في العلاقات الاسرائيلية الامريكية اليوم: الملاذ الأخير ..خلافات في الموعد والثمن والمضمون
15.09.2012 10:57 AM
ليس صدفة ان تتأزم العلاقات الامريكية الاسرائيلية في هذه الظروف الاقليمية والدولية وعشية الانتخابات الامريكية بالذات. وهنا لا بد من التدقيق في ماهية نقاط الخلاف، ولذلك لا بد من قراءة تفصيلية في النص والمعنى دون إهمال حتى لنبرة الصوت التي يتعمدها نتانياهو وصياغة الموقف "الدبلوماسي" واستخدام المفردات فيه بدقة متناهية.
نعم هناك خلافات اسرائيلية امريكية فيما يخص الملف الايراني، وبمعنى ادق في كيفية التعامل مع المشروع النووي الايراني وضرورة او امكانية القضاء عليه. انه في الحقيقة ملف مركزي في الشرق الاوسط ويشمل تعاملا مع سوريا وحزب الله، ويشكل الحراك الشعبي في الشرق الاوسط على اشكاله، في ايران سابقا وفي الدول العربية لاحقا، عاملا مهما في الحسابات الامريكية والاسرائيلية على حد سواء، مما يجعل الحسابات لا تقبل المسلمات التي تروج لها وسائل الاعلام بهذا الاتجاه او ذلك، فالترويج للمسلمات هو نوع من تصوير الواقع المرغوب اكثر من الواقع الموجود بهدف تحويل الواقع الافتراضي الى واقع حقيقي، وفي حالة أخرى هو شكل من الاستسلام لما يخطط له الغرب ، فيكون الاستسلام اهم العوامل المساعدة لتحويل الواقع المفترض الى حقيقة. وتممثل الخلافات الاسرائيلية الامريكية في ثلاث نقاط رئيسية: في الهدف لشن العدوان، في المخاطر والثمن، في الموعد، اذن، ما هو المخرج او الملاذ؟
يبدو في وسائل الاعلام وكأن الخلاف الاساس هو في موعد شن الحرب على ايران، قبل النتخابات الامريكية او بعدها، وفي تقديري ان الخلاف الاساس يكمن هو في الهدف، ومرده الى ان الولايات المتحدة تتفق مع اسرائيل في ضرورة منع إيران من امتلاك سلاح نووي الامر الذي يحتاج الى حصول ايران على يورانيوم مخصب بنسبة 90% وما فوق، تستورده من الخارج او ان تخصبه بنفسها، ولكنهما لا تتفقان على ضروة شن حرب مدمرة جدا وخطيرة جدا على المستوى الاقليمي والدولي بهدف منع من ايران من امتلاك التكنولوجيا النووية للحاجات السلمية، ومنها تطوير مجالات عديدة من العلوم، دون ان يصل ذلك الى مستوى التسلح النووي، وهذا ما يسمح به العالم والقانون الدولي. يقول نتانياهو: "انا مصرعلى بذل كل جهد لمنع ايران من الاستمرار في مسيرتها للحصول الى سلاح نووي" وهذا يعني انه مصر ان يمنع الصيرورة بدون تعيين أي مرحلة منها، بينما تؤكد امريكا انها تتفق مع اسرائيل لمنع النتيجة، أي السلاح النووي وليس الصيرورة ذاتها، بدون تحديد مراحل محدد في هذه الصيرورة ما قبل انتاج السلاح النووي. هذا الاصرار الاسرائيلي لمنع أي تطور تكنولوجي في الشرق الاوسط قد يهدد يوما ما تفوقها الصناعي التكنولوجي والسياسي هو في صلب السياسة الاستراتيجية لاسرائيل، وهو ما يجعل بيبي نتاياهو غير مرتاح للحلول الامريكية التي قد تقبل بامتلاك ايران للتكنولوجيا النووية شرط الا تصل بها الى سلاح نووي، وهذا امر يمكن ان تقبل به ايران ايضا لو قبلت به امريكا علنا. وكنت في بداية آذار هذه السنة قد اشرت في مقال خاص الى هذا الاختلاف، وهو ما يزال في تقديري محور الازمة.
في الثمن ، ومرده ان الولايات المتحدة تعتقد بأنها ستدفع ثمنا باهضا لهذه الحرب، حتى وان استطاعت ، هي واسرائيل وحلفاؤهما، ان يدمروا غالبية المفاعلات النووية الايرانية، لان الثمن وفق تقدير اوساط امريكية متعددة هو تدمير قواعدها العسكرية وكيانات سياسية حليفة لها في الخليج، وبذلك تكون اسرائيل هي أقل الدول ضررا من هذه الحرب، بل يمكن ان تكون هي الرابح عن حرب دفعت وورطت العالم بها، وتكون امريكا وحليفاتها العربيات اكثر المتضررين من الحرب. ومن هنا حاولت الولايات المتحدة ان تقدم التزاما لايران بعدم المساهمة في العدوان الاسرائيلي عليها مقابل ان تأخذ التزاما من ايران بالا ترد على مواقعها العسكرية والسياسية في الخليج اذا ما شنت اسرائيل عليها حربا، الا ان ايران رفضت ذلك العرض لقناعتها ان اسرائيل لا يمكنها شن حرب على ايران دون مساهمة عسكرية ولوجستية أمريكية، علنية كانت او غير علنية، ولقناعتها ان الخوف الامريكي من دفع الثمن سيجعل الاخيرة تضغط على اسرائيل لمنعها من شن حرب جنونية ومدمرة على منشآتها النووية. اذن، في حسابات الربح والخسارة يفضل اوباما الا يخوض حربا ضد ايران حتى لو اضطر الى السماح بنفوذ نسبي لاقطاب دولية اخرى الى الشرق الاوسط، وفي حسابات الربح والخسارة تفضل اسرائيل شن حرب على ايران وهي اقل الخاسرين مقارنة بامكانية السماح لايران بتطوير تكنولوجيا نووية ولو سلمية، فيقلدها العرب لاحقا وأولهم مصر، لتكف اسرائيل عن كونها الدولة الصناعية العظمى الوحيدة في الشرق الاوسط.
في الموعد ، أي قبل الانتخابات الامريكية او بعدها، ومرده الى عدم ثقة نتانياهو بان اوباما سيفي بوعده غير الرسمي وينفذ الضربة المطلوبة ضد ايران، بعد ان يعود الى البيت الابيض ثانية. ينبع تخوف نتانياهو ايضا من تخوفه ان تكون المرحلة القادمة من حكم اوباما هي مرحلة توازن الرعب في الشرق الاوسط، وهو يعني مرحلة الضغط على اسرائيل لتسوية قضية فلسطين، ومن ادراكه باختلاف الهدف من شن العدوان، ومن هنا يطالب نتانياهو اوباما بموعد او بحدود معينة من صيرورة المشروع النووي الايراني، اذا ما تجاوزتها ايرات تلتزم امريكا بالتحرك العسكري ضدها، وهذه الحدود وفق نتانياهو معناها الا يزيد مستوى تخصيب اليورانيوم الذي تملكه ايران عن 3% وان لا تملك ايران القدرة التكنولوجية على تخصيبه أصلا، بل يأتيها من الخارج، ليكون هذا الخارج هو من يتحكم بالتطور التكنولوجي لايران، وهنا لا بد من التذكير بما كتبه موشيه آرنس غداة انتهاء الحرب العراقية الايرانية عام 1988 في تقييمه للقوة العراقية، وكان آنذاك وزيرا للامن، فقال: "ليس الجيش المدرب والكتائب المقاتلة للجيش العراقي هو ما يخيفنا بل قدرته التكنولوجية واولها ما يملكه من علماء وقدرته على الانتاج الحربي".
اذن ما هو الملاذ وكيف يحفظ اوباما نفسه من هجوم مرتقب لحلفاء نتانياهو في الكونغرس وفي الحزب الجمهوري عشية الانتخابات الامريكية؟. في حسابات الربح والخسارة يبقى الملاذ الاخير لاوباما هو في تسعير الازمة في سوريا فاذا ما نجحت المليشيات المسلحة، المدعومة من الغرب ودول الخليج وتركيا، في ضرب المحور الايراني السوري اللبناني (حزب الله)، تكون امريكا قد حققت النتيجة المرجوة والهدف المشترك مع اسرائيل. وتكون ايران اصبحت عرضة للضغط الدولي تحت تهديد عسكري اكبر قوة وتأثيرا، واذا ما تم القيام بعملية عسكرية واسعة ضد ايران ستكون أقل خطورة وتكلفة، قد يكون هذا هو الملاذ لاوباما والتيار المعارض لنتانياهو من الاسرائيليين، وقد تسمح امريكا لنتانياهو بشن عدوانه على سوريا بدلا من ايران، اذا ما ضمنت امريكا ان أي عدوان على سوريا لن يجر اليه ايران.
في هذه الظروف المعقدة والحساسة، يجب ان نأخذ بالاعتبار ان سياسة استرضاء اسرائيل التي ينتهجها العرب وامريكا بشكل عام لن تزيدها الا تعجرفا واصرارا على الابتزاز، وهذا اقل ما تجنيه اسرائيل عشية الانتخابات الامريكية، وهو اكثر ما يجيده بيبي نتانياهو ايضا. لقد فشلت سياسة استرضاء هتلر عشية الحرب العالمية الثانية ولم تمنعه من شن الحرب على جيرانه، بل هي، واعني سياسة الاسترضاء، التي اشعرته بالقوة التي لا تقاوم في أوروبا. وإذا قيمنا الخلفية الايديولوجية للسياسة الاسرائيلية ومصادرها الفلسفية والمكانة الخاصة لعناصر القوة في نهجها السياسي، نستطيع ان نفهم حقيقة المواقف الاسرائيلية في ظل المتغيرات السياسية الاقليمية والدولية.
اليف صباغ
مدونة حيفا برس
13.9.2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء