قلقيلية تتفوق على غزة بكثافتها السكانية العالية وأراضيها الزراعية مهددة بفعل المد العمراني

18.02.2017 07:51 AM

رام الله- وطن: موقع محافظة قلقيلية كنقطة التقاء بين المدن الفلسطينية من شمالها وجنوبها وغربها جعل لها مكانتها المرموقة فلسطينيا، منذ العهد القديم اعتبرت قلقيلية من أهم المحطات للقوافل التجارية التي كانت تستظل بشجرها وتأخذ استراحتها قرب ينابيعها المتعددة.

هي سلّة غذاء فلسطين التي انتزعت شيئا فشيئا من الفلسطينيين، لتصبح في معظمها تحت قبضة الاحتلال الاسرائيلي وخلف جداره العنصري.

باتت الأعلى كثافة

12% من المحافظة انتزعها الاحتلال من أراضيها بإقامة جدار الفصل العنصري، الذي عزل ما يزيد عن 20 ألف دونم من أخصب أراضيها كما تشير الاحصائيات.

ولم يقتصر الأمر على الجدار، بل تقلصت مساحة أراضيها ليعيش شبابها ألمين: ألم ارتفاع أسعار الأراضي فيها نظرا لقلة المساحات المتاحة للسكن، وألم التضحية بجزء كبير من الأراضي الزراعية المتبقية وخسارة انتاجها لصالح البناء والعقار تلبية لكثافة سكانية عالية، وهو ما سمي بالزحف العمراني الذي يعرف بالتوسع لصالح المحافظة وضواحيها على حساب الأراضي والمناطق المحيطة بها وإنشاء مدن حضرية ومتطورة بشكل متفجر وغير قابل للسيطرة.

يشير طارق عمير رئيس لجنة بلدية قلقيلية إلى ما تبقى من مساحة الأراضي في المحافظة وهو 9800 دونم زراعي وغير زراعي لـ  55 الف نسمة، منها 4200 دونم المخطط الهيكلي المصادق عليه، وهذه المساحة لا يمكن ان تكفي ل55 الف نسمة، بالتالي لا استجابة للنمو الطبيعي للسكان، هذا ما جعل الكثافة السكانية في مدينة قلقيلية أعلى كثافة سكانية في فلسطين، حتى أعلى من قطاع غزة حسب دراسات أجريت.

وأضاف أن هناك 4200 دونم اضافي ستضم للهيكل التنظيمي، أي انتقل من التصنيف الزراعي الى العمراني، هذا يعني أنه لم يتبقَ من 9800 دونم سوى 1400 دونم زراعي، وهذا موضوع خطير جدا، فالزحف يتم على الاراضي الزراعية المصنفة الاخصب في فلسطين خصوصا أن مقومات الإنتاج الزراعي متوفرة خصوصا المياه، فقلقيلية تقوم على حوض مياه، اي هناك وفرة مائية وهذا مدخل أساسي من مدخلات الزراعة.

يقول المهندس تيسير بصلات من مديرية زراعة قلقيلية أنه ونتيجة الزحف العمراني تجاه الأراضي الزراعية، تضررت المحاصيل الرئيسية في المحافظة من حمضيات وأشجار الجوافا والخضار المروية المكشوفة وما الى ذلك.

وأضاف بصلات أن أثر الزحف العمراني طال الطرق السريعة بتوسيع القرى والمدن من خلال توسيع المخططات التنظيمية باتجاه الطرق السريعة وخصوصا التوسع على جانبي الطريق السريع، ما يجبر السكان والمشاة على اجتياز الطريق السريع لتلبية احتياجاتهم اليومية (مدارس، مستوصفات، وظائف ..الخ)، والتوسع العشوائي المخالف الذي ينتشر بجوار هذه الطرق والتي نتج عنه زيادة كبيرة في حوادث المرور وخاصة الحوادث الخطيرة وحوادث المشاة التي يتعرض لها السكان القاطنين بجوار هذه الطرق، كما خلق بيئة سكنية غير سليمة وغير آمنة (تلوث، ضجيج، قطع التواصل بين السكان)، وتدني مواصفات الطرق السريعة (انخفاض مساحتها، تدني مستوى الامان) وتحول قسم منها الى شوارع مما يؤدي لتدني أداء هذه الطرق والجدوى الاقتصادية للاستثمارات التي انفقت لإنشاء هذه الطرق، إضافة لتكاليف اضافية كبيرة جداً يتحملها الاقتصاد الوطني بغية إنشاء معابر عديدة للمركبات والمشاة لربط التجمعات السكنية المحيطة بالطريق السريع، والتي لم تكن موجودة عند إنشائه.

أسباب الزحف العمراني وأثره

دفعت حاجة الأجيال الشابة لأراضي ومباني سكنية إلى رفع أسعار الأراضي بشكل مذهل يفوق المنطق ويفوق القدرة على الشراء، لذلك اضطرت البلدية – كما يشير عمير- للتفكير بتوسيع المخطط الهيكلي، وهناك طلب مُودع لدى الإسرائيليين على المخطط الهيكلي بهذا الصدد.

ويوضح بصلات أن أهم أسباب الزحف العمراني يتمثل في إنشاء الأبنية والتجمعات السكانية العشوائية في المنطقة، وازدياد عدد السكان وحاجتهم إلى بيوت أكثر للسكن، إضافة الى الاستغناء عن الزراعة والاتجاه إلى البناء في الأراضي الزراعية كبناء البيوت، والمحلات، والشقق السكنية سعيا نحو التطور الاجتماعي والبحث عن المأوى، وأيضاً السماح بتفتيت الأراضي الزراعية بطرق عدة منها إعطاء الضوء الأخضر لإقامة أكثر من بناء واحد على قطعة أرض واحدة.

وما زاد الأمور تعقيدا هو توجه سكان المنطقة إلى العمل في الوظائف الحكومية، والمكتبية، أو المهنية، وترك العمل بالزراعة مما أدى إلى إهمال الأراضي الزراعية، واستخدامها للبناء بدلا من الزراعة.

وقال بصلات أنه باستمرار الزحف العمراني بهذا الشكل الكبير فإنه بعد عدة سنوات ستتحول الأراضي جميعها إلى عمران، ويؤدي الزحف العمراني إلى تصحر الأراضي الزراعية، وفقدان الأراضي للعناصر العضوية الضرورية لنمو النبات، ويجعلها غير صالحة للزراعة.

تهديد الانتاج الزراعي

وقال عمير أن الزحف العمراني يعد أخطر ما يهدد الانتاجية الزراعية وفرص العمل للمزارعين، حيث قلّت الأيدي العاملة المساهمة في الزراعة، فمن كان لديه عشر دونمات خلف الجدار، وبسبب تعقيدات اجراءات الاحتلال ومنع الوصول لها بحرية جعل جزءاً من الشباب يتوجه للعمل داخل الخط الاخضر، ومنهم من اضطر للهجرة الداخلية للعمل بوظيفة أو للعمل في التجارة ما قلص عدد العاملين في المجال الزراعي.

من جهته أبدى المزارع أحمد سلمي من مدينة قلقيلية تخوفه من المخطط الجديد ونية توسيع المخطط، ما يمكن أن يسبب مزيداً من الاستنزاف للأراضي الزراعية من قبل منشآت البنى التحتية والمباني السكنية، ما يؤثر على عمله وزملائه.
وقال "اذا كان معي مثلا حيازة لمساحة 50 دونماً مثلا، هذه الأرض عندما تدخل في المخطط التنظيمي سيرتفع إيجارها إذا كانت مستأجرة، والمُلك منها ستذهب للبناء وتباع، ونحن كمزارعين سنخسر هذه الاراضي، وهذا يؤدي لتراجع يصل لنحو 50% في الانتاج، وهذه كارثة بالنسبة لنا كمزارعين."

وعند طمأنته أن المخطط كما أوضحت البلدية لن يمس الأراضي الأكثر خصوبة قال: "المناطق الأكثر خصوبة هي المناطق التي ستتأثر، فقلقيلية من جهة الغرب هي الأراضي الخصبة للزراعة، وهي التي ستذهب للمخطط، ونطالب الآن أن يتجه المخطط لجهة الشرق والمناطق الصخرية والجبلية والأقل خصوبة."

وأضاف: "الهيكل التنظيمي الجديد من الجهة الغربية سيطال أراضي واسعة خصبة، وسيؤثر على حجم المنتجات المصدرة من بندورة وكوسا وباذنجان وبقوليات وأعشاب طبية وجوافة وغيره، ثلثي أراضينا خلف الجدار، وما تبقى منها سيذهب بالمخطط الهيكلي الجديد، وهذا يؤدي لتراجع مكانة قلقيلية والتي كانت السلة الغذائية لفلسطين."

وأوضح عمير من جهته أن التراجع الأساسي جاء بسبب جدار الفصل العنصري، حيث أصبح خلفه آلاف الدونمات، وهو نفسه أنشىء على 400 دونم ومن أمامه 500 متر يحظر الزراعة فيها او اقتراب المواطن منها، بالتالي هذه المساحة أثرت بشكل كبير.
مضيفاً أن شروط الدخول لمناطق معينة من قبل الاحتلال والتحكم بعدد المسموح لهم والآلات المستخدمة وغيره من التعقيدات ساهم في تقليص الانتاجية في مناطق معينة، وفي مناطق أخرى فيها حرية حركة نسبية، انخفض الإنتاج فيها بسبب الزحف العمراني، لكن تحسن الإنتاج في أحيان أخرى عبر التوجه لزراعة أصناف جديدة، وباستخدام طرق جديدة في الزراعة ساهم في تكثيف إنتاج هذه المساحات المتبقية.

وقال أن التغير في الأصناف الزراعية جاء استجابةً لحاجة السوق لتحقيق المنفعة، حيث حقق التقدم في زراعة اصناف جديدة، ما عوّض بعض التراجع في الإنتاج الزراعي.

وسائل الحد من الزحف العمراني

أما وسائل الحد من الزحف العمراني حسب رؤية بصلات فتكمن في وضع سياسات تتعلق بإدارة واستخدام الأراضي داخل المدن وما حولها، وتأخذ بعين الاعتبار امتداد ونمو التجمعات السكنية ووضع قوانين تنظم حدود المدن، إضافة لإنشاء مؤسسات متخصصة بالتنظيم العمراني داخل المدينة تتولى الضبط والسيطرة على التنظيم وامتداد العمران، والحد من الامتداد الأفقي للعمران على حساب الأراضي الزراعية عن طريق التوسع بالامتداد العمودي للمباني السكنية، يتزامن ذلك مع التخطيط الجيد لمواقع المنشآت الصناعية بحيث لا تقام على حساب الأراضي الصالحة للزراعة، وتوجيه التوسع الحضري المستقبلي إلى مناطق غير منتجة، وكذلك تحسين مراقبة ومكافحة التلوث.

أما دور البلديات في الحد من الزحف العمراني كما يوضح بصلات، فيتمثل في توعية المواطنين بمشكلة الزحف العمراني التي تؤدي إلى أضرار على كل من الأراضي الزراعية، والانتاج، وبالتالي على المواطنين. 

كما يتمثل دورها أيضا بالتقليل من إعطاء الرخص للبناء على الأراضي الزراعية، فقد زاد عدد الرخص المعطاة للبناءعلى الأراضي الزراعية في السنوات الاخيرة بشكل كبير، حيث اصبحت المباني تغطي معظم مساحات المناطق الزراعية، وهناك القليل من الأراضي الزراعية المستخدمة في الزراعة، ومن المتوقع إذا بقي الزحف العمراني يزداد بشكل كبير، فإن الأراضي ستتحول بأكملها إلى مبانٍ بعد عدة سنوات.

مقترحات لمكافحة الزحف العمراني

واقترح بصلات بناء البيوت بشكل عمودي، وليس بشكل افقي؛ أي أن البناء يكون مكونا من عدة طوابق بدلا من بناء البيوت بجانب بعضها البعض للتقليل من مساحة الأرض المستخدمة للبناء، وبناء البيوت في الأراضي الوعرة غير الصالحة للزراعة بدلاً من بنائها على الأراضي الزراعية الخصبة، مع التقليل من إعطاء الرخص للبناء على الأراضي الخصبة، وتشجيع العمل بالزراعة وعدم إهمال الاراضي الزراعية وهو ما وعد به عمير.

ويرى عمير أن المعضلة أمام أي مخطط أو مهندس أو مسؤول الآن، هو كيفية الموازنة بين احتياجات السكان الملحة للتوسع الهيكلي بما يستجيب مع حاجة السكان للبناء وتخفيف الكثافة السكانية، وبالتالي الأزمات المرورية والاستجابة لتوفير مكان مناسب لإقامة منطقة صناعية تفتقر لها المحافظة والحاجة لمدارس ومرافق عامة، وبين الحاجة للحفاظ على الأراضي الزراعية.
وقال عمير أن البلدية فكرت بالتالي:

أولاً: بالرغم من دخول 4200 دونم للمخطط الهيكلي سيُحرم البناء في الجزء الأكثر خصوبة.

ثانيا: سنشجع الناس ونعدلّ أنظمة البناء الموجودة عبر الزيادة في عدد الطوابق المسموح في بنائها، لأن التوجه العمودي جزء من الحل، حتى لا يكون التوسع الأفقي على حساب الأراضي الزراعية.

ثالثا: تحسين انتاجية وحدة المساحة من الأرض الزراعية، أي إذا ادخلنا الآلات الحديثة والتحسينات الزراعية في البذور والاشتال والكفاءة الزراعية وغيره، فهذا سيجعل الدونم يُضاعف انتاجه، وبالتالي يحتاج ذلك لمضاعفة الجهود للحفاظ على المساحات الزراعية، لكن لا يمكن الغاء المخطط الهيكلي، لأنه من حق البشر السكن اللائق ولن تمنع البلدية ذلك.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير