للتاريخ تعقيباً على منشور للدكتور خضر محجز

06.08.2016 03:17 PM

كتب: معمر رمضان

تعقيباً لما نشره الكاتب الدكتور خضر محجز على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك " والتي يسرد بها يومياته حول تاريخ حقبة من الزمن بعنوان ( كيف غدوت من الاخوان المسلمين ) ومن خلال سرده لسنوات بدأها منذ الستينيات حتى وصوله الى نهاية الثمانينيات وللدقة أكثر حتى وصوله في الشهادة الى تاريخ بداية الانتفاضة الأولى في نهاية عام 1987م  وكل ما يهمني من هذا السرد التاريخي المهم والمميز من كاتب واكاديمي فلسطيني وطني من وجهة نظري لحقبة تاريخية مهمة فيها من الاسرار ما فيها حيث لم تأخذ هذه الحقبة من الزمن حقها من قبل المؤرخين الفلسطينيين وبصفة شخصية أشكر الدكتور خضر محجز على شهادته وسرده لما شهد وشارك في أحداث حول تلك الفترة حيث سيسجل له التاريخ السبق في ذلك .

كل ما يهمني وما سأتحدث عنه هنا في هذا المقال هو فترة بداية الانتفاضة حيث كنت شاهداً على هذه الاحداث , هذا ان لم أكن مشاركاً فيها , حيث أن من ضمن ما سرده الدكتور خضر حول هذه الحقبة ما أثار نقاشأ وجدلاً واسعاً من قبل شتى الفصائل والتنظيمات الفلسطينية على صفحات الفيس بوك التي تسابقت منذ اندلاع الانتفاضة وتتسابق حتى اليوم على الفوز بشرف تفجير الانتفاضة الأولى أو البدء في شرارتها , حيث ذكر الدكتور خضر مقتبساً من احدى منشوراته بأن مسيرة انطلقت من مسجد الخلفاء الراشدين وسط مخيم جباليا في اليوم الثالث للانتفاضة والتي كانت سبباً في تفجير واستمرار الانتفاضة , وذكر هذه الحادثة هو ما أثار حفيظة الجميع ، رغم أنني من معجبي الدكتور خضر ومن متابعينه , الا أنني اشك ان كانت هذه الحادثة قد حدثت في اليوم الثالث للانتفاضة بالذات , وهذا ليس طعناً في مصداقية الدكتور خضر بقدر ما هو تصيحيح لحادثة ورواية ربما التبست على الدكتور بسبب قدم الحادثة , وأنا هنا لست معنياً لتأكيد رواية أحد على آخر , بقدر من أنني معني بالأمانة التاريخية والواجب العلمي والوطني الذي يحتم علي الرد بهذا المقال , وهنا سأروي الأحداث المواتية لبدء الانتفاضة واندلاعها كما كنت شاهداً عليها شخصياً ولا أعلم ان كانت روايتي تتطابق مع سرد الدكتور خضر لهذا التاريخ أو مع أي سرد آخر لأي فلسطيني نال ذلك الشرف , أم لا وللقاريء حق التقدير .

وأنا من رأيي أن من حق أي فلسطيني شهد هذه الواقعة أن يتلو علينا شهادته , لذا أريد ان اسجل شهادتي على هذا اليوم الذي كان لي فيه شرف المشاركة مع كل الاحترام لكل الروايات وانا لست معنياً بأن أؤيد اي رواية على رواية أخرى كما أسلفت سابقاً, لأنني لم أكن محسوباً على احد في تلك الفترة على الاقل فقط كنت شاهداً .

حيث جرت الأحداث كالتالي كما سرد الدكتور خضر محجز عندما اشتعل مخيم جباليا على خبر استشهاد العمال الفلسطينيين أئر الحادث المروع والمتعمد وخاصة عند وصول جنازة الشهداء من جباليا البلد الى مقبرة مخيم جباليا ليلأً بعد وقت العشاء, حيث انتفض المخيم بشبابه ورجاله جملة واحدة حتى أتذكر ان السيارات من نوع ( بيجو- تندر) والفولوكس وجن كانت تحمل المارة من أهالي المخيم مجانا الى المقبرة لتشييع الجنازة , وبعد أن تم تشييع الجنازة تم الهجوم على مركز جيش الاحتلال وسط المخيم بقرار وبمبادرة جماعية من المشيعين وهذا القرار وهذه المبادرة لم تكن محسوبة لفئة معينة ولا حتى لأهالي جباليا البلد بل كانت جماعية , واستمرت المواجهات والاشتباكات حتى الفجر على ما اذكر وفي صباح اليوم الاول للانتفاضة كان التوتر يسود المخيم رغم ذلك توجه طلاب ثانوية مدرسة الفالوجا الى مدرستهم وهناك اشتعلت اشتباكات عنيفة على اثرها تم حصار مدرسة الفالوحا وأنا كنت احد طلاب مدرسة الزراعة الثانوية في بيت حانون حيث قمنا بتظاهرة كبيرة عمت شوارع بيت حانون وعندما علمنا بحصار مدرسة الفالوجا قررنا استئجار باص كبير وجمعنا كل المتظاهرين وأغلبهم من سكان مخيم جباليا متجهين الى مدرسة الفالوجا بهدف فك الحصار عن طلابها , ونحن في الطريق وقبل وصول الباص الى منطقة الفالوجا من جهة الشارع العام المؤدي الى قرية بيت لاهيا تم ايقاف الباص من قبل حاجز للجيش المحاصر لمنطقة الفالوجا ومن ثم تم ارجاعنا حيث نزلنا من الباص وغادر بعضنا الى بيوتهم والبعض الاخر صمم على الاشتباك بهدف فك الحصار واستمر الاشتباك مع الجنود المتواجدون على الحاجز الاسرائيلي لبعض الوقت ومن ثم تم تفريق المظاهرة حيث اتجهنا الى منطقة بركة ابو راشد والتي سميت بساحة الشهداء وكانت هناك اشتباكات عنيفة وقوية من جميع وكلا الاتجاهات الاربعة لساحة الشهداء وكانت أعنفها من اتجاهين الاتجاه الاول الغربي من الشارع المؤدي الى دوار الشهداء أو حي القطاطوة والاتجاه الثاني الشرقي الشارع المؤدي الى شارع الهوجة وبلوك اليافاوية وكان الجيب العسكري للجيش محاصر في المنطقة المقابلة لمسجد أنور عزيز الان وأمام بيت عائلة البرعي والرواية المعروفة والمتفق عليها وهي قيام  الجنود بالهرب الى احدى المنازل حيث تم محاصرتهم هناك , حينها حاول الشبان الاستحواذ على الجيب العسكري وكان اول من وصل الى الجيب الشهيد حاتم السيسي عندها أطلقت عليه رصاصة في صدره , ولم يعرف في حينها انه استشهد وكانت الاصابات تتوالى بالعشرات تتجه الى مشفى الشفاء حتى تم تفريق الشبان من كثرة الاصابات وبتعزيزات من الجنود القريبين والقادمين من مركز الجيش القريب من ساحة الشهداء, وتم فك الحصار عن الدورية وعندها هدأت حدة المواجهات وما لبثت الى ان عاودت المناوشات مع الجنود من الجهة الشمالية لساحة الشهداء الشارع المؤدي الى مركز الجيش بلوك البرابرة وبعد ساعات تقريبا من اصابة حاتم جاء خبر استشهاده وكانت الامور قد هدأت تقريبا والشوارع خالية من الناس لربما أعياهم وأرهقهم التعب من كثرة المناوشات مع جنود الاحتلال حينها قررنا نحن وبضع شبان التوجه الى مسجد العودة واستولينا على نعش فارغ خفية وتم تهريبه من جهة السوق حتى نبتعد عن مركز الجيش المحاذي للمسجد وتم تغطية النعش الوهمي وقمنا بمسيرة بدأت في البداية بعشرات وطفنا شوارع المخيم من بيت حاتم السيسي في شارع الهوجة ومرورا من بلوك اليافاوية الى بركة ابو راشد الى حي القطاطوة الى الفالوجا وبعد ساعة تقريبا وجدنا مخيم جباليا بكل اطيافه وبكل شبابه ورجاله واطفاله ونسائه خلف النعش الوهمي ، حتى كاد المشهد ان يرعبنا لكثرة روعته ولكثرة التفاف اهالي المخيم ووطنيتهم استهجاناً منهم على جريمة اغتيال حاتم السيسي الذي كنت أعرفه عن قرب , وهو لم يكن مؤطراً و لم يكن تابعاً لأي تنظيم فلسطيني كما شهد الدكتور خضر بالفعل . وبصراحة حضرت وشهدت مسيرات كثر بعدها في مخيم جباليا وخارجه لم أر اطلاقاً لا أروع ولا أعظم ولا أكبر من تلك المسيرة لأنها كانت عفوية وجاءت بتلقائية التفكير دون أي تخطيط من أحد , وبرأيي هذه المسيرة العفوية هي التي صنعت التاريخ وهي من فجرت الانتفاضة الاولى ، وهي الأم التي أرضعت جنينها بعفوية سكان المخيم ووطنيتهم وحبهم لبعضهم البعض ولم تكن هناك خطط ولا أهداف ولا سيناريوهات ولا استراتيجيات ولا تكتيكات ولا ايديولوجيات حتى .

فقط تلقائية وطنية بحتة ولم يصنع هذه المسيرة التي هي نواة الانتفاضة ومفجرتها لا هذا الفصيل ولا ذاك ولم يعلم بها أي قائد من قادته ولم يهندس لها أي مسئول كان , انما صنعها أطفال وطلاب وفتيات ونساء المخيم وبعدها التحق بها عمال المخيم بعد عودتهم من العمل داخل فلسطين المحتلة ووصلنا الى بيت الشهيد حاتم واستغرق ذلك منا ساعات تم خلالها جلب جثمان الشهيد حاتم من مشفى الشفاء وتجمهر ذوي الشهيد حاتم من أهله وسكان حي الهوجة واليافاوية وجيرانهم , أمام منزل أل السيسي والتقت الجنازتان الجنازة الوهمية ذات النعش الفارغ التي طافت المخيم والتي كانت تحشد خلفها الالاف المؤلفة من سكان بلوكات وحارات جميع أطراف وأنحاء مخيم جباليا مع الجنازة الحقيقية لجثمان الشهيد حاتم وهي أمام بيته حيث كانت متجهة نحو المقبرة وانطلقت الحشود الهادرة وبينما هي لم تكاد تبرح بعد نهاية شارع الهوجا وبداية بلوك اليافاوية حتى هدرت جيبات جنود الاحتلال واشتبكت الحشود معها حتى ولت هاربة ولربما هال الجنود منظر وعدد جموع المظاهرة مما استدعى الجنود للهرب وابلاغ قيادتهم عن هول المنظر وشراسة المتظاهرين الغاضبين وبالفعل تم تشييع الجنازة ومن المقبرة اتجهت الحشود الى مركز الجيش وسط المخيم حتى ساعات الليل وتم فرض منع التجوال  ولم يستطع جيش الاحتلال فرض منع التجوال بالقوة الا مع تخييم الظلام ومن هنا بدأت الانتفاضة حيث أخرج جيش الاحتلال عبر مكبرات الصوت في تلك الليلة كل الشبان والرجال من سن 16 سنة وحتى الستين من بلوك ستة وبلوك سبعة وهما يضمان الحارات والسكان الواقعون ما بين شارع الهوجة على امتداد طوله وعرضه . وتم حشدنا أمام مركز الجيش في منتصف الليل وخطب بنا على ما أذكر الحاكم العسكري وهدد بجملته التي ما زلت اتذكرها حتى الآن وهي عندما قال  "" يا أهالي المخيم ليس أمامكم الا خيارين اما ان تتعايشوا مع الاسرائيليين بهدوء وسلام , واما الذهاب الى المقبرة أو المستشفى "" فاختار شعبنا بكل جموعه الذهاب الى المقبرة والى المستشفى لسنوات عديدة هي سنوات الانتفاضة وفي تلك الليلة تم فرز طلاب مدرستي الفالوجا ومدرسة الزراعة بيت حانون الى جهة معينة ما وتم جمع الهويات الشخصية ، ولكن تم تسريحنا بعد منتصف الليل على أن نتوجه في صباح اليوم الثاني للانتفاضة الى مقر الادارة المدنية القديم والذي هو خلف مركز الجيش وكان مازال المخيم قابع تحت حظر التجوال وهنا يكمن الخلاف في الروايات مع ما ذكره الدكتور خضر محجز وهي الرواية القائلة بأن مسيرة انطلقت من مسجد الخلفاء الراشدين وسط مخيم جباليا في اليوم الثالث للانتفاضة أنا شخصياً لا أعلم كيف خرجت المسيرة ؟ والمخيم كان تحت حظر التجوال ومن ثم توجهنا في صباح اليوم الثاني للانتفاضة ونحن تحت حظر التجوال الى مقر الادارة المدنية وسرحونا وقت الظهر تقريبا واستمر منع التجوال على المخيم وفي نفس الوقت كانت الكثير من المخيمات والقرى تشتعل امتداداً لهبة مخيم جباليا وكان أبرزها مخيم بلاطة والدهيشة في الضفة ومخيم الشاطيء والبريج في غزة واستمر حظر التجوال لأيام وعلى ما اذكر ان المسيرة التي ذكرها الدكتور خضر في شهادته , اولاً : لم تكن في اليوم الثالث ولا الرابع للانتفاضة لان مخيم جباليا كان تحت حظر التجوال وصحيح أننا كنا نكسر حظر التجوال , ولكننا لم نستطع أن نحشد تجمع أو مظاهرة كبيرة  وثانياً : المسيرة التي أشار اليها هي كانت في يوم انطلاقة حماس يوم توزيع منشورها الاول يوم  14 / 12 اليوم الذي تتفاخر به باستمرار , اي بعد انتهاء منع التجوال أي بعد ستة أيام من يوم اندلاع الانطلاقة المتفق عليه وثالثاً : المسيرة التي اشار اليها لم تكن جماهيرية وكانت تقتصر على ابناء المجمع الاسلامي وانا اتذكر ذلك اليوم كأنه يحدث الآن أمامي وهذه الشهادة والرواية في هذا المقال الخاص للعلم وللأمانة التاريخية والوطنية والعلمية والله على ما سردت شاهداً وشهيداً .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير