حينما يأكلنا رغيف الخبز بدل ان نأكله!! د.حسن عبد الله
13.09.2012 01:02 PM
وليس اصعب على الانسان من ان يعود في القرن الحادي والعشرين الى المشاعية البدائية ، عندما كان الانسان الاول ، يجتهد في الغابات ويعرض نفسه لمخاطر الوحوش والطبيعة ، حتى يتسنى له صيد ارنب يسكت جوعه وصغاره .
الجوع كافر لا يعرف دينًا ولا لوناً ولا عمرًا او جنساً . انه وحش كاسر يفتك بالضعفاء والمهمشين ويحولهم الى اناس يركضون خلف رغيف الخبز ، يكدون ويخاطرون ويغامرون من اجل الحصول عليه.
بيد ان الانسان في المشاعية البدائية لم يكن بحاجة الى تنقل في سيارة، ولم يعرف البنزين والسولار والغاز , ولم تكن له حاجة بالكهرباء او الفواتير او اجرة البيت .
كان ينام في كهف وهبته له الطبيعة ، بلا قروض بنكية او رهن . فهل اصبحت حياتنا في هذا القرن ( قرن الصناعات والتكنولوجيا وانفتاح افق الفضاء) ، اصعب واكثر مأساوية من حياة الانسان الاول؟!
من المسؤول عن ذلك؟
الاحتلال نعم ، وهذا امر بديهي . اتفاقات اوسلو وملحقها اتفاقية باريس نعم ، والسؤال من الذي جعل هذه الاتفاقات بالنسبة الى الفلسطينيين وكانها قدر لا راد له ؟.
اليوم يحملون المسؤولية للحكومة ورئيس الوزراء . اجل انها تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية ، لكن هناك عناصر اخرى يجب ان لا نعفيها من تحمل المسؤولية.
الحكومات السابقة بلا استثناء تتحمل بدورها قسطا مما وصل اليه اقتصادنا من تدهور، فما بني على خطأ يجر مزيدا من الاخطاء.
هل ثمن تضحيات شعب باسره، بشهدائه وجرحاه ومعتقليه يتم مكافأتها باتفاقية تعمق تبعية الفلسطينيين للاحتلال؟
وهل الذين وقعوها اسقطوا الانسان الفلسطيني من اعتبارهم ، وابقو فقط على مصالح الاحتلال، ليحولوا اسواقنا الى مستهلك للمنتوج الاسرائيلي؟
كما ان المنتج الفلسطيني الممسك بحلقات من الاقتصاد يتحمل هو الاخر نصيبا من مسؤولية الازمة ، من خلال عدم تطوير وتحسين نوعية المنتج الوطني ليكون منافسًا، الى جانب استغلال العامل الفلسطيني الذي سدت في وجهه ابواب العمل في المرافق الاسرائيلية ليتم تشغيله باربعين او خمسين شاقلًا فقط.
اننا ايها السادة يا من تمسكون بما تبقى من اقتصاد ، من مخططين رسميين ومستثمرين لسنا في دولة مستقلة ، لنقول اننا احدثنا تنمية بنسبة كذا ، بينما الجوع يعض المواطن.
ان الخروج من الازمة يتطلب اولًا تحميل الاحتلال والمجتمع الدولي مسؤولية جوعنا ، ثم تحميل اولئك المسؤولين الذين رضوا على انفسهم الرضوخ لاجراءات واملاءات الاحتلال الاقتصادية.
وثانيًا، نحن بامس الحاجة الى اعادة تقييم ، ومن ثم بناء سياساتنا الاقتصادية لتتلاءم مع خصوصياتنا الفلسطينية كشعب تحت الاحتلال ، من خلال انشاء المصانع والمعامل والمرافق الانتاجية التي تشغل ابناءنا بدل ان يتكدسون في المقاهي متعطلين عن العمل.
وثالثًا ، استحضار تجربة الانتفاضة الاولى في الاقتصاد ، وتأسيس التعاونيات في الريف المهمش ، ليستفيد منها الفلاحون الفقراء ، وبالتالي المجتمع الفلسطيني.
ورابعًا ، الكف عن السلوك الاقتصادي الاستهلاكي ، بالتثقيف والتعبئة ، والحد من الاستثمار في المرافق الاستهلاكية كالمقاهي والمطاعم والبارات ، واطلاق الاستثمار في الانتاج الذي يرفد الاقتصاد ويقويه.
ففي الانتفاضة الاولى دعا اقتصاديون فلسطينيون الى الانسحاب الى الداخل ، وبناء اقتصاد شعبي جماعي مرن يستجيب لامكاناتنا وطاقاتنا. وهناك كتب اقتصادية صدرت في تلك الفترة للدكتور عادل سمارة وغيره ، فلماذا لم يتم قراءة هذه الكتب والاستفادة منها، بصرف النظر ان اختلف اصحابها او اتفقوا مع السياسات الرسمية.
واخيرا ان كل ماذكرت لا يستقيم اذا بقيت اسواقنا تنتهك من منتوجات المستوطنين، ومن منتوجات الدول الاخرى التي تكب في هذه الاسواق الرديء السيء مما تنتج وتصدر.
كانت الفصائل الفلسطينية في الانتفاضة الاولى لاعبا رئيسا في الاقتصاد والتنمية، فاذا ما تسنى لها اخذ دورها من جديد، فهذا جيد، وان بقيت تجتر ازماتها وشعاراتها المكررة ، فلا بأس من مبادرات شعبية تستند الى خبرات الاقتصاديين المحليين والاكاديميين وذوي الرؤى ، والا فان لا احد خارج اللوم والنقد وتحمل المسؤولية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء