اعتذار.. هنا كانت بيت نتيف.. البلدة التي لم ينجحوا في طمسها
وطن- إبراهيم عنقاوي: لم يبق من بلدة بيت نتيف المهجرة الواقع جنوب غرب القدس المحتلة سوى بضع حجارة من بقايا منازة مدمرة وبقايا محراب المسجد ومكان المدرسة الذي تعرّف عليه أحد كبار السن الأحياء القليلون الذين لايزالون يشهدون على آلام المجازر والتهجير.
يوم الجمعة الماضية توجه إريك آدر الدبلوماسي الهولندي السابق، برفقة عدد من المتضامنين الإسرائيليين والأجانب وأبناء البلدة بينهم الحاج أبو علي خميس الذي عايش النكبة والتهجير في البلدة.
آريك آدر هو نجل الكاهن الفاضل باستيان يان آدر (Bastiaan Jan Ader) الذي قام خلال الحرب العالمية الثانية بإنقاذ العديد من اليهود، والذين لا يزال البعض منهم على قيد الحياة، ويسكنون في إسرائيل. مع اقتراب نهاية الحرب، تحديدًا في 22 تشرين الثاني 1944، قًتل الكاهن برصاص النظام النازي بسبب نشاطه هذا. عام 1967، ثمن الاسرائيليون واعتبروه ضمن ما اسموه مجموعة "الصالحين من أمم العالم". في إطار الاعتراف به كأحد الصالحين في عام 1967، قام الصندوق القومي اليهودي بشراء وغرس غابة تحتوي على 1100 شجرة على اسم الكاهن آدر. تمت دعوة زوجة الكاهن يوهانا أدريانا (Johanna Adriana Ader-Appels) وأبنائه لحفل تدشين الغابة على اسم آدر. وقد غُرست الأشجار على أراضي وانقاض بلدة بيت نتيف المجاورة لبيت شيمش.
آريك يعتذر
قَدِم إريك قبل 10 سنوات إلى المنطقة لرؤية الغابة في بداية زَرعها وأثيرت لديه تساؤلات حول المدرّجات والسلاسل وبقايا المباني الموجودة هناك، تحت الأشجار ومن حولها، فتوجّه إلى الصندوق القومي اليهودي متسائلا عمّا كان قائمًا تحت الغابة التي زُرعت على اسم والده. قيل له أن ليس لديهم علم بما كان في المكان قبلئذٍ. تابع آدر التحقيق في هذه المسألة حتى اكتشف أنّه تحت وبجوار الغابة المسماة على اسم والده، والذي أفنى حياته لإنقاذ الآخرين من الاضطهاد والموت، تقع بلدة بيت نتيف المدمرة والتي شرد اهلها.
بعد ذلك، قرر إريك الوفاء لوالده الذي حارب من أجل الإنسانية، بأن يقدم اعتذارا لأهالي البلدة الذين هُجروا منها بقوة السلاح، وزُج اسم والده على أنقاضها، فطلب من العديد من أهالي البلدة التجمع يوم الجمعة الماضي 18 تشرين الثاني ، ليقدم اعتذاره أمام أحيائها وأمواتها على ما اقترف بحقهم من قتل وتشريد.
احتُلت بلدة بين نتيف في شهر تشرين الأول من العام 1948 وتم تهجير جميع سكّانها الذين اعتاشوا من الزراعة وتربية الحيوانات. احتوت البلدة على مدرسة ابتدائية، مسجد، بضعة مواقع مقدسة ومقبرة. هدمت إسرائيل البلدة بشكل كامل ولا تزال تحول دون عودة سكّانها الذين يعيشون حاليًا كلاجئين، خاصةً في مخيمات اللاجئين في بيت لحم والضفة الغربية. عام 1949، أقيم كيبوتس نتيف هلاميد-هي على أراضي البلدة. كما وأقيم موشاف أفيعيزر، روجليت ونفيه ميخائل على أنقاض البلدة عام 1958.
الدبس قلبه معلق بالبلدة
خضر الدبس أحد أبناء البلدة الذين ولدوا بعد التهجير، لكن قلبه معلق فيها، فهو يحفظ كل أماكنها وتفاصيلها الغائبة عن الأنظار جراء التدمير المتعمد من الاحتلال أو بفعل عوامل الطقس التي غيبت بعضا من معالمها، وقد شارك إريك والوفد بالجولة في البلدة. يقول لوطن، إنه منذ عام 1948 حتى اليوم ألغى الاحتلال وطمس كل معالم البلدة العربية والإسلامية، وما بقي منها شاهد على التطهير العرقي الذي مارسته العصابات ضد أهالي البلدة.
حجارتها شاهد على الطهير العرقي
يضيف الدبس لوطن، "عندما دخلنا البلدة لم نشاهد أيا من بيوتها قائماً ولم نتمكن من التعرف على ملامح المسجد بشكل دقيق، إلا بعد مشاهدة بقايا المحراب المدمر، كذلك المدرسة تعرف عليها أحد كبار السن".
"أما المقبرة فتم التعرف على مكانها من خلال العظام المكشوفة فوق التراب، بعد نبشها من قبل المستوطنين، دون أدنى احترام لحرمة الموتى"، يقول الدبس.
وبعد البحث في تاريخ البلدة، كانت مشتهرة بالعديد من الأشجار المثمرة مثل الزيتون واللوزيات والعنب، لكن عند سؤال الدبس عن وجود هذه الأشجار، أكد انه لم يتبق منها أي شجرة، وإنما أشجار حرجية زرعت بعد الاحتلال وكيبوتسات "مستوطنات زراعية".
خلال مقاومة الاحتلال، قتل المقاومون 35 يهوديا.
إحدى هذه الكيبوتسات "كيبوتس الـ35"، وقد أُقيم بعد التهجير مباشرة، وسُمي بهذا الاسم نسبة إلى 35 عنصر من المجموعات اليهودية المسلحة التي هاجمت البلدة.
ويوضح أن هذه المجموعات أجبرت أهالي البلدة على تركها بالقوة، ولم تسمح لهم بالعودة إليها أو محاولة أخذ أي من ممتلكاتهم، وكانت تقلت كل من حاول التسلل إليها.
كانت البلدة زمن الحكم العثماني تتبع لواء القدس، لكن عندما جاء الانتداب البريطاني تم تحويلها إلى لواء الخليل.
اهاليها حالياً يضاهون عدد سكان مدينة صغيرة
لا توجد إحصائية دقيقة لعدد المهجرين الذين تعود إصولهم إلى بيت نتيف، لكن بالعودة إلى تاريخ البلدة نجد أن عدد سكانها قبل عام 1948 ما بين (2500 -3000) نسمة، مما يشير إلى أنها كانت كبيرة مقارنة بالقرى والبلدات في ذلك الوقت، وهو ما يشير إلى أن المواطنين الذين ينحدرون منها في المهجر والشتات يضاهي سكان مدينة صغيرة حالياً، ليس اقل من خمسين الفا، إضافة إلى ذلك تتراوح مساحتها ما بين (42-45) ألف دونم.
الجمارنة والكفرية، العائلتان الأساسيتان
ويشير الدبس إلى أن الحمولتين المكونتين للبلدة هما (الجمارنة، والكفرية)، وتنقسم كل منها إلى 10 عائلات أخرى على الأقل، حيث كانت تعيش حمولة الجمارنة في الحارة التحتا، والكفرية في الحارة الفوقا.
توزعت عائلات البلدة بشكل أساسي في عدد من مخيمات الضفة الغربية والأردن، وهي: عايدة والدهيشة وشعفاط وإربد، ومعان.
تصوير: فراس الدبس