عن التطبيع والسفارة وأصدقائها..بقلم: فؤاد أبو حجلة
الضرورات تبيح المحظورات.. هذا هو التفسير الوحيد لوجود سفارة لإسرائيل في عمّان، مع الاستدراك طبعا بأن هذه الضرورات تعني الحكومة وحدها وتتكئ على مبررات سياسية، ولا علاقة لها بالناس من قريب أو بعيد، باستثناء الذين يشذون عن قاعدة الإجماع الوطني ويختارون العلاقة المشبوهة مع العدو.
إسرائيل عدو، ولا يمكن أن تكون غير ذلك، ليس لأنها احتلت فلسطين فقط، ولكن لأنها تجاهر أيضا بأطماعها في الأردن وفي الجغرافيا العربية كلها، ومن لا يصدق يستطيع الرجوع إلى تصريحات آرييل شارون وإسحاق رابين ووزير الخارجية الحالي أفيغدور ليبرمان. وما يخطط له قادة الدولة الصهيونية أخطر كثيرا مما يعلنون عنه.
قد يختلف الأردنيون على أشياء كثيرة، لكنهم يتوحدون في كراهيتهم لإسرائيل، ويعبرون عن هذا الشعور الجمعي كلما توجب إعلان الموقف الشعبي من هذا الكيان الغاصب. ويتوحد الأردنيون أيضا في احترامهم للدولة الأردنية وقرارها السيادي، فيقبلون بوجود معاهدة سلام لا تلزم المواطن الأردني بهذا "السلام".
الدولة أيضا تحترم مواطنيها فلا تملي عليهم توجها أو مسار حياة يسيء إلى كرامتهم أو يخدش قناعاتهم الوطنية والقومية، ولا تدعو أحدا أو تلزم جهة بالعلاقة أو العمل أو الصداقة مع إسرائيل أو مع سفارتها المعزولة في الرابية.
أمام هذا الواقع يبدو التطبيع فضيحة اختيارية، ويبدو المطبعون، أفرادا أو جهات أو شركات، مفضوحين بمحض إرادتهم، ومنبوذين بإرادة المجتمع، لكنهم ليسوا ضحايا بأي حال، فالذي اختار أن يكسب الإسرائيليين ويخسر الأردنيين عليه أن يتحمل تبعات هذا الخيار، والذي يقبل أن يعمل في (أو مع) سفارة إسرائيل ينبغي ألا يستغرب استنكاف الأردنيين عن تشغيله أو الشغل معه، والذي يقبل دعوة سفير العدو إلى احتفال في ذكرى تأسيس الدولة العبرية، ويشرب نخب اغتصاب فلسطين عليه أن يتقبل ما يواجه من نبذ واحتقار في الشارع الأردني.
المعاهدة قائمة، لكن الصراع لم ينته، وإذا اعتبرت الحكومة، لأسباب ودواع سياسية ودبلوماسية أن الصراع انتهى، فإن الشارع الأردني لا يخضع لهذه الاعتبارات ولا يقتنع بنهاية الصراع مع كيان تؤكد حكومته كل يوم أطماعها في الأردن وعداءها لكل العرب، ويعبر مواطنوه كل يوم عن عنصرية مقيتة في رؤيتهم للآخر، وللعربي تحديدا.
رغم ذلك، لا بد من أن نعترف بأن لإسرائيل أصدقاء في الأردن. من هؤلاء تجار وصحفيون وكتاب، ومنهم أيضا سماسرة تصاريح دخول وزيارة، وأشخاص يعتبرون العلاقة مع سفارة إسرائيل في عمان جسرا يوصل إلى أميركا وأوروبا. وباستثناء قلة قليلة من هؤلاء المطبعين تجاهر بموقفها المستفز وتفخر بفضيحتها، فإن المطبعين يحاولون إخفاء تورطهم في هذه العلاقة الحرام، ويتعاملون مع خطواتهم التطبيعية بحذر شديد يحرص عليه مقترفو الخطيئة. لكن حذرهم لا يحجب الفضيحة، وهم مصنفون في قوائم عار لم تنشر بعد احتراما للقانون.
يكاد لا يمر أسبوع بدون فضيحة جديدة في سياق التطبيع، وقد قرأنا عن حالتين في الأسبوع الماضي وهما قصة الموظفة الأردنية في السفارة والتي تعرضت للحجز والإهانة في مبنى السفارة، وشركة التأمين التي اضطرت إلى إلغاء عقود تأمين سيارات السفارة.
لا أتعاطف مع المواطنة التي اختارت أصلا أن تعمل في سفارة العدو، ولا مع شركة التأمين التي ألغت عقودا كان يجب ألا توقع أصلا. لكن القصتين تؤكدان أن التطبيع مثل الكذب تماما حبله قصير ولا بد وأن ينكشف.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء