المرحلة تتطلب تعاوناً مثمراً بين الإسلاميين والقوميين في العالم العربي بقلم: د.حسن عبد الله

17.10.2012 12:33 PM
طالما نظر الاسلاميون والقوميون الى دور بعضهما بعضا بريبة وشك، حيث اخذ التنافس فيما بينهما في الماضي منحى اقرب الى التنافر والتصادم، على اعتبار ان لكل منهما اجنداته وتوجهاته وتحالفاته وبرامجه.
بيد ان التغييرات المتسارعة في الدول العربية، تفرض على الطرفين قراءة معمقة للواقع وتحدياته، انطلاقا من ان الوطن للجميع ولا يخص فئة دون أخرى، وان الافق يتسع للاختلاف والتلاقي على ارضية المصالح المشتركة، وعلى ارضية ان الوطن واحد، وان الجميع يعيش ويتفاعل تحت سقف واحد.
ونقاط الالتقاء كثيرة، اذا ما تعامل الاتجاهان بروح مسؤولية والتزام تجاه المواطن، الذي تعصف به أزمات سياسية واقتصادية ويتوق الى ديموقراطية حقيقية. فالارض هي ارض المصريين جميعا والاقتصاد لا يهم اتجاها تونسيا دون غيره، والحرية هي شعار الفلسطينيين بصرف النظر عن الانتماء، والثقافة لا ترتبط بحزب جزائري دون غيره. والسيكولوجية العربية تشكلت في البيئة ذاتها بالتلاقح مع ثقافات انسانية اخرى. وهوية العرب هي هوية عربية اسلامية انطلقت من القومي ولم تسقط في أي مرحلة من المراحل ثقافة المسيحيين العرب، الذين هم مكون اصيل في التركيبة الاجتماعية الاقتصادية للمجتمعات العربية في سياقها التاريخي الطويل.
لقد اعتقد اليساريون العرب فترة طويلة، ان الدين يمكن تجاوزه ، ليجدوا لاحقا انه يضرب جذوراًعميقة، في تشكيل الوعي العربي، وانه عنصر مهم في تأسيس الأمة، على عكس ما طرح ستالين، ونسخ عنه اليساريون العرب. أما الاسلاميون الواقعيون فقد اقتنعوا اخيرا بأن التغيير والوصول الى الحكم يتطلب فهم واستيعاب العملية الديمقراطية والاحتكام الى الصندوق الانتخابي، وهذا ما حدث بالفعل في تونس ومصر وليبيا وقبل ذلك في فلسطين. وان الديمقراطية تعني القبول بالآخر في اطار تداول الحكم، واحترام رأي المواطن الذي يوصل الى سدة الحكم هذا الاتجاه ويستبعد الاتجاه الآخر وهكذا.
ان الاخوان المسلمين يحاولون الآن في مصر التعامل مع واقع تعددي له ابعاده ودلالاته الثقافية والسياسية والفكرية المختلفة، ونجاح او فشل التجربة من شأنه ان يقدم دروسا مهمة للاسلاميين والقوميين وغيرهم، فالنجاح سوف لا يلغي الآخرين، والاخفاق لا يشطب الاسلاميين وانما سيدفعهم الى قراءة اعمق واستيعاب اكثر للنسيج المجتمعي المصري بافرازاته وتجسيداته.
والاسلاميون يمكنهم الآن دراسة التجارب القومية بخاصة الناصرية، ففيها من الانجازات السياسية والاقتصادية والدولية ما يمكن الاستفادة منه والبناء عليه، لاسيما في العلاقات الدولية، فقد تسنى لعبد الناصر ان يجعل المصريين والعرب يحظون بمكانة محترمة ، وتجربة دول عدم الانحياز احدى الانجازات التي صاغت الساحة الدولية بشكل مختلف.
الاسلاميون في مصر الآن في احسن مراحلهم، والناصريون والقوميون يستعيدون قوتهم، ونقاط الخلاف كثيرة، لكن في المقابل نقاط الالتقاء هي الأخرى كثيرة. فالمطلوب توسيع وتعزيز نقاط الالتقاء وتقليص نقاط الخلاف، بالحوار الهادئ طويل النفس،انطلاقا من ان الجميع في قارب واحد، واذا عصفت الامواج الضاربة بهذا القارب، فإن الغرق سوف لا يستثي احدا، وعندها لا ينفع الندم والتباكي والصراخ واكالة التهم.
ان انفتاح الاسلاميين على الغرب ليس خطيئة، الا اذا كان هذا الانفتاح يقود الى التبعية والاملاء واستلاب الارادة والمواقف. الانفتاح يخدم التلاقح الثقافي والاستفادة من التجارب الناضجة واحترام التعددية واستثمار الانجازات الغربية في البحث العلمي وفي التكنولوجيا والعلوم . فالمسلمون افادوا البشرية وطوروها في مرحلة تاريخية معينة , والغرب استثمروا ما انجزه العلماء العرب، وهذا طبيعي ومفهوم ما دامت البشرية تعيش على كوكب واحد وتربطها مصالح ومصائر.
ان القرن الواحد والعشرين الذي نعيش ونتفاعل مع فضاءاته وتكنولوجيته وعلمه وانجازاته، لا يمكن التعامل معه بمفاتيح القرن العاشر والخامس عشر، فلكل عصر مفاتيحه ولكل مرحلة مفرداتها وقاموسها السياسي والاقتصادي والعلمي، والحقيقة تظل نسبية ما دام الانسان يعمل ويجتهد ويتعلم ويكتشف وينجز.
وبالتوقف في الساحة الفلسطينية فإن حركة فتح هي تاريخياً مزيج بين الاسلامي والقومي والليبرالي، حيث خرجت هذه الحركة مناضلين وكتابا ومفكرين منهم من ظل ملتصقا بالوطني ومنهم من اخذ منحى قوميا، وبعضهم اصبح من منظري الفكر الاسلامي مثل منير شفيق. والجبهة الشعبية لها جذورها القومية وحركة حماس وان كان لها علاقاتها مع حركة الاخوان المسلمين او لنقل انها انطلقت من فكر وتوجهات هذه الحركة، الا انها ولدت على الارض الفلسطينية وفي بيئتها، بمعنى ان اي حزب او حركة فلسطينية ليست نبتا شيطانيا ، وانما هي نبت بيئة عربية اسلامية وتتفاعل مع المنجزات الثقافية والفكرية والعلمية في العالم، وبالتالي فإن القواسم المشتركة كثيرة ابتداء من الوطني، لذلك فإن الاقصاء او التكفير او التخوين ووصف الاخرين بالانغلاق والتحجر، لا يخدم القضايا الوطنية بل يسهم في توسيع هوة الانقسام والتشرذم، وذلك يقدم خدمة لمن يتربصون بأرضنا وشعبنا وقضيته العادلة.
ان اجهاد النفس في البحث عن القواسم المشتركة، هو مضيعة للوقت ،لأنها موجودة ومتأصلة، والتجارب الفلسطينية قديما وحديثاً اكدت وأمام التحديات الجسام ، ان الجهد الفردي مهما كان كبيرا وابداعياً يظل قاصراً عن الاستجابة لطموحات واحلام الفلسطينيين التي تحتاج الى روافع قوية وجماعية متناغمة لكي يتسنى لها حمل مهمات ثقيلة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير