استعدوا للجولة المقبلة...بقلم: هاني عوكل

26.11.2012 10:14 PM
ربما علينا استبدال اسم العملية التي أطلقتها إسرائيل على قطاع غزة بـ"خازوق السحاب"، بدلاً من "عامود السحاب"، هذه العملية التي لم تحقق لإسرائيل أي هدف مطلق، باستثناء أن المستوى السياسي استسهل وقرر الدخول في عدوان على قطاع غزة، دون أن يحدد طريق الخروج الآمن.
في هذه الجولة من العدوان، تسجل إسرائيل موقفاً وحيداً، وهو أنها عادت إلى مربع التهدئة المتبادلة، وأما الأهداف التي تتصل بإسكات صوت المقاومة وتقليص قواعد الصواريخ، وشراء أصوات أهل الجنوب من سكان إسرائيل في انتخابات التحالف (نتنياهو- ليبرمان) المقبلة، فهذه لم تحقق فيها إسرائيل ولا هدف حقيقي واحد يرشحها لتسويق أكذوبة الانتصار على المقاومة، كما يدعي بعض المطبلين في إسرائيل لهذا الانتصار، من أمثال نتنياهو الذي لم تغادره "التكشيرات" والحزن في كل تصريحاته أثناء وبعد العدوان.

ونقول هنا جولة، لأن إسرائيل ما تزال متفاجئة ومصدومة من قوة "حماس" والجهاد الإسلامي وباقي الفصائل الفلسطينية الأخرى، ذلك أن هذا العدد الكبير من الصواريخ التي أُطلقت ووصلت إلى تل أبيب ولأول مرة بالفعل الفلسطيني، نقول إن هذه الصواريخ جعلت إسرائيل تسجل حساباتها بالقلم والمسطرة، وتفكر ألف تفكير في إصدار قرار يتضمن توجيه عدوان بري على القطاع.

هذه المفاجئة ستعني أن إسرائيل وإن قبلت ووافقت على تهدئة متبادلة، فإنها ستكمن لفصائل المقاومة، وستوجه ضربة إن عاجلاً أو آجلاً إلى قطاع غزة، وكما هو الملاحظ، سيكون عنوان هذه الضربة القصف الإسرائيلي الجوي والبحري، كما في عملية "خازوق السحاب"!!

ولعل إسرائيل استخلصت الآن العبر من عدوانها هذا على القطاع، ومن يلاحظ خارطة العدوان سيكتشف الآتي: أولاً، شنت إسرائيل العدوان على القطاع باستهداف شخصية ثقيلة في القسام هي الشهيد أحمد الجعبري، ونتيجة للفعل ورد الفعل استكمل الاحتلال عدوانه بقصف يومي وهمجي.

في هذه الأثناء، قرر المستوى السياسي تصعيد العدوان بتحضير واستنفار الجيش وإبقائه على أهبة الاستعداد بالقرب من الحدود مع القطاع، ومن ثم صدرت التحذيرات الدولية من واشنطن ولندن وبعض العواصم الأوروبية، تطالب نتنياهو بالتروي وعدم القيام بشن عملية برية ضد القطاع قد تلحق ضرراً كبيراً بإسرائيل.

ثانياً، استعاض المستوى السياسي عن العملية البرية، بتوسيع الضربات وفق حسبته القديمة الجديدة التي شملت استهداف المواطنين المدنيين العزل، والطواقم الصحافية، وهذا يفسر حالة واحدة، وهي أن إسرائيل بعد استبعاد العملية البرية، مفلسة عسكرياً، وفقدت القدرة على المناورة في هذه المعركة، وفي حساباتها أن الاستهداف المدني للفلسطينيين قد يحقق لها قوة الردع.

ثالثاً، لقد أشعلت إسرائيل النار في قطاع غزة، وهي تتوقع أن المدى الصاروخي المقاومي لن يصل تل أبيب، ولذلك نصبت بطاريات القبة الحديدية في المناطق الجنوبية، وحينما تفاجأت بأن الصواريخ الفلسطينية ضربت العمق الإسرائيلي المتمثل في تل أبيب، استعجلت الحكومة في نصب بطارية للقبة الحديدية بالقرب من تل أبيب، مع العلم أن هذه البطارية كان مصرحاً دخولها في الخدمة والنشاط العسكري بعد عام.

ورابعاً، بحثت الحكومة الإسرائيلية في تهدئة استدراكية، أملاً منها في وقف صواريخ المقاومة، وبالتالي وقف هذه الخسائر القاتلة، وهي خسائر لا تتصل بعدد القتلى والجرحى فحسب، وإنما خسائر اقتصادية وأخرى بشرية تتعلق برحيل السكان عن إسرائيل.

نعود إلى موضوع أن إسرائيل استخلصت العبر، بمعنى أنها طالبت بتهدئة وافقت عليها، وهي تسعى الآن إلى ترميم صورتها التي اهتزت على خلفية عدوانها الأخير، لكنها في الأساس وضعت الخطة سلفاً لعدوان جديد على القطاع، خصوصاً وأنها تؤمن بأن العدوان على غزة هو استنزافي ومسألة وقت.

ثمة من يقول من الكتاب والمحللين إن حسم الحرب يأتي مع الزمن والوقت، وأتفق مع هذا الرأي بأن إسرائيل وإن خسرت هذه الجولة من العدوان، إلا أنها تحضِّر بقوة من أجل العودة إلى القطاع، لكن هذه المرة بعد أن تحصن نفسها بوسائل قتالية ودفاعية جديدة.

كيف ذلك؟ أولاً: دعونا نؤكد على أن إسرائيل تمارس قوة الكر والفر في كل عدواناتها، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، لكن في حالة القطاع وبعد قرار الانتشار من غزة، تمارس إسرائيل عدوانها هناك بين الوقت والآخر، دون أن تفكر على الإطلاق في العودة إلى الاحتلال الكامل للقطاع.

في الضفة الغربية، يبدو أن الأمر مختلف تماماً، فإسرائيل تهتم جداً لهذه الأرض، ولذلك نجدها متمسكة بسياسة الاستيطان والبقاء هناك، وتهويد القدس كما تهويد الضفة، أملاً في قتل الدولة الفلسطينية التي يفترض أن تقوم منذ العام 1999.

إذن هنا، يمكن القول إن إسرائيل تفرض وقائع يومية بالوقت والزمن على الضفة الغربية، وأما في القطاع فهي تشتغل بطريقة العدوان الاستنزافي، لأنها تكره غزة ولا ترغب فيها، وخطتها تقضي بإضعاف سلطة "حماس" وإبقائها عند مستوى الفصيل الذي يدير شؤون غزة بالمعنى الإداري وليس المقاومي، فقط سلطة بلا أظافر ولا أسنان تزعج إسرائيل.

أما فيما يتعلق بموضوع التحصن وتحسين القدرات العسكرية، فالمقصود هنا تحديداً، تطوير منظومة القبة الحديدية، فقد اختبرت إسرائيل هذه المنظومة واستخلصت الدروس المتصلة بالعمل على زيادة تحصين الجبهة الداخلية، عبر التزود ببطاريات ستنشر في مناطق مختلفة من إسرائيل في المستقبل القريب، فضلاً عن زيادة التعاون العسكري مع الولايات المتحدة من أجل تطوير هذه المنظومة، وتصريحات وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا الأخيرة تصب في هذه الاتجاه.

لن تقبل إسرائيل بأي حال من الأحوال أن يهددها أحد، وشعورها بالخوف هو الذي سيجعلها تفكر في صناعة عدوان جديد، وهذه المرة أيضاً ستُدخل الإعلام الفلسطيني في "بوز المدفع"، كما فعلت في عدوانها الأخير، بغرض منع وصول الحقيقة كاملة، على اعتبار أن الإعلام شريك في صناعة الحدث.

والحال أن علينا أن نفرح و"ننبسط" من هذا الإنجاز والنصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية، لكن أيضاً ليس علينا المراهنة على هذه الهدنة، لأنها مع الوقت ستتآكل بعدوان جديد، ولذلك ينبغي أن تستكمل المقاومة مشروعها التسلحي، وتبتدع وسائل تمكنها من إرباك العدو وتقليص الهوة في ميزان القوى.

وأعتقد أن أهم دور من المهم الاستعجال به الآن، هو مغادرة الانقسام الداخلي وتحصين الجبهة الفلسطينية، لأن ذلك كفيل فعلاً بتهديد العدو وإبقائه خائفاً طوال الوقت، مع الأخذ بعين الاعتبار التأكيد على المقاومة الشعبية جنباً إلى جانب حق المقاومة في الدفاع عن نفسها وشعبها والأراضي الفلسطينية المحتلة.

لعل أجمل وأغلى هدية للشعب الفلسطيني هي في استعادة الوحدة، لأنها صمام الأمان الذي يقوي ظهرنا أمام العالم وضد العدو الصهيوني، ولأن الوحدة تعيد هيبة القضية الفلسطينية وتضيف قوة إلى جانب القوة التي أفرحتنا بها المقاومة الفلسطينية في هذه الأيام التي نعيشها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير