كبروا ادمغتكم...بقلم: فهمي هويدي

18.08.2011 08:01 AM

حين انحاز تونى بلير إلى جانب الرئيس الأمريكى جورج بوش فى حملة غزو العراق، تعرض موقفه للنقد، حيث استكثر البعض هناك أن ينقاد رئيس الوزراء البريطانى وراء الرئيس الأمريكى فى مغامرة من ذلك القبيل. فى تلك الأثناء نشرت إحدى الصحف البريطانية رسما كاريكاتوريا للرئيس بوش وهو يتجول فى مزرعته، وقد سحب وراءه كلبا صغيرا كتب عليه اسم تونى بلير. 

ما أثار انتباهى فى الصورة المنشورة ليس فقط المدى الذى ذهبت إليه فى نقد رئيس الوزراء، وإنما أيضا انها مرت دون أن تحدث أى صدى. لست أشك فى أن تونى بلير لم يسعد بنشرها، ولكنه ابتلعها واعتبرها من قبيل النقد السياسى الذى عليه ان يحتمله وينصت إليه طالما ظل فى موقعه كرئيس للوزراء، وربما اختلف الأمر لو أنه كان خارج المنصب وتصرف كمواطن عادى. 

لم أنس الصورة طوال السنوات العشر الماضية، وقد استحضرتها حين قرأت فى صحف الأحد الماضى إن إحدى الناشطات احتجت على تصرفات المجلس العسكرى ووصفته بأنه «مجلس كلاب» فى سياق تعليق غاضب لها نشرته على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك). كما ذكرت على ذات الصفحة ان القضاء «إذا لم يحصل على حقنا محدش يزعل لو طلعت جماعات مسلحة (وقامت) بعمل سلسلة اغتيالات، طالما لا يوجد قانون أو قضاء». وهى الآراء التى بسببها احيلت إلى النيابة العسكرية يوم الأحد الماضى (14/8). حيث تم التحقيق معها بعدما وجهت إليها تهمة الإساءة إلى المجلس العسكرى وتوجيه السباب إليه، كما اتهمت بالدعوة للقيام بعمليات مسلحة واغتيالات ضد أعضاء المجلس العسكرى ورجال القضاء. 

وبعد التحقيق قررت النيابة العسكرية الإفراج عن الناشطة أسماء محفوظ بكفالة 20 ألف جنيه لحين تحديد جلسة لمحاكمتها فى القضية التى حملت رقم 55 لسنة 2011 إدارى/ عسكرى. 

لم استرح للاسلوب الذى عبرت به الفتاة عن غضبها، وأدهشنى رد فعل المجلس العسكرى فلا هى وفقت فيما كتبته، ولا المجلس وفق فيما لجأ إليه، وإذا اعذرناها بحكم انفعالها كشابة متحمسة ليست مطالبة بأن تتروى فيما تعبر به، كما أنها ليست مطالبة بأن تدقق فى اختيار الألفاظ التى تستخدمها فيما تكتب، فإننى أزعم أن المجلس برتبه العليا ومقامه الرفيع وكونه سلطة تدير البلد، لا عذر له. إذ أفهم أن تنفعل الفتاة وتطلق الكلمات والعبارات غير المصقولة، لكن المجلس بجلالة قدره ليس له ان ينفعل ويتعين عليه أن يدقق جيدا فيما يصدره من قرارات أو بيانات. هى فى نهاية المطاف فرد عادى، ولكن المجلس مؤسسة غير عادية. 

وحين يشتبك معها فإنه يخصم من رصيده وينزل من عليائه. ويتصرف وهو المجلس «الأعلى» كَنِدٍ لفتاة فى العشرينيات من عمرها. وكما يقولون فى خطابنا العادى فإن المجلس بما أقدم عليه «جعل رأسه برأسها» فى حين كان عليه ان يتعامل مع مثل هذه التجاوزات برحابة صدر وباستعلاء فوق الانفعال والغضب. 

لو أن الكلام الذى قالته الفتاة صدر عن حزب سياسى أو مؤسسة جماهيرية لفهم موقف المجلس العسكرى. الذى يفضل أن يرد على الكلام بكلام مماثل، وليس بنيابة عسكرية وتهم مبالغ فيها من قبيل التحريض على القيام بعمليات مسلحة واغتيالات ضد المجلس العسكرى وأعضاء الهيئات القضائية، كما ورد فى قرار التحقيق مع أسماء محفوظ. 

تمنيت أن يفكر المجلس العسكرى سياسيا وليس أمنيا أو تأديبيا. كما تمنيت أن ينسى أعضاء المجلس طوال فترة قيامهم بإدارة البلد على الأقل، تقاليد المعسكرات وأساليب الضبط والربط التى تحكم علاقاتهم بالجند، وينتبهون إلى أن للسياسة ملاءمات وموازنات مختلفة تماما. وأزعم فى هذا الصدد ان المجلس خسر سياسيا بقراره إحالة الفتاة إلى النيابة العسكرية، فى حين ان صاحبتنا كسبت كثيرا سياسيا وإعلاميا وخرجت من التحقيق مناضلة وبطلة. وحين انفعل عضو بالمجلس العسكرى أثناء متابعة أحد البرامج التليفزيونية فجرح كاتبة مرموقة ووجه آخر أصابع الاتهام لإحدى الحركات الاحتجاجية. فإن المجلس خسر سياسيا وخرج الآخرون كلهم أبطالا.

 

مطلوب من المجلس أن «يكبر دماغه» وان يحتفظ بمقامه وهيبته، بحيث يستعلى فوق مشاعر الانفعال والغضب، لأن الغضب فى السياسة هو الخطوة الأولى على طريق الندامة.

 عن الشروق المصرية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير