المفكر فيصل حوراني: يجب عدم المغالاة في الاعتماد على العرب والمسلمين

11.08.2011 02:05 PM

رام الله- وطن للانباء: دعا المفكر الفلسطيني فيصل حوراني إلى دراسة الفكر السياسي الفلسطيني والتعرف على سماته، وتعميم المقاومة الشعبية حتى تكون فاعلة ومؤثرة، وإلى عدم المغالاة في الاعتماد على العرب والمسلمين دون إهمال أهمية ذلك، جاء ذلك خلال لقاء نظمه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية يوم أمس في مقره، بحضور خمسين شخصية غالبيتهم من الشباب.

 وأدار اللقاء هاني المصري مدير عام المركز، الذي رحب بالمشاركين، منوهًا إلى أننا أمام مرحلة توشك على الانتهاء ومرحلة توشك على الولادة، ما يستوجب علينا استخلاص الدروس والعبر من التجارب السابقة لكي ننجح في المرحلة القادمة، مشددًا على أهمية الحوار، وتبادل الآراء والأفكار.

وبدأ حوراني مداخلته بالتمييز بين محطتين أساسيتين مرّ بهما الفكر السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية في القرن العشرين، أولاهما: الرفض الكامل للمشروع الصهيوني، وثانيهما القبول بنتائج هذا المشروع والحاجة إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرض الشعب الفلسطيني وحقوقه. مبينّا أن أهم ما وسم هذا الفكر لسنوات طويلة، التجريبية، والارتباط بمجرى النشاط السياسي العملي، بعيدًا عن التنظير المتأني والتأمل الهادئ. مشيرًا إلى أن حصة الفلسطينيين في حركة التنوير العربية، وحركة الاستقلال العربي كانت أقل وأضعف من مواجهة خطرين معًا، خطر الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني.

"يا كلها يا بلاها"

وخلال توصيفه لمحطة الرفض، التي امتدت من قبل 1948 حتى أواخر الستينيات، ذكر أهم سماتها، وهو الانفصام بين ما قد يبثه الفكر وبين ما يتبعه، وغلبة الشعارات التي لم تعالج الواقع إلا بعدم تقبله.

 واستعرض حوراني سمات تطور الفكر السياسي قبل عام 1948 بعشرة أسس رئيسة مثلت الدعامة له، وهي: أولًا: التعويل على الدور العربي والإسلامي في حماية فلسطين، والمبالغة في تأمل ما لم يحدث. ثانيًا: التناقض بين رفض المشروع الصهيوني والرغبة في توطيد التعاون مع الانتداب دون وعي بدور بريطانيا الخطير في تثبيت دعائم الصهيونية. ثالثًا: استمرار عدم اعتبار بريطانيا العدو الأول في المعادلة أو على الأقل أحد الأعداء. رابعًا: عجز الحركة الوطنية عن إدراك أهمية تمثيلها كافة المواطنين بمن فيهم اليهود. خامسًا: قصور الوعي في عقد التحالفات الهامة في سياق حل القضية الفلسطينية، سواء من ناحية إغفال تحالف ينفعها، أو السعي نحو آخر يضرها. سادسًا: المبالغة في تصوّر حجم الاهتمام العربي أو الإسلامي بفلسطين وشعبها. سابعًا: غلبة روح التهيّب من استخدام العنف وسيلة لتحقيق المطالب الوطنية، وحين أخذ ذلك بعين الاعتبار(عام 1936 الذي اعتبره الثورة الوطنية الكبرى في فلسطين قبل1948) أتى أوانه متأخرًا، بعد أن أرسى الكيان الصهيوني قواعده. ثامنًا: النخبوية  والمدينية في الحركة الوطنية الفلسطينية، التي تغاضت عن الجمهور العريض في الريف، واعتبرته مجرد تابع عليه لتقديم الولاء لقادة الحركة الوطنية لا أكثر. تاسعًا: إهمال أهميّة وجود سلطة وطنية للفلسطينيين تدير شؤون البلاد، أو على الأقل إيجاد نوع من السلطة لمواجهة سلطة "الييشوف". أما عاشرًا وأخيرًا: تغليب التصوّر النهائي لمصير فلسطين على مستلزمات أي وضع مرحلي، ما أدّى إلى مواجهة المستجدّات المرحلية بشكل أحاديّ النظرة (يا كلها يا بلاها).

 

" الحركة تنشأ بقرار وتتلاشى دون قرار"

وأضاف حوراني بأنه لم يبق بعد عام 1948 من الحركة الوطنية إلا الفتات، وظل الفكر السياسي رهنًا بالعروبية بعيدًا عما يميزه فلسطينيًا، ليعلو صوت الدعوة إلى التمايز في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات إثر الانفصال بين سوريا ومصر وانتصار الجزائريين في حربهم ضد الاستعمار الفرنسي دون الاعتماد على الجهود العربية، وبدأت الحركات الفلسطينية الوطنية بالتأطر، بالإضافة إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 التي مرّ ميثاقها بمرحلتين بين القومي والوطني، تبعًا للنقد الذي تلقته من الحركات الناشئة والموجودة آنذاك.

 ويرى حوراني أن هذه المرحلة من الفكر التي استمرت حتى أواخر الستينيات اتسمت بالإمعان في إبراز تميز الدور الفلسطيني، والشطط في تأليه السلاح والاستهانة بالعمل السياسي والجيوش النظامية، وظل الفكر تجريبيًا.

وأضاف: لقد شهدت أوائل السبعينيات؛ إثر الصدامات التي نشبت بين الحركة الوطنية الفلسطينية في لبنان والأردن والحركات المناوئة والنظام السياسي في تلك الدول، توجه الفكر السياسي الفلسطيني نحو العقلانية ونبذ التزمت، ليبدأ التحوّل "الإيجابي" إلى التسوية، الذي اتسم فكر دعاته بالاعتذارية، التي يمارسونها لغاية الآن، مؤكدّا " أنه لا يجب السعي لهدف صحيح والشعور بالإدانة لفعله"، و"السلبي" في رأي منتقديهم، الذين اعتبروا ذلك استسلامًا للعدو وتفريطًا بالحقوق الوطنية؛ ما أنتج خطين فكريين سياسيين: التشبث بالثوابت، والتعاطي مع المستجدات. بالإضافة إلى اندراج خط التسوية ضمن برامج معتمدة كبرنامج النقاط العشر.

ويرى حوراني الظاهرة المتكررة في الفكر الفلسطيني، بأن الحركة تنشأ بقرار وتتلاشى دون قرار، وسمة الاستنكار التي لبست القيادة الفلسطينية، حين تسمح من جهة بتنفيذ نشاطات سياسية أو ثورية، ومن جهة أخرى تنكرها على الملأ، مؤكدًا " لا يمكن الحصول على مكاسب مما لا تتبناه" الشيء الذي تكرر في انتفاضة عام 2000.

وفتح حوراني الباب لتساؤلات ومداخلات الحضور، التي استفسر بعضها عن الأسباب التي أدت إلى التحولات المختلفة في الفكر السياسي الفلسطيني، وعن سبب اتسام هذا الفكر بالتجريبية لفترة طويلة من الزمن، وبعضها الآخر عن أهمية الاعتراف بالدولة الفلسطينية أمام فكرة التحرير، ولم اعتُبِر التوجه نحو التسوية نضجًا؟ بالإضافة إلى أسئلة ومداخلات تتعلق بالربيع العربي والمقاومة الشعبية والنظام السياسي وعلاقة المجتمع أو المجتمعات بنشأة الفكر السياسي، والخيارات المطروحة حاليًا حول شكل الدولة الفلسطينية مستقبلًا، ودور فلسطينيي 1948 بعد عام 1967 إلى الآن في تطور الفكر السياسي، وإمكانية نشوء فكر فلسفي ثوري يناسب تطورات المرحلة، ولماذا لا يتم فتح الطريق أمام الخيارات والبدائل الأخرى، مثل خيار الدولة الديمقراطية الواحدة

وفي إجاباته وتعقيباته على ماسبق، وضحّ حوراني أنّ الفكر ظلّ تجريبيًا لأنه لم ينشأ نتيجة بنية اجتماعية أو اقتصادية أو طبقية، ولم يتفرغ أي من القيادات للتأمل الفكري الفلسفي بعيدًا عن النضال في الحركة الوطنية.

وأشار إلى أن" السلطة" ليست إلا إدارة شؤون سكان محدودة، مُسَيطَر عليها من قبل الاحتلال، ومفهوم الدولة والسلطة جديد على الفلسطينيين، الذين عاشو قبل أعوام النكبة والانتداب تحت سلطات مختلفة، كل مدينة تتبع دولة تتولاها الحكومة العثمانية، أمّا خيار الدولة الديمقراطية الواحدة، فلا يوجد نسبة ملموسة من الفلسطينيين والإسرائيليين مقتنعة تمامًا بهذا الخيار، حسب دراسة إحصائية أشار إليها حوراني.

وحول المقاومة الشعبية قال" لا يكفي الثناء عليها إنما تعميم النموذج الناجح في البلاد" وأنها بغير ذلك ستبقى حبيسة مناطق محدودة، ودور القيادة يتجلّى في تعميمها. أمّا التوجه نحو التسوية فهو تطوّر إيجابي في القضية الفلسطينية لا يحتاج إلى تبرير؛ لذا على القيادات التوقف عن متلازمة الاعتذار التي ترافقها في كل خطوة.

ووصف سياق التطور في الثورات العربية بأنه "تطورٌ ملتبس"، وشأن الفلسطينيين أن يقفوا إلى صف ما يمكن أن ينتج ثماره، فالصراع حاليًا مفتوح على احتمالات كثيرة، ويجب التأنّي؛ كي لا يعود الفكر إلى جذوره بالمبالغة وتضخيم الأمور لتغطية العجز الراهن. وأن الحل الآن، في مرحلة لا تتجدد فيها النخب، ويركد فيها الإبداع "التمسك بما بقي لدينا حتى يأتي التطور الأكبر الإقليمي والعالمي لنستطيع الاستفادة منه حينها".

تصميم وتطوير