نعم للعدالة، لا للافلات من العقاب - ياسر غازي علاونه
22.11.2012 09:40 PM
في اليوم العالمي لإنهاء الافلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين والاعتداء عليهم
يحتفل العالم بتاريخ23/11/2012 باليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين والاعتداء عليهم، والصادر عن الشبكة الدولية لتبادل المعلومات المتعلقة بحرية التعبير(الأيفكس) والتي تضم في عضويتها(90) منظمة مستقلة في مختلف أنحاء العالم، وكان القرار أتخذ بتاريخ 23/11/2011، تخليداً للضحايا الصحفيين الذين سقطوا في الفلبين في العام 2009، حيث راح (32) صحفي وإعلامي في مجزرة امباتوان. وهذا اليوم مخصص للمطالبة بتحقيق العدالة لأولئك الأشخاص الذين استهدفوا بسبب ممارستهم لحقهم في حرية الرأي والتعبير، وتسليط الضوء على مسألة الإفلات من العقاب.
وتعتبر الصحافة مهنة محفوفة بالمخاطر في مناطق النزاع المسلح، حيث أعلنت منظمة «حملة شعار الصحفي» أن (106) صحفياً لقوا مصرعهم خلال العام (2011)، أغلبهم أثناء قيامهم بتغطية الثورات العربية أو عنف عصابات الجريمة في المكسيك أو الاضطرابات السياسية في باكستان. وأشارت منظمة (صحفيون بلا حدود) إلى أن عدد الصحفيين الذين لقوا مصرعهم خلال مظاهرات الربيع العربي ارتفع إلى (20) صحفياً خلال العام (2011) كما وتضاعف مقارنة بالعام (2010). وأن عددا مماثلاً من الصحفيين لقي مصرعه في أمريكا اللاتينية، حيث تنتشر عصابات الجريمة المنظمة. وإلى أنه تم إلقاء القبض على حوالي (1044) صحفياً خلال العام (2011). وأضافت أن العام (2011) شهد فرار (73) صحفياً من بلدانهم ومقتل (5) صحفيين الكترونيين، وتوقيف (199) مدوناً وصحفيا إلكترونياً، والاعتداء على (62) مدوناً وصحفيا الكترونياً، وفرض شكل من أشكال الرقابة على الإنترنت في (68) دولة. وبينت المنظمة أن باكستان تعد الدولة الأكثر دموية في العالم بالنسبة لاستهداف الصحفيين، حيث قتل (10) صحفيين، اغتيل معظمهم، وبقيت الصين وإيران وإريتريا أكبر الدول تقييداً للصحفيين في العالم، وأشارت منظمة اليونسكو إلى أن عامي (2008) و(2009) شهدا سقوط أكثر من (3000) صحفي ما بين قتيل وجريح وُتعرض لسوء المعاملة. وبين المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية التعبير والرأي، فرانك لا روي، أن العام (2009) شهد زيادة في نسبة القتلى من بين الصحفيين بحوالي (29%) مقارنة مع العام (2008)، واضطر (157) صحفي للذهاب إلى المنفى ومغادرة بلدانهم، ويشار إلى أنه قتل في العام (2009) حوالي(122) صحافياً بينهم (32) قتلوا في يوم واحد في الفلبين، وقتل(91) صحفياً في العام (2008) و(115) صحفياً في العام (2007)، وقد ارتفع عدد الصحفيين الذين قتلوا بنسبة (244%) خلال الأعوام (2002-2008) وخلال العام 2012، ووفق الاتحاد الدولي للصحفيين قتل في العشرة شهور الأول (35) صحفياً، وأن ما لا يقل عن ثلثي حالات القتل يفلت القتله من العقاب.
تعد مسألة سلامة الصحفيين ومكافحة الأفلات من العقاب الهاجس الأكبر في ملاحقة مقتل الصحفيين والاعتداء عليهم خاصة في ظل لجان تحقيق بعيدة عن الحياد والنزاهة، ويعتبر عدم تنفيذ الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والقوانين الوطنية السبب الرئيسي في الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضدهم، ففي هذا الإطار تقوم سلطات الاحتلال الاسرائيلي بانتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، باستهداف الصحفيين الفلسطيين وقتلهم والاعتداء عليهم، وفي غالبية الحالات لا يشكل لجان تحقيق، وإن شكلت تكون غير محايدة وشكلية لخلق مبررات لقوات الاحتلال باستهداف الصحفيين والاعتداء الجسدي عليهم، وقد برأت سلطات الاحتلال جنودها في أكثر من حادثة وتحت مبرر" أن تصرف الجنود كان بشكل مناسب ولن يواجه بأي إجراءات قانونية".
أما على المستوى الفلسطيني فقد نص القانون الأساسي الفلسطيني في مادته (32) على تجريم الاعتداء على الحريات بما فيها الاهتداء على الصحفيين، فقد نص في جاء في نص المادة على أنه" كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاص للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الاساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضرر". ويكون حماية الصحفيين ومحاربة الإفلات من العقاب من خلال تنفيذ القوانيين الوطنية وفرض العقوبات، والحكم يكون على جدية وفاعلية المساءلة والمحاسبة من خلال حجم التنفيذ، وهذا يفرض واجب على الجهات المختصة في التحقيق ومتابعة الجرائم، ولا سيما النيابة العامة والضابطة القضائية بما فيها الشرطة التحقيق في الجرائم الواقعة على الصحفيين، وملاحقة المتهمين ومعاقبة المجرمين، لتنفيذ وتحقيق شعارنا لا للإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين والاعتداء عليهم.
ويعتبر الإفلات من العقاب في حالات استهداف الصحفيين في النزاعات المسلحة المشكلة الرئيسية في موضوع الحماية وسبلها، حيث أشارت منظمة اليونسكو إلى أن أكثر من (94%) من حالات استهداف الصحفيين بقيت بدون تحقيق.
لقد تناول القانون الدولي الإنساني حماية الصحفيين ووسائل الإعلام، فنصت اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية (لاهاي) الصادرة بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول للعام (1907) على حماية الصحفيين أثناء المنازعات المسلحة، فقد نصت المادة (13) منها على أنه " يعامل الأشخاص الذين يرافقون الجيش دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منه، كالمراسلين الصحفيين الذين يقعون في قبضة العدو كأسرى حرب، شريطة أن يكون لديهم تصريح من السلطة العسكرية للجيش الذين يرافقونه". وكذلك اتفاقية جنيف الخاصة بأسرى الحرب الصادرة بتاريخ 27/7/1929، حماية الصحفيين في المادة (81) منها بنصها على أنه "يحق للأشخاص الذين يتبعون القوات المسلحة دون الانتماء لها مباشرة، مثل المراسلين، ومراسلي الصحف الذين يقعون في أيدي العدو، والذي يعتقد أنه يحق له احتجازهم، أن يعاملوا كأسرى الحرب، شريطة أن يكون لديهم تصريح من السلطة العسكرية للجيش الذين يرافقونه.
وتناولت اتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949، حماية (للمراسلين الحربيين) وفقاً لشرطين، بأن لا يكونوا جزء من القوات المسلحة وألا يشاركوا في أعمال عدائية، والحصول على تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها، وبالتالي يكون هناك عدم مشروعية للهجمات التي تستهدف الصحفيين ووسائل الإعلام، وحماية الصحفيين كونهم أفراداً مدنيين، ووجوب حماية الصحفيين الذين يقومون بمهام خطرة، وحماية للمراسلين الحربيين.
وجاء البرتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية أكثر وضوحاً في طلبه حماية كل صحفي يمارس مهام خطرة في مناطق النزاع، حيث جاء في المادة (79). أنه "يعد الصحفيون الذي يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين ضمن منطوق الفقرة الأولى من المادة (50). وأعطى هذا النص الصحفيون الحماية القانونية والحصانة من الأعمال الحربية باعتبارهم مدنيين، وكما هو وارد في نصوص الاتفاقية فالمدنيين ليسوا من ضمن المواقع والأهداف العسكرية".
كما تضمنت المادة (79) من البرتوكول الأول على ضمانة إضافية لحماية الصحفيين، بنصه على أنه "يجب حمايتهم (يقصد الصحفيين) بهذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات وهذا الملحق "البروتوكول" شريطة ألا يقوموا بأي عمل يسئ إلى وضعهم كأشخاص مدنيين وذلك دون الإخلال بحق المراسلين الحربيين المعتمدين لدى القوات المسلحة في الاستفادة من الوضع المنصوص عليه في المادة 4 (أ-4) من الاتفاقية الثالثة".
ويتمتع الصحفيون بحكم وضعهم كمدنيين في القانون الدولي الإنساني بحماية من الهجمات المباشرة بشرط عدم المشاركة بطريقة مباشرة في الأعمال العدائية، ومعاملتهم كأسرى حرب في حال اعتقالهم، وحماية ممتلكاتهم شريطة أن لا تكون ذات طابع عسكري، وتعتبر محطات الإذاعة والتلفزيون أعياناً مدنية، وضرورة إنذار الصحفيين قبل الهجوم في الوقت المناسب وبوسائل فعالة. وتشكل أية مخالفة لهذه القاعدة انتهاكاً خطيرا لاتفاقيات جنيف وبروتوكولها الإضافي الأول. ويرى روبين غايس، خبير قانوني في اللجنة الدولية للصلب الأحمر، أن التعمد في توجيه هجوم مباشر ضد شخص مدني(بما فيهم الصحفيين بحكم وضعهم كمدنيين بحماية القانون الدولي) يرقى أيضاً إلى جريمة حرب بمقتضى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ويعتبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1738) للعام (2006) ضمانة مهمة في مجال حماية الصحفيين، حيث تناول القرار العديد من الجوانب التي من شأنها تعزيز وترسيخ مفهوم الحماية، حيث جاء في نص القرار إدانة الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين وموظفي وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بهم في حالات النزاع المسلح، وأهاب بجميع الأطراف أن توقف هذه الممارسات. وأشار إلى ضرورة اعتبار الصحفيين وموظفي وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بهم، العاملين في بعثات مهنية تحفها المخاطر في مناطق النزاع المسلح، أشخاصا مدنيين يجب احترامهم وحمايتهم بصفتهم هذه، شريطة ألا يقوموا بأي عمل يضر بوضعهم كمدنيين، ودون الإخلال بحق مراسلي الحرب المعتمدين لدى القوات المسلحة في أن يعاملوا كأسرى حرب. وأكد على أن المعدات والمنشآت الخاصة بوسائط الإعلام تشكل أعيانا مدنية، ولا يجوز في هذا الصدد أن تكون هدفاً لأي هجمات أو أعمال انتقامية، ما لم تكن أهدافا عسكرية. ودعا القرار إلى ضرورة اتخاذ خطوات ردا على الإذاعات الإعلامية التي تحرض على الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي. وطالب القرار جميع الأطراف في أي نزاع مسلح بالامتثال التام للالتزامات المنطبقة عليهم بموجب القانون الدولي المتعلق بحماية المدنيين في النزاع المسلح، بمن فيهم الصحفيون وموظفو وسائط الإعلام والأفراد المرتبطون بهم. وحث الدول وجميع الأطراف في النزاع المسلح على أن تبذل قصارى جهدها لمنع ارتكاب انتهاكات للقانون الإنساني الدولي ضد المدنيين، بمن في ذلك الصحفيون وموظفو وسائط الإعلام والأفراد المرتبطون بهم. واحترام الاستقلال المهني للصحفيين وموظفي وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بهم وحقوقهم كمدنيين.
وأكد القرار على مسؤولية الدول عن الامتثال للالتزامات ذات الصلة بموجب القانون الدولي ووضع حد للإفلات من العقاب ومحاكمة المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي. ودعا الدول التي لم تفعل ذلك بعد، إلى أن تنظر في أن تصبح أطرافا في البروتوكولين الإضافيين للعام (1977) لاتفاقية جنيف الأول والثاني في أقرب تاريخ ممكن. وأكد على أنه سيتناول مسألة حماية الصحفيين في النزاع المسلح حصرا تحت بند "حماية المدنيين في النزاع المسلح". وطلب إلى الأمين العام أن يضمن تقاريره القادمة بشأن حماية المدنيين في حالات النزاع المسلح مسألة سلامة وأمن الصحفيين وموظفي وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بهم، كبند فرعي.
ونرى أن القرار أعاد التأكيد على حماية الصحفيين وإدانة الهجمات ضدهم، واعتبارهم مدنيين ومعاملتهم كأسرى حرب، وعلى اعتبار المعدات ووسائل الإعلام أعيانا مدنية، وملاحقة مرتكبي الانتهاكات ضد الصحفيين ووضع حد للإفلات من العقاب، وأنه سيبقي مسألة حماية الصحفيين في النزاع المسلح على جدول أعماله. وعلاوة على ذلك يقدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً سنوياً إلى الجمعية العامة حول تنفيذ هذا القرار، وكذلك التقرير الذي يقدمه المقررين الخاصيين بحرية الرأي والتعبير، التعذيب، الإعدام خارج نطاق القانون، الاختفاء القسري، والاحتجاز التعسفي.
وهناك العديد من الاعلانات التي تؤكد على سلامة الصحفيين ومكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإعلان بشأن اسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان، وإعلان ميديلين لعام 2007، والذي يركز على ضمان سلامة الصحفيين ومكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب في جميع الأوضاع ولا سيما أوضاع النزاع، وإعلان بغلراد لعام 2004 الذي أكد على دعم وسائل الإعلام في مناطق النزاعات العنيفة والبلدان التي تمر في مرحلة انتقالية، وخطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب.
وعلى المستوى الإقليمي توجد مجموعة من النظم التي توفر ضمانه لسلامة الصحفيين وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب، ومنها منظمة الدول الأمريكية، الاتحاد الأوربي،الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية.
وأخيراً، علينا العمل على الصعيدين الدولي والوطني لضمان حماية وسلامة الصحفيين والعمل على مكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب، وتحقيق العدالة، حتى لا يبقى الجناة أحرار والضحية تتألم.
يحتفل العالم بتاريخ23/11/2012 باليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين والاعتداء عليهم، والصادر عن الشبكة الدولية لتبادل المعلومات المتعلقة بحرية التعبير(الأيفكس) والتي تضم في عضويتها(90) منظمة مستقلة في مختلف أنحاء العالم، وكان القرار أتخذ بتاريخ 23/11/2011، تخليداً للضحايا الصحفيين الذين سقطوا في الفلبين في العام 2009، حيث راح (32) صحفي وإعلامي في مجزرة امباتوان. وهذا اليوم مخصص للمطالبة بتحقيق العدالة لأولئك الأشخاص الذين استهدفوا بسبب ممارستهم لحقهم في حرية الرأي والتعبير، وتسليط الضوء على مسألة الإفلات من العقاب.
وتعتبر الصحافة مهنة محفوفة بالمخاطر في مناطق النزاع المسلح، حيث أعلنت منظمة «حملة شعار الصحفي» أن (106) صحفياً لقوا مصرعهم خلال العام (2011)، أغلبهم أثناء قيامهم بتغطية الثورات العربية أو عنف عصابات الجريمة في المكسيك أو الاضطرابات السياسية في باكستان. وأشارت منظمة (صحفيون بلا حدود) إلى أن عدد الصحفيين الذين لقوا مصرعهم خلال مظاهرات الربيع العربي ارتفع إلى (20) صحفياً خلال العام (2011) كما وتضاعف مقارنة بالعام (2010). وأن عددا مماثلاً من الصحفيين لقي مصرعه في أمريكا اللاتينية، حيث تنتشر عصابات الجريمة المنظمة. وإلى أنه تم إلقاء القبض على حوالي (1044) صحفياً خلال العام (2011). وأضافت أن العام (2011) شهد فرار (73) صحفياً من بلدانهم ومقتل (5) صحفيين الكترونيين، وتوقيف (199) مدوناً وصحفيا إلكترونياً، والاعتداء على (62) مدوناً وصحفيا الكترونياً، وفرض شكل من أشكال الرقابة على الإنترنت في (68) دولة. وبينت المنظمة أن باكستان تعد الدولة الأكثر دموية في العالم بالنسبة لاستهداف الصحفيين، حيث قتل (10) صحفيين، اغتيل معظمهم، وبقيت الصين وإيران وإريتريا أكبر الدول تقييداً للصحفيين في العالم، وأشارت منظمة اليونسكو إلى أن عامي (2008) و(2009) شهدا سقوط أكثر من (3000) صحفي ما بين قتيل وجريح وُتعرض لسوء المعاملة. وبين المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية التعبير والرأي، فرانك لا روي، أن العام (2009) شهد زيادة في نسبة القتلى من بين الصحفيين بحوالي (29%) مقارنة مع العام (2008)، واضطر (157) صحفي للذهاب إلى المنفى ومغادرة بلدانهم، ويشار إلى أنه قتل في العام (2009) حوالي(122) صحافياً بينهم (32) قتلوا في يوم واحد في الفلبين، وقتل(91) صحفياً في العام (2008) و(115) صحفياً في العام (2007)، وقد ارتفع عدد الصحفيين الذين قتلوا بنسبة (244%) خلال الأعوام (2002-2008) وخلال العام 2012، ووفق الاتحاد الدولي للصحفيين قتل في العشرة شهور الأول (35) صحفياً، وأن ما لا يقل عن ثلثي حالات القتل يفلت القتله من العقاب.
تعد مسألة سلامة الصحفيين ومكافحة الأفلات من العقاب الهاجس الأكبر في ملاحقة مقتل الصحفيين والاعتداء عليهم خاصة في ظل لجان تحقيق بعيدة عن الحياد والنزاهة، ويعتبر عدم تنفيذ الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والقوانين الوطنية السبب الرئيسي في الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضدهم، ففي هذا الإطار تقوم سلطات الاحتلال الاسرائيلي بانتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، باستهداف الصحفيين الفلسطيين وقتلهم والاعتداء عليهم، وفي غالبية الحالات لا يشكل لجان تحقيق، وإن شكلت تكون غير محايدة وشكلية لخلق مبررات لقوات الاحتلال باستهداف الصحفيين والاعتداء الجسدي عليهم، وقد برأت سلطات الاحتلال جنودها في أكثر من حادثة وتحت مبرر" أن تصرف الجنود كان بشكل مناسب ولن يواجه بأي إجراءات قانونية".
أما على المستوى الفلسطيني فقد نص القانون الأساسي الفلسطيني في مادته (32) على تجريم الاعتداء على الحريات بما فيها الاهتداء على الصحفيين، فقد نص في جاء في نص المادة على أنه" كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاص للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الاساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضرر". ويكون حماية الصحفيين ومحاربة الإفلات من العقاب من خلال تنفيذ القوانيين الوطنية وفرض العقوبات، والحكم يكون على جدية وفاعلية المساءلة والمحاسبة من خلال حجم التنفيذ، وهذا يفرض واجب على الجهات المختصة في التحقيق ومتابعة الجرائم، ولا سيما النيابة العامة والضابطة القضائية بما فيها الشرطة التحقيق في الجرائم الواقعة على الصحفيين، وملاحقة المتهمين ومعاقبة المجرمين، لتنفيذ وتحقيق شعارنا لا للإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين والاعتداء عليهم.
ويعتبر الإفلات من العقاب في حالات استهداف الصحفيين في النزاعات المسلحة المشكلة الرئيسية في موضوع الحماية وسبلها، حيث أشارت منظمة اليونسكو إلى أن أكثر من (94%) من حالات استهداف الصحفيين بقيت بدون تحقيق.
لقد تناول القانون الدولي الإنساني حماية الصحفيين ووسائل الإعلام، فنصت اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية (لاهاي) الصادرة بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول للعام (1907) على حماية الصحفيين أثناء المنازعات المسلحة، فقد نصت المادة (13) منها على أنه " يعامل الأشخاص الذين يرافقون الجيش دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منه، كالمراسلين الصحفيين الذين يقعون في قبضة العدو كأسرى حرب، شريطة أن يكون لديهم تصريح من السلطة العسكرية للجيش الذين يرافقونه". وكذلك اتفاقية جنيف الخاصة بأسرى الحرب الصادرة بتاريخ 27/7/1929، حماية الصحفيين في المادة (81) منها بنصها على أنه "يحق للأشخاص الذين يتبعون القوات المسلحة دون الانتماء لها مباشرة، مثل المراسلين، ومراسلي الصحف الذين يقعون في أيدي العدو، والذي يعتقد أنه يحق له احتجازهم، أن يعاملوا كأسرى الحرب، شريطة أن يكون لديهم تصريح من السلطة العسكرية للجيش الذين يرافقونه.
وتناولت اتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949، حماية (للمراسلين الحربيين) وفقاً لشرطين، بأن لا يكونوا جزء من القوات المسلحة وألا يشاركوا في أعمال عدائية، والحصول على تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها، وبالتالي يكون هناك عدم مشروعية للهجمات التي تستهدف الصحفيين ووسائل الإعلام، وحماية الصحفيين كونهم أفراداً مدنيين، ووجوب حماية الصحفيين الذين يقومون بمهام خطرة، وحماية للمراسلين الحربيين.
وجاء البرتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية أكثر وضوحاً في طلبه حماية كل صحفي يمارس مهام خطرة في مناطق النزاع، حيث جاء في المادة (79). أنه "يعد الصحفيون الذي يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين ضمن منطوق الفقرة الأولى من المادة (50). وأعطى هذا النص الصحفيون الحماية القانونية والحصانة من الأعمال الحربية باعتبارهم مدنيين، وكما هو وارد في نصوص الاتفاقية فالمدنيين ليسوا من ضمن المواقع والأهداف العسكرية".
كما تضمنت المادة (79) من البرتوكول الأول على ضمانة إضافية لحماية الصحفيين، بنصه على أنه "يجب حمايتهم (يقصد الصحفيين) بهذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات وهذا الملحق "البروتوكول" شريطة ألا يقوموا بأي عمل يسئ إلى وضعهم كأشخاص مدنيين وذلك دون الإخلال بحق المراسلين الحربيين المعتمدين لدى القوات المسلحة في الاستفادة من الوضع المنصوص عليه في المادة 4 (أ-4) من الاتفاقية الثالثة".
ويتمتع الصحفيون بحكم وضعهم كمدنيين في القانون الدولي الإنساني بحماية من الهجمات المباشرة بشرط عدم المشاركة بطريقة مباشرة في الأعمال العدائية، ومعاملتهم كأسرى حرب في حال اعتقالهم، وحماية ممتلكاتهم شريطة أن لا تكون ذات طابع عسكري، وتعتبر محطات الإذاعة والتلفزيون أعياناً مدنية، وضرورة إنذار الصحفيين قبل الهجوم في الوقت المناسب وبوسائل فعالة. وتشكل أية مخالفة لهذه القاعدة انتهاكاً خطيرا لاتفاقيات جنيف وبروتوكولها الإضافي الأول. ويرى روبين غايس، خبير قانوني في اللجنة الدولية للصلب الأحمر، أن التعمد في توجيه هجوم مباشر ضد شخص مدني(بما فيهم الصحفيين بحكم وضعهم كمدنيين بحماية القانون الدولي) يرقى أيضاً إلى جريمة حرب بمقتضى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ويعتبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1738) للعام (2006) ضمانة مهمة في مجال حماية الصحفيين، حيث تناول القرار العديد من الجوانب التي من شأنها تعزيز وترسيخ مفهوم الحماية، حيث جاء في نص القرار إدانة الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين وموظفي وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بهم في حالات النزاع المسلح، وأهاب بجميع الأطراف أن توقف هذه الممارسات. وأشار إلى ضرورة اعتبار الصحفيين وموظفي وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بهم، العاملين في بعثات مهنية تحفها المخاطر في مناطق النزاع المسلح، أشخاصا مدنيين يجب احترامهم وحمايتهم بصفتهم هذه، شريطة ألا يقوموا بأي عمل يضر بوضعهم كمدنيين، ودون الإخلال بحق مراسلي الحرب المعتمدين لدى القوات المسلحة في أن يعاملوا كأسرى حرب. وأكد على أن المعدات والمنشآت الخاصة بوسائط الإعلام تشكل أعيانا مدنية، ولا يجوز في هذا الصدد أن تكون هدفاً لأي هجمات أو أعمال انتقامية، ما لم تكن أهدافا عسكرية. ودعا القرار إلى ضرورة اتخاذ خطوات ردا على الإذاعات الإعلامية التي تحرض على الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي. وطالب القرار جميع الأطراف في أي نزاع مسلح بالامتثال التام للالتزامات المنطبقة عليهم بموجب القانون الدولي المتعلق بحماية المدنيين في النزاع المسلح، بمن فيهم الصحفيون وموظفو وسائط الإعلام والأفراد المرتبطون بهم. وحث الدول وجميع الأطراف في النزاع المسلح على أن تبذل قصارى جهدها لمنع ارتكاب انتهاكات للقانون الإنساني الدولي ضد المدنيين، بمن في ذلك الصحفيون وموظفو وسائط الإعلام والأفراد المرتبطون بهم. واحترام الاستقلال المهني للصحفيين وموظفي وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بهم وحقوقهم كمدنيين.
وأكد القرار على مسؤولية الدول عن الامتثال للالتزامات ذات الصلة بموجب القانون الدولي ووضع حد للإفلات من العقاب ومحاكمة المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي. ودعا الدول التي لم تفعل ذلك بعد، إلى أن تنظر في أن تصبح أطرافا في البروتوكولين الإضافيين للعام (1977) لاتفاقية جنيف الأول والثاني في أقرب تاريخ ممكن. وأكد على أنه سيتناول مسألة حماية الصحفيين في النزاع المسلح حصرا تحت بند "حماية المدنيين في النزاع المسلح". وطلب إلى الأمين العام أن يضمن تقاريره القادمة بشأن حماية المدنيين في حالات النزاع المسلح مسألة سلامة وأمن الصحفيين وموظفي وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بهم، كبند فرعي.
ونرى أن القرار أعاد التأكيد على حماية الصحفيين وإدانة الهجمات ضدهم، واعتبارهم مدنيين ومعاملتهم كأسرى حرب، وعلى اعتبار المعدات ووسائل الإعلام أعيانا مدنية، وملاحقة مرتكبي الانتهاكات ضد الصحفيين ووضع حد للإفلات من العقاب، وأنه سيبقي مسألة حماية الصحفيين في النزاع المسلح على جدول أعماله. وعلاوة على ذلك يقدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً سنوياً إلى الجمعية العامة حول تنفيذ هذا القرار، وكذلك التقرير الذي يقدمه المقررين الخاصيين بحرية الرأي والتعبير، التعذيب، الإعدام خارج نطاق القانون، الاختفاء القسري، والاحتجاز التعسفي.
وهناك العديد من الاعلانات التي تؤكد على سلامة الصحفيين ومكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإعلان بشأن اسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان، وإعلان ميديلين لعام 2007، والذي يركز على ضمان سلامة الصحفيين ومكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب في جميع الأوضاع ولا سيما أوضاع النزاع، وإعلان بغلراد لعام 2004 الذي أكد على دعم وسائل الإعلام في مناطق النزاعات العنيفة والبلدان التي تمر في مرحلة انتقالية، وخطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب.
وعلى المستوى الإقليمي توجد مجموعة من النظم التي توفر ضمانه لسلامة الصحفيين وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب، ومنها منظمة الدول الأمريكية، الاتحاد الأوربي،الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية.
وأخيراً، علينا العمل على الصعيدين الدولي والوطني لضمان حماية وسلامة الصحفيين والعمل على مكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب، وتحقيق العدالة، حتى لا يبقى الجناة أحرار والضحية تتألم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء