"تفاهات" أوسلو ومسؤولية سلام فياض فيما "تهرفون" رشيد شاهين
17.09.2012 12:17 PM
هذا المقال ليس محاولة للدفاع عن السيد سلام فياض - فلديه جيش من الأتباع والموالين والمستفيدين والناطقين القادرين والمطلوب منهم فعل ذلك بالأساس- بقدر ما هو محاولة لقراءة بدون رتوش للواقع المعاش في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فبرغم كل ما يمكن قوله بحق حكومة د.فياض أو تحميل حكومته من مسؤوليات، إلا ان من غير المنطقي عدم توجيه كل هذا الغضب الذي شاهدناه في شوارع وأزقة مدن وبلدات ومخيمات الضفة الغربية، ضد الفاعل الحقيقي، ألا وهو دولة الكيان الاستيطاني التي تسببت ومازالت بكل مأساة الشعب الفلسطيني أينما كان، حيث يجب توجيه أصابع الاتهام واللوم والمقاومة للاحتلال الذي "يمص" وينهب الوطن والمواطن بكل تفاصيل حياته.
وحتى نكون أكثر واقعية ومباشرة، فانه لا بد من التذكير، ان اسما أو عنوانا لهذا الرجل – د.سلام فياض- لم يكن معروفا عندما وقع من وقع تفاهمات أو على الأصح "تفاهات" أوسلو، هذه التفاهات التي جلبت ما جلبت على الشعب الفلسطيني من مصائب سيظل يحصد "ثمارها" لسنوات طويلة قادمة.
ما نسمعه من البعض من تهديدات بالتصعيد ضد فياض وحكومته، لم نسمعه عندما كان قطاع غزة يتعرض لمجزرة على أيدي قادة عصابات الكيان في حرب شهد العالم بذاءتها وما حصل فيها من جرائم. إن ما يجري على الأرض،في الشوارع، وفي الأزقة، برغم محاولات تبريره، كان في جزء كبير منه ليس حركة احتجاجية بقدر ما هو حالة من الفوضى التي لا يمكن قبولها، حيث لا يمكن ان نفهم ما هي العبرة من إغلاق شوارع مدن الضفة الغربية أمام حركة الناس، أو تدمير الممتلكات أو حرق الإطارات، حيث لا سيارة احتلالية تمر في هذه الشوارع التي تجري فيها الأحداث، ولا سيارة لمستوطن يمكن ان تعبر المناطق التي يتم فيها إغلاق الشارع وإعاقة حركة السير.
ما تتم إثارته حول الرجل – فياض- ليس سوى "مماحكات ومناكفات" بات الشارع الفلسطيني بشكل عام يدركها، خاصة وان الجميع يعلم ان فياض ليس هو لب أو أصل المشكلة، وإن كان جزءا من المشكلة.
دعونا نفترض ان سلام فياض ترك موقعه استجابة لما يعتقده البعض انها ضغوط من الشارع او من القوى او لاي سبب كان، ودعونا نفترض انه جاء أي كان من حركة فتح او حماس او الشعبية او أي فصيل آخر، فماذا يمكن لاي من هؤلاء ان يقدم أكثر او أفضل مما قدمه السيد فياض، أليس هنالك سقفا لاي من هؤلاء اسمه اتفاق أوسلو سيء الصيت،أَوَ ليس هناك اتفاق اقتصادي أسوأ صيتا من نتاجات أوسلو اسمه اتفاق باريس، هل يمكن لأي من هؤلاء أن يقفز على ذلك، أم تُرى يملك أيٌ من هؤلاء أدوات سحرية لكي يقفز على تلك الاتفاقات ويحقق أفضل مما تحقق على يدي سلام فياض.
ليس صحيحا ان ما يجري هو فقط بدوافع ذاتية عفوية لا علاقة لها بالفصائل، فلقد خبرنا جيدا انه لو كان هذا - الحراك- الذي يجري عفويا أو تبنته جهات بعينها مثل حركة حماس او غيرها، لشاهدنا ما نعلمه جميعا من قمع بلا هوادة.
انه – حراك- تتبناه جهات معينة مرتبطة بمعنى او بآخر بحركة فتح، التي تسيطر عمليا على السلطة الفلسطينية، هذا الحراك الذي يجري برضا السلطة والجهات "الكارهة" أو المتنافرة والمنافسة لفياض، في اغلب مقاصده إظهار السيد فياض وكأنه المسؤول الأول والأوحد عما يجري من "انهيار اقتصادي" في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي كما نعتقد محاولات بائسة، لتحميل الرجل كل الفشل الذي جلبه اتفاق أوسلو وما أنتجه هذا الاتفاق، وهو اتفاق بات من المعروف ان من تبناه ووقع عليه هم من يتسيدون منظمة التحرير الفلسطينية والتي تتحكم بها وتسيرها حركة فتح وليس السيد فياض.
الانهيار الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية، هو النتيجة الطبيعية لواقع اقتصادي تحت الاحتلال، ومن اعتقد يوما ان بالإمكان الاستقلال الاقتصادي في ظل احتلال استيطاني بغيض، وفي بلد تحكمه اتفاقات الحكم الذاتي "الاوسلوية"، إنما يعيش في حالة من الوهم "والفنتازيا" والخداع والمكابرة. حيث الأراضي الفلسطينية في حالة من التبعية المطلقة للاحتلال وسلطاته، ولا يمكن لها بأي حال ان تعيش بمعزل عن أهداف الاحتلال ومراميه البغيضة. ولن تفيد كل النظريات ولا "التنظيرات" التي نسمعها ممن يدعون انهم "ختموا" العلم الاقتصادي، وانه من الممكن ان تتحسن الأوضاع في الأراضي المحتلة في ظل وجود قوى الاحتلال، وهي سوف تبقى نظريات "وتنظيرات" نظرية لن تسمن ولن تغني من جوع، حيث لا خلاص من هذا الواقع إلا بالخلاص من الاحتلال وهيمنة دولة العدوان على الأرض والإنسان في فلسطين.
ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، هو تعبير عن واقع مرير يختلط فيه الذاتي مع العام، والوطني مع غير الوطني،والمراوغة مع الحقيقة، وهو حالة من البؤس واليأس ناجمة عن انسدادا وفقدان بالأمل في حل قريب او بعيد للوضع الراهن، انه واقع يشير إلى ان المشكل الرئيس والأساس يتجسد بالاحتلال أولا وأخيرا، وكل ما تلا ذلك يبقى تفاصيل يمكن التوصل إلى حلول لها بأبسط او اعقد السبل.
المشكلة يا ساده هي الاحتلال لا أكثر ولا اقل، المطلوب ممن يحاولون تصعيد حركة الاحتجاج ان يعلنوا بوضوح وبلا مواربة أو تدليس، ان لديهم أجندات خاصة بهم، وان يمتلكوا الشجاعة بالقول ان الاحتلال هو السبب، وبحسب ما نعتقد فان محاولات تحميل فياض كل ما يجري إنما هي محاولات لتبرئة دولة الاحتلال من مسؤولياتها وان فياض بريء مما تهرفون.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء