتسببان في تشوهات تناسلية وغير ذلك؛ علما أن الوزارة أعلنت في 8 أيلول 2010 في بيان توضيحي للرأي العام نشر في وكالة معا الإخبارية بأنها منعت استعمالهما في مناطق السلطة الفلسطينية منذ أكثر من عامين (أي منذ عام 2008)، وهذا يتنافى مع حقيقة أن نشرات الوزارة لذات العام (2010) ظلت تروج لذات المبيدات ولم تحظر تداولها واستعمالها (نشرات زراعة الخيار داخل البيوت البلاستيكية، وآفات الزيتون الصادرة عام 2010).

"مبيدات محظورة" تباع علنا في الأسواق

الأمر المؤسف، أن العديد من المبيدات التي "حظرت" وزارة الزراعة الفلسطينية استعمالها رسميا، لا تزال تباع علنا في الأسواق.

هذا ما كشفه تقرير آفاق البيئة والتنمية (حزيران 2012) المعنون "مبيدات محظورة مازالت تستخدم في محافظة الخليل". وذكر التقرير أن وزارة الزراعة الفلسطينية أصدرت بتاريخ 27/7/2011 قرار رقم (14)، يحوي قائمة تمنع فيها استخدام وتداول بعض المبيدات التي تحوي 16 مادة فعالة شديدة السمية، وذلك إثر ما كشفه برنامج "عين على البيئة" التلفزيوني في حزيران 2011، والذي ينتجه تلفزيون وطن ومركز العمل التنموي (معا)- حيث أشار البرنامج إلى فوضى وعشوائية استخدام المبيدات في الضفة الغربية والتي تم حظر استعمالها في العديد من دول العالم. وللتأكد من وجود المبيدات التي منعتها وزارة الزراعة العام الماضي (2011) في السوق الخليلي، قامت مجلة آفاق البيئة والتنمية خلال شهري أيار وحزيران الأخيرين (2012)، بزيارة بعض محلات بيع المبيدات والمشاتل في مدينة الخليل وبلدات يطا ودورا وبيت أمر، واكتشفت ان بعض التجار ما زالوا يتاجرون بـمبيدات "ديزيكتول"، "دايفيبان"، "ميتاسيستوكس"، "درسبان"، "لانيت"، "كربولان"، "ملاثيون"، "مارشال"، "فوليكور"، "إينفدور"، "دورسو" وغيرها من المبيدات الممنوعة حسب قرار رقم (14)، وأيضا حسب دليلي مبيدات الآفات الزراعية المسموح تداولها في مناطق السلطة الفلسطينية للعامين 2011 و2012 (عينات المبيدات التي تم شراؤها والفواتير الرسمية محفوظة لدى هيئة تحرير مجلة آفاق البيئة والتنمية). والمفارقة، أن أحد مسؤولي وزارة الزراعة في مجال المبيدات، وفي مقابلة تلفزيونية بتلفزيون فلسطين (تموز 2011)، قال "متحديا" بأن مواد ديزيكتول، ثيونكس، ميثوميل، ولانيت غير موجودة في الأسواق الفلسطينية.

الجدير بالذكر أن وزير الزراعة السابق، د. اسماعيل دعيق، أقر في تحقيق استقصائي لتلفزيون وطن (28/6/2012) بأن حظره للمبيدات المذكورة في قرار رقم (14) التي كشف عنها برنامج عين على البيئة في حزيران 2011 جاء أساسا بتأثير البرنامج الأخير؛ إذ قال بأن التقرير الذي نشر في ذاك البرنامج "أثر تأثيراً إيجابيا جدا في إعادة مراجعة كل قائمة المبيدات المسموحة لدى الوزارة، وقد شطب فعليا الكثير من المواد التي كان يسمح باستخدامها".

غاز "مثيل بروميد"، المبيدات "المسموحة" وخرافة "الاستخدام الآمن"
بالرغم من حظر استعمال غاز مثيل بروميد في العديد من دول العالم، وبالرغم من أن بروتوكول مونتريال الدولي الذي وقع عام 1995 منع استعماله منعا تاما؛ بل إن ذات البروتوكول حظر استعماله بشكل مطلق ابتداء من سنة 2005- بالرغم من ذلك، لا تزال إسرائيل تنتج هذا المبيد (في مصانع "رمات حوفيف")، بل تعد الأخيرة المُصَدِّر الأكبر لهذه المادة الخطرة في دول شرق أسيا التي لا يزال استخدامها شائعا هناك. لذا، ليس مستغربا أن تعارض إسرائيل منع استخدامه، باعتبارها تصنع معظم كمياته في العالم.

واللافت أن مثيل بروميد لم يحظر استعماله في مناطق السلطة الفلسطينية سوى عام 2011 (بحسب دليل مبيدات الآفات الزراعية المسموح تداولها في مناطق السلطة لعام 2011)؛ علما أن مجلة آفاق البيئة والتنمية نشرت في تشرين أول 2011 تقريرا علميا مطولا حول هذا المبيد الزراعي، حذر من كونه مدمراً للجهاز العصبي ولطبقة الأوزون، ومحظورا في دول الاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية.

وأثبتت الأبحاث العلمية أن غاز "مثيل بروميد" الذي يشكل البروم مكونا أساسيا فيه، ويستخدم في الزراعة لتعقيم التربة من الآفات الزراعية، يعتبر من أكثر المواد المسببة لاستنزاف طبقة الأوزون وبالتالي تضاؤل كثافتها في طبقة الجو العليا المعروفة بالستراتوسفير. إذ أن قدرة البروميد في هذا الغاز على تدمير الأوزون، تفوق بأكثر من خمسين مرة قدرة الكلور المنبعث من المركبات المعروفة بـ CFC. وكلما ازداد تآكل طبقة الأوزون، وبالتالي قل سمكها، كلما ازدادت كميات الاشعاعات الخارجية الضارة (وخاصة الفوق بنفسجية) التي تصل الى سطح الكرة الأرضية، الأمر الذي يؤدي الى تفاقم حالات سرطان الجلد والتشوهات الوراثية (الناتجة عن تشوهات في المادة الوراثية DNA)، فضلا عن الدمار الذي قد يلحق بالنباتات والمحاصيل.

وتقول وكالة حماية البيئة الأميركية، بأن مثيل بروميد يعتبر ساما، ليس فقط للآفات الزراعية التي يستخدم ضدها، بل أيضا ضد العضويات الأخرى غير المستهدفة. فتعرض الانسان لكميات أو تركيزات مرتفعة من هذا الغاز، وبخاصة عبر التنفس، قد يؤدي الى الاخلال بالجهاز العصبي المركزي وبجهاز التنفس، بالاضافة الى التسبب بعمليات خطيرة ومؤذية للدماغ والأعصاب والرئتين والعينين والحلق والجلد، وفي بعض الحالات القصوى قد يحدث تلف في الكلى والكبد. واللافت أنه لا يوجد "أنتيدوت" (أي مضاد للسم) خاص بالتسمم من مثيل بروميد، إلا أنه بالإمكان معالجة آثار التسمم الخفيفة الناتجة عن هذا المركب.

والجدير ذكره، أن الغازات الحادة المسيلة للدموع التي يستعملها الاحتلال ضد أبناء شعبنا، غالبا ما تحوي مادة مثيل بروميد.

ومنذ عشرات السنين، استنزفت إسرائيل البحر الميت عبر استخراجها البروم منه؛ إذ يعد ذلك البحر مصدرا هاما للبروم، علما بأن مركبات البروم تتواجد أساسا في المياه المالحة. وتنتج مصانع البحر الميت كميات كبيرة من البروم بهدف التصدير، وهي تعتبر من أكبر المصانع في العالم بهذا المجال. ويعد البروم من الخامات الهامة في صناعة المبيدات الكيميائية والدهانات والوقود.

والمشكلة الأساسية هنا، ليس فقط ضمان عدم استعمال المبيدات المحظورة، بل أيضا كيفية التعامل مع العديد من المبيدات "غير المحظورة" رسميا، كعدد كبير من المبيدات الفسفورية العضوية والكربمات وغيرها التي أثبتت الأبحاث العلمية استحالة تعامل المزارعين "الآمن" معها؛ إذ تشكل تركيباتها الكيميائية خطرا كبيرا على المزارعين، بسبب عدم فعالية "الثياب الواقية" التي تنصح شركات الكيماويات المزارعين بارتدائها أثناء الرش، والتي، أي "الثياب الواقية، تسمح، في كل الحالات، باختراق نسبة عالية من هذه المبيدات إلى جسم المزارع أثناء عملية الرش الاعتيادية؛ ناهيك عن التكلفة العالية جدا لإدارة هذه المبيدات واستحالة تطبيق التعليمات الخاصة باستعمالها "الآمن"، ضمن الظروف البيئية والمناخية والمعيشية السائدة في بلدنا؛ علما أن معظم المبيدات تصنع في الدول الغربية بما ينسجم مع ظروفها البيئية والمناخية والمعيشية المختلفة تماما عن ظروفنا العربية عامة، والفلسطينية خاصة. فعلى سبيل المثال، المبيدات السامة جدا (درجة سميتها a أو b) "المسموحة" والمستعملة في الأراضي الفلسطينية، مثل "سوبر أسيد"، "نماكور" وغيرهما، يجب لدى استخدامها (وبحسب تعليمات الشركات المنتجة!!) لبس كمامة قابلة للحمل تغطي كل الوجه وتتصل باسطوانة مملوءة بالأكسجين (كما رواد الفضاء!!) ووزن هذا النوع من الكمامات ثقيل؛ علما أن تكلفة الإجراء الوقائي لاستعمال أي من هذه المبيدات باهظة جدا (بضعة آلاف من الدولارات)، لا يستطيع معظم المزارعين، إن لم يكن جميعهم، تحملها. وإجمالا، لدى التعامل مع مبيدات سميتها مرتفعة جدا (a أو b) في أميركا الشمالية والدول لأوروبية، يَرُش هذه المبيدات مهنيون متخصصون، وفي حال تعذر ذلك، تستخدم بدائل أقل خطرا وسمية. أما في الضفة والقطاع، فنجد المزارعين يستخدمون مثل هذه المبيدات دون أي إجراء وقائي، أو ربما قد يلبس بعضهم قفازات عادية وقناع واق بسيط للوجه. السؤال المطروح هو: ما دام أن شروط استعمال هذه المبيدات السامة جدا وإجراءات الوقاية الخاصة بها، غير متوفرة لدى المزارعين، لماذا لا تسارع وزارة الزراعة لحظر استعمالها في الضفة والقطاع حظرا مطلقا، رأفة بصحة المزارعين والمستهلكين إجمالا؟

وخطورة استعمال المبيدات التي يقال أنها "مسموحة"، تكمن في أن شركات الكيماويات المنتجة أو المسوقة هي غالبا ما تكون المصدر الأساسي لمعلومات المزارعين أو المهندسين الخاصة بهذه المبيدات؛ علما أن أبحاثا كثيرة أثبتت عدم دقة أو حتى خطأ معظم هذه المعلومات التي هدفها الأول والأخير الدعاية التجارية للسلع الكيميائية.
وعلى سبيل المثال، بالرغم من أن البلاستيك الزراعي يهدف، ضمن أمور أخرى، إلى عزل المحاصيل عن الآفات وبالتالي التقليل منها إلى الحد الأدنى، فمن المدهش حقا رؤية العديد من المزارعين الفلسطينيين يرشون المبيدات على الخضروات في البيوت البلاستيكية (بناء على تعليمات المرشد الزراعي أحيانا)، دون معرفتهم لسبب الرش، بل وأحيانا كثيرة ترش الخضروات وهي خالية من الآفات!

والمثير، أن شركات الكيماويات الزراعية ووكلاؤها يدعون بأن مناقشة أضرار المبيدات هي من اختصاص "الخبراء"، ويعتبر هذا الادعاء عملية تكميم لأفواه المواطنين والمستهلكين واستهتار بعقولهم، وبخاصة أن المبيدات تؤثر على صحتنا وصحة أطفالنا، وبالتالي من حقنا جميعا أن نعبر عن رأينا فيما يتعلق بمصير الكيماويات الزراعية في بلدنا وأن نشارك في القرارات المتعلقة باستعمال هذه الكيماويات. ومن واجبنا أن ننتزع حقنا في التحكم بحياتنا وحياة أطفالنا. فكلما عرف المستهلكون والمزارعون معلومات حقيقية أكثر عن المبيدات ومخاطرها الصحية كلما ازداد وعيهم وبالتالي قل تعاملهم مع المبيدات وقل استهلاكهم للأغذية التي تحوي متبقياتها.

ومن المؤسف أن بعضهم يحاول إسكات الأصوات العلمية الوطنية، من خلال الادعاء بأن إثارة موضوع الكيماويات الزراعية يساهم في ضرب الاقتصاد الزراعي الفلسطيني. فهل السكوت، إذن، عن مواصلة تجريعنا النفايات الكيماوية لصالح الشركات الإسرائيلية والأجنبية الأخرى وحفنة من التجار والوكلاء، هو الذي يخدم ويقوي اقتصادنا الزراعي، أم أن العمل الجدي والجذري على تنظيف زراعاتنا وأرضنا وأجسامنا من التلوث الكيميائي هو الذي يدعم الزراعة الفلسطينية ويعزز ثقتنا وثقة الآخرين بها، وبالتالي يطورها ويرتقي بها صحيا، بيئيا واقتصاديا؟

إن الانتماء إلى مدرسة الزراعة الكيماوية أمر مفهوم وواضح، أما ما هو غير مفهوم الانتماء إلى المدرسة الفكرية التي تبرر تحويل أجسامنا إلى مكبات للأوساخ الكيماوية الإسرائيلية والأوروبية والأميركية، حتى لو كانت تلك الأوساخ مُمْرِضَة ومحظورة في دول الاتحاد الأوروبي وأميركا والدولة اليهودية. والمثير حقا، أن العديد من "خبراء" الزراعة الفلسطينيين يتحدثون عن المنتجات العضوية والبلدية باعتبارها نظيفة وخالية من الكيماويات، وقد قطعت بعض الدول الأوروبية شوطا متقدما في إنتاجها، إلا أنهم يستكثرونها علينا، علما أن بإمكاننا إنتاجها استنادا إلى تقاليدنا وتراثنا الزراعي البلدي والطبيعي المتنوع والمتداخل، بمعنى العمل على مراكمة وإغناء وتطوير التجارب والمعارف الزراعية المحلية الحكيمة والغنية.

الحقيقة أن شركات الكيماويات الزراعية، الإسرائيلية وغيرها، إلى جانب وكلائها المحليين، يهدفون بالدرجة الأولى إلى مراكمة أكبر قدر ممكن من الأرباح، ولو على جثث المواطنين المستهلكين البسطاء. فالربحية تأتي في أول سلم أولويات شركات الكيماويات الزراعية، أما الاعتبارات الصحية والإنسانية والبيئية فتأتي في المقام الأخير؛ بمعنى أن الربحية تعد السبب الأساسي والوحيد لزيادة إنتاج وتسويق المبيدات.

البديل
التسيب الكيماوي الزراعي، وارتفاع كمية المبيدات المستخدمة في الزراعة الفلسطينية والإسرائيلية، على حد سواء، وضعف الرقابة على قطاع الكيماويات الزراعية تدلل على صحة ما دعونا إليه باستمرار؛ وتحديدا ضرورة أن نبادر إلى التحكم بطعامنا من خلال إنتاجه بأنفسنا من المكونات الأساسية التي يكون من الأسهل علينا التأكد من عدم تلوثها بالكيماويات. علينا العودة إلى الزراعة البلدية والطبيعية (العضوية) التي تشكل البديل الحقيقي الوحيد للأوساخ الكيماوية المنتشرة في السلع الغذائية، فضلا عن تشجيع المزارعين على ممارسة هذا البديل. بإمكاننا أيضا تشجيع أصدقائنا ومعارفنا وأقاربنا في المدن على شراء الخضار والفاكهة مباشرة من المزارعين البلديين والعضويين في مزارعهم وحقولهم. وبإمكان مجموعات طليعية من المزارعين البلديين (العضويين) إقامة شبكات تسويق ودكاكين خاصة بهم في المدن والبلدات والقرى والمخيمات يسوقون فيها منتجاتهم الطبيعية والعضوية.

وبالتأكيد، ليس بالأمر السهل أن نغير عاداتنا الاستهلاكية والغذائية، لكن، تتمثل الخطوة الأولى في هذا الاتجاه في شحذ وعينا الغذائي، ومن ثم القيام بالخطوات اللازمة لإحداث التغيير. المطلوب من الجهات والمؤسسات المعنية (الزراعية والبيئية والحامية للمستهلك وغيرها) أن تحفز المزارعين مباشرة على إنتاج خضار وفاكهة غير ملوثة بالكيماويات وغنية بالبروتينات والفيتامينات والمعادن، وبالتالي، تشجع المستهلكين وتوجههم إلى أولئك المزارعين كي يشتروا منهم الخضار والفاكهة الطازجة والنظيفة. ولا بد من الإكثار من تناول الخضار البلدية الموسمية الطازجة، إذ أنها تفقد نسبة أقل من المغذيات.
ومن وجهة نظر اقتصادية – تنموية، يشكل الإنتاج الزراعي البلدي (العضوي) واستهلاكه محليا ضمانة لفك تبعيتنا الغذائية للأجنبي، وبالتالي سيوفر لنا الأمن الغذائي الذي يتمثل في اتباع استراتيجية إنتاجية تستند إلى مواردنا وتجاربنا وتقاليدنا الإنتاجية المحلية الغنية (وتطويرها) أولا، وإنتاجنا الغذاء بهدف استهلاكه محليا (خاصة مع التزايد السكاني) ثانيا، وإعادة التدوير المحلي للرأسمال ثالثا.

وفي سياق العمل على تنظيم القطاع الزراعي وتنظيف أسواقنا وأجسامنا من الأوساخ الكيماوية، يفترض إنشاء هيئة غذائية مشتركة، على غرار وكالة الأغذية والأدوية (FDA) الأميركية؛ بحيث تراقب إنتاج الغذاء في الضفة والقطاع؛ بما في ذلك مجال المكافحة الكيميائية التي تعاني من العشوائية والفوضى. وفي الواقع، هناك نوع من تداخل وتضارب الصلاحيات والتنازع عليها بين الوزارات المعنية في قطاع الكيماويات الزراعية؛ فكلما تواصل هذا التضارب والتنازع كلما عجزت الوزارات المختلفة عن ممارسة صلاحياتها في تنظيم هذا القطاع. فلا بد إذن من معالجة مشتركة للمعطيات التي يجمعها مراقبو الأغذية، وتنفيذ فعال وصارم للقرارات والقوانين، في إطار الهيئة المشتركة التي عليها التحلي بالشفافية ونشر المعلومات والحقائق للجمهور. ويتمثل المبدأ الأساسي الذي يفترض العمل بموجبه، في أن صحة الناس ليست خيارا؛ بل ضرورة ملزمة.
تصميم وتطوير