مالك وجاسر ومحمد: ثلاثة أشقاء تختطفهم مدافن الأحياء لأنهم أحبوا بلادهم

07.12.2017 11:53 AM

رام الله- وطن: داخل بيتٍ معتقٍ برائحة الشوق، ينام درجٌ خاصٌ بذكرياتٍ سلبت قسراً من قلب أمٍ فلسطينية، أمٍ تخاف أن يمحو الليل الذي يعقب زيارتها لأولادها صورهم التي حفظتها من خلف زجاج الزيارة، صوت ضحكاتهم لون بشرتهم الذي تغير وما تبقى لها من الصور الذي تبقيهم أحياءً في المنزل.

محمد فاتح قادوس (17عاماً) ومالك فاتح قادوس (28عاماً) وجاسر فاتح قادوس (23عاماً) أبناء قرية عراق بورين، الواقعة جنوب غرب مدينة نابلس، ثلاثة أشقاءٍ شبانٍ يافعين، انتزعتهم مدافن الأحياء من بيتهم وعملهم وأحلامهم الكثيرة.

كان عام ال2016 عاماً مختلفاً لوالدة الأشقاء الأسرى الثلاثة، مليئاً بالحكايات، بالأطياف، بالضحك والدموع، يحتمل قلب أم مالك أن يضحك ويبكي ذات الوقت، تملك القدرة على أن تذرف الدموع على قطع روحها الثلاثة ويملكون هم بذكرياتهم أن يزيلوا الدموع عنها من بعيد في ذات اللحظة، فتختلط دموعها بابتسامة، لتعلم أنها تذكرت مشهداً جميلاً.

تروي أم مالك قادوس حكاية ثلاثة أحلامٍ معتقلة فتقول" أخرج رسائلهم كل يوم أقرؤها، أنغمس في تفاصيلها، أسترق أصواتهم من المنزل، وأتحضر دوماً لزيارةٍ قريبة".

صادفت إحدى المرات زيارة أم مالك لأولادها الثلاثة في سجنٍ واحد، لا يزال مشهد نزاعهم على من سيتكلم معها أكثر عبر سماعة السجن ومن خلف زجاج الزيارة أمراً يستطيع أن يستدعي الابتسامة لوجهها الجميل، تضحك أم مالك وتقول" كانوا يتقاتلون أمامي يريد كل واحدٍ منهم أن يمسك بسماعة الهاتف".

حين كانت أم مالك تعود من زيارةٍ لأحد أبنائها كانت تمضي الليل مستيقظة تخشى أن يختطف الصباح مشهد الزيارة، تبقي تلك الصورة لهم وهم يتنازعون على سماعة الهاتف حية لديها حتى يأذن الله بزيارةٍ جديدة وذكرى أخرى.

لا زالت أم مالك تذكر كيف يخفف أطفالها كما دائماً عنها حتى وهم داخل السجون، يخبرونها بقصص الأسرى الآخرين، فيهون شوقها وتخفت حرقة قلبها قليلاً عليهم.

تقول أم مالك" أشتاق لهم الثلاثة، أشتاق لحنانهم وعطفهم وبرهم لي، أشتاق لجلساتنا معاً حين كنا نسهر ليلاً في قريتنا، نتحدث ونتحدث" استطاعت أحكام جاسر ومالك أن تحول بينهم وبين بيوتهم، فجاسر يواجه حكماً بالسجن مدة 25 شهراً، ويواجه شقيقه حكماً بالسجن مدته 28 شهراً".

الاحتلال لم يكتف بالأحكام الفعلية بحق أولاد أم مالك، بل أصدر قرارتٍ تفيد بوجب دفعهم لغراماتٍ مالية أيضاً، فالأسير جاسر أصدرت المحكمة بحقه قراراً بوجوب دفع غرامة مالية بقيمة 3000 شيقل، في حين غرّمت شقيقه مالك بمبلغ 4000 شيقل.

محمد هو الشقيق الثالث الذي لا يزال قلب أمه متعلقاً به، فهو موقوف منذ 22 شهراً، وتحفظ أمه مرات نزوله للمحكمة التي بلغت الثلاثين مرة، ولا تعلم إلى ماذا ستؤول قضيته بعد.

محمد عرض على محكمة سالم العسكرية قبل يومين، وتقرر تأجيل محاكمته حتى مطلع العام الجديد، بتاريخ 16/1/2018، وخلال هذه المدة سيحرم محمد من حقه في التعليم، وهو الطالب الذي كان من المفترض أن يلتحق بصفوف الثانوية العامة.

جاسر أيضأً حرم من حقه في التعليم فهو طالب هندسة يدرس في جامعة النجاح الوطية، في حين شقيقهم الثالث مالك، كان يعمل كمعلمٍ في المدرسة وحرم هو الآخر من حقه في عيش حياة طبيعية.

تبقي أم مالك على ثلاثة أماكن في قلبها عند اقتراب موعد الزيارة، تقسم نفسها لأجزاءٍ ثلاثة، تتحضر لرؤيتهم لإخبارهم بتفاصيل الحياة خارج قضبان الأسر لكن دقات ساعة الزيارة تسبقها كما باقي يالامهات وهي تحاول التأكد من أن صحة أطفالها بخير.

يتواجد الأسيرين محمد وجاسر في سجن مجدو، في حين يتواجد مالك في سجن النقب الصحراوي، وتبذل والدتهم جهداً كبيراً لإدخال السعاة لقلوبهم رغم مشقة الزيارة، تقول"المهم أن أراهم فرحين وأفرح لفرحهم".

تغلق أم مالك على درج الرسائل والصور، تتحضر لزيارة جديدة، وتعد الأيام حتى تنتهي وترى أولادها حاضرين في بيتهم يمارسون حياتهم بشكلٍ طبيعي، لتعود وتتخلص من صور ومشاهد ما خلف الزجاج، ومعابر التفتيش، وقصص أهالي الأسرى، وأحاكمهم التي تهون عليها ولو قليلاً، تعود لتحصل هي أيضاً على حقها في عيش حياةٍ روتينية.

تصميم وتطوير