خرم ابرة إلــى مــلائــكـتــنــا* بقلم: رامي مهداوي

17.11.2012 10:20 AM
أنت الآن ملاك بعد أن كنت طفلاً/ة فلسطينياً/ة لم تتجاوز/ي السنة بعد، هكذا نحن الفلسطينيين ننجب الملائكة، وهل غيرنا يلد الملائكة؟ هكذا هو الموت كما قال عنه محمود درويش "الموت لا يعني لنا شيئاً. نكونُ فلا يكونُ... الموت لا يعني لنا شيئاً. يكونُ فلا نكونُ"... هل كتب علينا أن نكون الشعب الوحيد الذي يلد الملائكة؟! هذه هي حكمة الله، فلماذا الغضب؟!
يا ملاكنا، ارحمنا فأنت منّا، دمك دمنا.. رضعت الحليب من أثداء أمهاتنا فانتصر لنا، انتصر لدمك ولحمك، ماذا تنتظر؟ اخترع الأمل لنا، أعطنا حقنة تعالج بها آلامنا؟ أنت نحن في المنفى وتحت الدمار.. أنت أحلامنا في الحرية فلماذا رحلت الآن وطلبت المزيد من أطفالنا؟ أطفالنا ملك لنا، ملك لهويتنا وتراثنا.. تعبنا من ذهاب أطفالنا للأساطير والروايات في عالم لا يرى جروحنا ولا يسمع صراخنا.
هل هذا عقاب لنا لأننا لم نحافظ على ذاتنا؟ هو عقاب الموت بالموت؟ هل لأن الدم قتل الدم فأراد دمنا بتذكيرنا من نحن؟ من أنا؟ ومن أخي؟ معنا الألوان؟ فلا معنى للأصفر والأخضر إذا سال اللون الأحمر من أجسادنا بأيدينا ؟؟ هو عقاب بأن لا تكون لنا طيور نمتلكها، نكبر بهم ومعهم.. هل أراد الله بتذكيرنا وتذكير ملائكتنا أن اللعبة الأساسية في حاراتنا ما زالت "شرطي وحرامي" ما زالت "فلسطيني وإسرائيلي" وليس "فتحاوي وحمساوي"...
لن نشرب القهوة بغياب ملائكتنا... فملائكتنا هم الذين لم يبكوا على أنفسهم بقدر ما بكينا على ذاتنا وأحلامنا.. بكينا على فراقهم لغرفتهم التي تبعثرت بها أجسادهم وكتب المدرسة ولعبة العيد وقصة الشاطر حسن وساعة الحائط التي توقفت بلحظة تحولهم إلى ملائكة، بكينا على تاريخنا فهو لم يشبع حتى هذه اللحظة من ملائكتنا... لم يشبع من موتنا... ارحل عنّا، أريد أن أشرب القهوة وأسمع صوت أطفالنا يلعبون مع أنغام فيروز ..."طيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان.. بدي أرجع بنت صغيرة على سطح الجيران .. على فوق سطوح بعاد عالنسمة الخجولة.. أخدوني معهن الأولاد وردوا لي الطفولة .. ضحكات الصبيان وغناني زمان".
ملائكتنا، هل ستأتون كل مساء لأروي لكم قصة ما قبل النوم؟ سأتقمص دور المؤلف والممثل وأعيد ترتيب الرواية كما أريد، سأقتل ذئب ليلى، وأجعل الشاطر حسن كما هو لكن دون بطولات، لأننا شبعنا رجالاً يتقمصون دور البطولة دون نتائج. هل تريدون كأس الحليب وأنا أروي الرواية؟ يا بابا خلص الكاسة كاملة عشان اتكون قوي... يا حبيبتي خلصي الكاسة عشان أجبلك عروسة... وأكمل تمثيل الرواية، فأنا الراوي والممثل الذي سيفقد الجمهور... أين رحلتم هكذا، الرواية لم تنته بعد؟ هل ستأتون لأكمل القصص والأغاني وأنام بجانبكم...
موتنا ليس عابراً، نتعلّم نبني نرسم نكتب شعراً وقصةً، وتستمر الحياة فينا بملحها وقمحها، تستمر بكم يا ملائكتنا لأنكم أنتم من سيحمل رسالتنا إلى الله وتزينوا السماء، موتكم درس لأجيال تحلم بالغد والحب وسماع درويش وقباني وموسيقى بيتهوفن، لم تولدوا كي تموتوا، بل لترحلوا إلى الله، فانتظرهم يا الله.. لماذا هذه السرعة يا موت، لم يشاهدوا الحياة بعد بحلاوتها ومرارتها، موتنا ليس عابراً... انتظر فلم أطفئ الشمعة الأولى من ربيعه الأول... اسمح لي أن أغنيها له قبل رحيله، اسمح لي أن أشعل شمعة واحدة لا أكثر، انتظره حتى يطفئها ثم خذه، فموتنا ليس عابراً، اسمح لي أن أغني له "سنة حلوة يا جميل" وأزرع على خديه القبلة الأخيرة وأحضنه وأتصور صورة معه لكي أجعلها "بوستر" ضمن السيناريو الآتي: الصورة أنا وطفلي وكعكة العيد، النص: ميلاد ملاك.
لن تكون وحدك في السماء، فقبلك هناك ملائكة وبعدك سيرحل العديد من الملائكة بقصص مختلفة، هل ستأتي ليلاً بأحلامي لتخبرني ماذا أرسل لك معهم: إشي زاكي "كندر"، و لعبة "بارني" وملابس "سبايدر مان"، من هناك ستراني أذهب لروضة الأطفال أسأل عنك: لم يأت اليوم ملاكي؟ هل أكل ملاكي؟ هل تريدون حليباً له؟ هل تسمحون لي أن آخذه اليوم؟! أرحل أنا وأنت مجدداً نأكل ونلعب ثم نعود إلى البيت لتساعدني بكتابة هذا النص، تضع خرابيش الطفولة عليها، ترسم السماء والطيور وبيتنا هناك، والآن تجعلني وحدي أدافع عن نص حبره أنت، وحدي أدافع عن موتك بجسدي.. وحدي وحدي.
في صوركم ضاعت الكلمات، في صوركم تنهار الدموع على ذاتنا، لا شيء يكسرنا سوى أنتم، يا الله ارحمنا من هذا العذاب، لنا الحق بأن يكون لنا أطفال... لا شيء يكسرنا سوى رحيلهم عنّا لا شيء يكسرنا لا شيء لا شيء..

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير