"وتكون .. قبيا" !

16.10.2012 09:34 PM
رام الله - وطن للانباء - يوسف الشايب: مع أنه فقد الكثير منها، إلا أن ذاكرة المسن أحمد مصطفى (أبو نبيل) لا تزال تحفظ شيئاً مما حصل في مجزرة قبيا، وكانت في الرابع عشر من تشرين الثاني للعام 1953، خاصة عندما تلمح عيناه يده اليمنى المصابة بعدة رصاصات .. "تسللوا قبل الفجر وكنت أنا ومصطفى حسان نواطير ع الزيتون .. كتفونا وأطلقوا النار علينا .. هو استشهد، وأنا شردت بس صاوبوني .. وصلت ع البلد، وخبرتهم، منهم من شرد، ومنهم ما قدر يهرب"، مضيفاً إن قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي زرعت ألغاماً عند أسفل عديد المنازل ما أدى إلى انهيارها فوق رؤوس أصحابها.

وتحدث عبد الحافظ سعدي غيظان، رئيس مجلس قروي قبيا، عن جدته صبحة، "الوحيدة الناجية من عائلة عبد المنعم قادوس"، ناقلاً عنها، وهي التي لا تزال تعيش في مدينة الزرقاء في الأردن، أنها كانت وقت المجزرة في السلط، وجاءت في اليوم التالي إلى قبيا، ولم تكن تعلم أن أسرتها المكونة من عشرة أفراد، وضيفهم الوافد من قرية جمّالة، قضوا تحت أنقاض المنزل الذي استهدفته قوات الاحتلال، مشيراً إلى أنه يقطن في ذلك البيت بعد أن أعاد بناءه، وهو ما يرى فيه "نوعاً من الوفاء لدماء الشهداء، وبينهم أجداده".

وأضاف غيظان: فقدت جدتي كل أفراد أسرتها في المجزرة، بمن فيهم شقيقتها وزوجها وأبنائها، بل إن الحيوانات التي كانوا يربونها نفقت في المجزرة ذاتها .. ثلاثة أيام ومن تبقى من أهالي القرية، وأهالي القرى المجاورة، يخرجون الجثامين من تحت أنقاض المجازر .. ما روته لي جدتي أرويه لأبنائي ولجميع أبناء القرية، وبالتالي لا يمكن لأحد أن ينسى المجزرة التي نتناقل ثقل ذكراها عبر الأجيال، خاصة أن أكثر من 60% من أهالي القرية هم دون سن الثامنة عشرة.

وأحيى طلاب مدرسة ذكور قبيا الثانوية، بالتعاون مع مركز القطان للبحث والتطوير التربوي في مؤسسة عبد المحسن القطان، الذكرى التاسعة والخمسين للمجزرة تحت عنوان "وتكون .. قبيا"، في ساحة المدرسة، اليوم، تخللها عديد الفقرات الفنية المستوحاة من المأساة، قبل تتويجها بعرض فيلم يحمل الاسم ذاته، أعده الطلاب أنفسهم، تخللته شهادات حية من مسنين عايشوا المجزرة، وكشف بعد بحث مضن عن أسماء شهداء المجزرة، وعددهم77 شهيداً ما بين نساء وأطفال وشيوخ وشبان، كاشفين عن وثائق تتحدث عن تورط جيش الاحتلال بقيادة أرئيل شارون، آنذاك، وعن سبق إصرار وترصد.

وحول ذلك قال الشاب يوسف حسن جميل (30 عاماً): شباب قبيا، تحولوا في الفترة الأخيرة، وعبر مبادرة "لتكن قبيا"، إلى ماكينة إعلامية، وخرجوا بأعمال رائعة على صعيد البحث والاستقصاء، وهو ما توجوه بفيلم متميز على صعيد ما احتواه من معلومات، وما وثقه من شهادات .. استغربنا كيف توصل طلاب في الصفين التاسع والعاشر من الوصول إلى هكذا معلومات، وهذا من شأنه أن يفشل رهانات الاحتلال بأن "الكبار يموتون والصغار ينسون".

من جانبه قال مالك الريماوي، مدير مسار العلوم الاجتماعية ومشاريع التكون المهني في مؤسسة عبد المحسن القطان: المشروع بني على مبادرة جاءت عبر إبراهيم أجرب، المعلم في مدرسة ذكور قبيا، حيث قرر الطلاب في الصفين التاسع والعاشر بإشرافه إعادة صياغة حكاية مجزرة قبيا، بعد تسع وخمسين عاماً على ارتكاب جيش الاحتلال بقيادة شارون لها، وهو مشروع يندرج في إطار برنامج التكون المهني، فالمعلم وطلابه تحدوا الصعوبات، واكتسبوا من خلاله مهارات تعلمية وحياتية، عبر تجربة نوعية.

أما إبراهيم أجرب، المعلم المبادر لمشروع "وتكون .. قبيا"، فقال: لم تكن مجزرة قبيا تحظى بالاهتمام الكافي على مختلف الأصعدة، كغيرها من المجازر المرتكبة بحق أبناء شعبنا، خاصة أن الكثير من شهداء المجزرة بقوا لفترة طويلة مجهولي الهوية، ومع مرور السنوات، ورحيل غالبية شهود العيان بدأت تتلاشى ذكرى المجزرة من الذاكرة الجمعية الفلسطينية، لذا كانت هذه المبادرة، بالتعاون مع مركز القطان للبحث والتطوير التربوي.

وأضاف: جاءت المبادرة التي تحولت إلى مشروع، لتدارك ما يمكن تداركه، وكان هذا المشروع في إطار التعلم المجتمعي، واشتمل في جزئية من جزئياته على إجراء مقابلات مع من تبقى على قيد الحياة من الشاهدين على المجزرة، إضافة إلى عملية بحث مضنية في مراجع عربية وإسرائيلية وأجنبية، وعبر الإنترنت، حتى تمكنا من جمع جميع أسماء شهداء المجزرة الـ77، كما أعددنا خريطة لقبيا في ذلك الوقت .. شارك عشرات الطلاب في هذا المشروع، وتبلورت جهود الجميع في فيلم لنصف ساعة يحمل عنوان المبادرة "وتكون .. قبيا"، وهي مبادرة تتواصل في أكثر من اتجاه من بينها إقامة نصب تذكاري للشهداء.

وعقب عبد المحسن القطان، رئيس مجلس إدارة المؤسسة التي تحمل اسمه، على إحياء الذكرى 59 لمحزرة قبيا، بالقول: من الأهمية بمكان الحفاظ على الذاكرة، وما حدث في قبيا جزء من ذلك .. علينا أن نتعلم، ونحتاط، ونعمل على تزويد أبناء شعبنا بمقومات الصمود والمناعة، وتأتي الثقافة كوسيلة لحفظ الهوية الوطنية والتراث من الاندثار على رأس هذه المقومات، وهذا ما نسعى إليه جاهدين.
تصميم وتطوير