مقاطعة اسرائيل امر عادل ومقاطعة المستوطنات انجع

04.08.2016 05:21 PM

وطن: كتب  دمتري شومسكي

لو افترضنا أن حركة الـ بي.دي.اس تراجعت عن تشكيكها بحق تقرير المصير للقومية اليهودية، وقامت بالوقوف من وراء مبادرة السلام العربية وأعلنت أن هدف المقاطعة الدولية لاسرائيل، التي تؤيدها، هو تقسيم البلاد الى دولتين قوميتين سياديتين حسب حدود 1967. فهل في هذه الحالة يمكن اعتبارها حركة اخلاقية وأن نشاطها هام من اجل الصراع الناجع ضد الاحتلال الاسرائيلي؟.

الاجابة على هذا السؤال، بالنسبة للناحية الاخلاقية، هي بيقين نعم. فمن الواضح أن اسرائيل بجميع مؤسساتها ودافع الضرائب فيها، تتحمل مسؤولية وجود واستمرار مشروع الاحتلال والاستيطان، الامر الذي يناقض بشكل فظ القانون الدولي. على خلفية ذلك، ومثلما في نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، فان فرض المقاطعة العامة على اسرائيل من اجل وضع حد لتآكل حقوق الانسان ومنح الحقوق القومية للشعب الفلسطيني، هو بمثابة تحقيق العدالة الانسانية والقومية، شريطة أن تكون هذه العملية مقرونة بالموافقة على حق اليهود الاسرائيليين في تقرير مصيرهم القومي، تماما مثلما يطالبون في الـ بي.دي.اس من اجل الفلسطينيين.

فيما يتعلق بالعامل الثاني وهو نجاعة المقاطعة، فلا مناص من الاعتراف بأنه ليس فقط المقاطعة لا تساهم في المعركة من اجل حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه، بل بالعكس، فان الضرر الذي تسببه للصراع ضد الاحتلال يفوق الفائدة منها لسببين:
السبب الاول، خلافا لجنوب افريقيا، الذي هو مثل معظم الدول في العصر الحديث، تعتبر اسرائيل في نظر العالم كيانا مؤسساتيا قطريا جغرافيا بالمعنى البيروقراطي والجاف لمفهوم “دولة”. اسرائيل في نظر المجتمع الدولي تعتبر دولة الشعب العرقي اليهودي. صحيح أن هذه النظرة تنبع من الدعاية التي لا تتوقف لاسرائيل، والتي بكل وقاحة تصور نفسها كممثلة يهود الشتات، وضمن ذلك اولئك الذين لا يهتمون بها. ولكن بغض النظر عن جذور هذه الصلة بين “دولة اسرائيل” وبين “الشعب اليهودي” كما تراه دول العالم، فليس من المناسب انكار وجوده ومركزيته.

على خلفية ذلك، فان المطالبة بالمقاطعة العامة لاسرائيل قد تبدو ببساطة في اللاوعي الدولي كهجوم على يهود العالم أينما وجدوا. ومن هنا فان الطريق قصيرة الى حين تصويرها على أنها “لا سامية”، حتى لو لم يكن أي أساس لذلك.

ثانيا، رغم ميل المجتمع الدولي الى الربط بين اسرائيل وبين اليهود خارجها، هي نتاج الاقناع الاسرائيلي – لا يمكن تجاهل حقيقة أنه لدى كثيرين من يهود الشتات، فان حاجة الوعي لاسرائيل تلعب دورا مركزيا في هويتهم اليهودية. يمكن القول إن الاوساط الليبرالية ليهود الغرب بشكل عام، ويهود الولايات المتحدة بشكل خاص، يتحفظون من الاحتلال لأن اسرائيل عزيزة عليهم. وهم سيجدون صعوبة في تأييد الصراع ضد الاحتلال تحت راية المقاطعة المطلقة لاسرائيل. لا يجب أن نتوقع مقاطعة أحد ما لأحد أسس هويته الثقافية والتاريخية.

بدون التجند الواسع ليهود الشتات الذين يحرصون على الصورة الاخلاقية والمستقبل القومي السياسي لاسرائيل، على خلفية استمرار الاتعباد القومي للفلسطينيين، فان الصراع ضد الاحتلال لن يحصل على المغزى المطلوب لنجاحه، والتغيير الداخلي للقومية اليهودية المتنورة التي انحرفت عن الطريق المستقيم. وبالتالي لن تكون هناك ثمار حقيقية.

على خلفية المساهمة السلبية الواضحة لموقف المقاطعة الدولية الشاملة لاسرائيل في جبهة الصراع ضد الاحتلال، يتم طرح سؤال اذا كان من الافضل التنازل كليا عن سلاح المقاطعة. وعن ذلك يمكن الاجابة بـ “لا” كبيرة. طريقة المقاطعة كما هو معروف تم استخدامها دائما على مدى التاريخ اليهودي كوسيلة ناجعة من اجل اصلاح أخطاء المجتمع الداخلية. وفي هذه الاثناء ايضا، على خلفية تراجع اسرائيل الاخلاقي نتيجة سيطرتها المخجلة على مصير ملايين الناس، فمن الافضل العودة والتمسك بهذه الوسيلة، مع التركيز على تلك الظاهرة التي تزعزع منذ عشرات السنين الحدود السياسية والاخلاقية لدولة اسرائيل، ألا وهي مشروع الاحتلال ومشروع الاستيطان.

هل يمكن التمييز بين اسرائيل السيادية كقانون وبين المبادرة الكولونيالية خارج حدودها القومية المعروفة، في الوقت الذي تقوم فيه اسرائيل بتمويل ذلك؟ هل يمكن ومنطقي أن نقرر ما هي المؤسسات والجهات الاسرائيلية التي هي جزء من مشروع الاحتلال ومشروع الاستيطان التي يجب مقاطعتها، ومن هم خارج هذا التصنيف، في الوقت الذي لا يوجد فيه بنك اسرائيلي بدون فروع وراء الخط الاخضر؟.

إن من يتحفظون من المقاطعة الموضعية ضد اسرائيل المحتلة والمستوطِنة يقومون بطرح اسئلة كهذه،  والتي من الواضح أن الاجابة عليها سلبية. لكن الحقيقة هي أن هذه الاسئلة بحاجة الى نقاش جماهيري عميق وجدي لم يسبق له أن تم بصورة منهجية.

الآن، وعلى أعتاب اليوبيل البائس للاحتلال، فان منظمات السلام تقوم باعمال مباركة. وقد حان الوقت للمبادرة الى نقاش كهذا. واذا تمت في أعقاب النقاش بلورة معايير واضحة ومفصلة لتحديد عناوين المقاطعة – “مشروع الاحتلال والاستيطان” مع كل مركباته الاقتصادية والثقافية والمؤسساتية. حينها، بدون شك، فان الصراع من اجل اصلاح اسرائيل القومي، من دولة محتلة الى دولة تحافظ على القانون الدولي، سيرتفع درجة.

هآرتس   4/8/2016

تصميم وتطوير