"صحن سلطة بلدي على رصيف وطن"
رام الله- وطن- رولا حسنين: أصغرهن عمراً، ولا أبالغ إن قلت أكثرهن بسمة، تجلس أم شاكر (48 عاماً) على رصيف حسبة البيرة ، سوق الخضار المركزي في رام الله والبيرة، باغتتُها بزيارة مفاجئة فإذا بها تصنع فطوراً بطعم الأرض، صحن من السَلَطَة مكوناته من ثمار أرضها، بندورة وخيار وبصل والقليل من النعنع فوّاح الرائحة البلدية.
ربما لا أحد يمتلك القدرة على مقاومة صحن السلطة البلدي، ولا يأكل ولو القليل منه، إلا أني آثرتُ ترك فطورها البسيط لها، عله يمدّها بعون يعينها على جلسة الرصيف تحت أشعة الشمس، ويمدها بالطاقة لتبتسم أكثر.
تتشابه أم شاكر كثيراً مع البائعات اللواتي يشاركنها الرصيف، إلا أن ما يميزها عنهنّ ترحيبها وعدم توترها من الكاميرا، بريق عيناها يعكس جمال الأرض التي تزرعها وتجني ثمارها، أم شاكر ،أم لطفلين، أكبرهما يبلغ من العمر 13 عاماً والصغير 8 أعوام، تعيلهما من ثمار أرضها، ليكونوا غداً غارسين الحق في عقول الأجيال المتلاحقة بالعلم وبالصمود على أرضهما المهددة بالمصادرة.
اذا صادروا الارض سأجن
منذ 5 أعوام، تنتقل أم شاكر من بلدتها الساوية جنوب نابلس الى سوق الحسبة ، لتجلس على الرصيف، تبيع ثمارها التي تقطفها من أرضها، "اذا تصادرت الأرض وراحن الغرسات بنجن" بهذه الكلمات تفتح أم شاكر ما يُخفيه قلبها من ألم على أرض مهددة بالمصادرة.
تصف أم شاكر أرضها التي تقابلها مستوطنة "رحاليم"، والأدق وصفاً هو "المستوطنة المقامة على جزء من أرض القرية، في طريقها للامتداد والتوسع للسيطرة على ما تبقى من أراضي المواطنين"، وأحد متطلبات التوسع هو السيطرة على الأراضي الزراعية لأهالي القرية، وهذا ما تشكوه أم شاكر.
ادخل ارضي بتصريح لساعات، وهي مباحة للمستوطنين
"ما بندخل على أراضينا، إلا بتنسيق مع الاحتلال، وتصريح، بوقف جيب عسكري على شارع المستوطنة لحد مـَ نخلص، وبكون الوقت اللي مسموحلنا نقضيه في أراضينا محدد في التصريح، ما بتعدى 3 أو 4 ساعات، وهذا التصريح بنوخذه 3 أيام كل نص سنة تقريباً، كثير من مواسم الزراعة ما بنقدر نزرع فيها بسبب الاحتلال، المستوطنين بدهم ايانا نبطل ندخل على أرضنا ونملّ، لحتى يسهل عليهم يوخذوها، بس يحلموا يوخذوها".
تقول أم شاكر إن المستوطنين يدخلون أرضها بحرية، بينما هي لا تستطيع ذلك، فأي قلب يستطيع أن يحتمل هذا القهر والظلم، فالثمار التي يتسنى لأم شاكر زراعتها غالباً ما يسرقها المستوطنون، بينما يقطعون شجار الزيتون، فيكون ما تبقى من منتوجه ضئيلا جداً، لا يدرّ عليها بأكثر من صفيحتين "تنكتين" زيت زيتون، فالسرعة في التقاط الثمار لتجنب أي مخالفة لما هو في التصريح يجعل أم شاكر تبكي حسرة على ما تترك خلفها من ثمار يانعة بلون الأرض، وأشجار جذوعها تدلل على تاريخها وأحقية الفلسطيني فيها، ولكن اذا ما أُهملت الأرض وصودرت سيأتي اليوم الذي تبكي فيه اشجار الزيتون على غارسها.
الزعتر البلدي والرمان والفلفل وورق العنب المُخزن، هذا ما تجلس أم شاكر لتبيعه هذه الأيام، كله من صنع أياديها وانتاج أرضها، "السوق أيام منيح وأيام البيع فيه بسيط" هذا حال أم شاكر ومن يشاركنها الرصيف في رام الله.