حكام بلفور.. لم يروا في اسرائيل سوى وطن قومي لشعب واحد

03.08.2016 05:00 PM

وطن كتب الياكيم هعتسني

في القدس، لا تثير الانفعال جملة الكلمات “حكومة جلالتها ترى بعين العطف قيام وطن قومي للشعب اليهودي في بلاد اسرائيل”، لباب تصريح بلفور. أما رام الله بالمقابل فترى فيها جذر مصيبتها الوطنية، “النكبة”، وتطرح الفكرة السخيفة لرفع دعوى دولية ضد بريطانيا على الكتاب الذي كتبه وزير خارجيتها الى رئيس الحركة الصهيونية في انجلترا، روتشيلد، قبل نحو مئة سنة.

لرام الله يوجد في هذه المحكمة شاهد ادعاء مركزي: وزير في الحكومة البريطانية في حينه، ادفين مونتغيو، الذي وقف على رأس المعارضين للتصريح. فكون الرجل يهوديا لا يشكل مشكلة في رام الله، المعتادة على اليهود المناهضين لاسرائيل. فقد رأى مونتغيو في الصهيونية “نبتة سياسية ضارة”، وفي تصريح بلفور “وثيقة لاسامية”، وان “لا يوجد شيء كهذا يسمى شعب يهودي، وأنا ارفض الادعاء بان فلسطين اليوم مرتبطة باليهود”. كما ان الرجل توقع المستقبل ايضا: اليهود سيحصلون على “صلة خاصة بفلسطين مثلما بين الانجليز وانجلترا، أو الفرنسيين وفرنسا”، واضاف بسخرية: “ولعل المواطنة ايضا ستعطى حصريا على أساس المعيار الديني” (لاحقا – “من هو اليهودي”).

ستقولون: مع مثل هؤلاء اليهود، من يحتاج الى الاغيار؟ غير أن هذه بالذات كانت لحظة نجومية من انعدام نادر للوطنية. فرئيس الوزراء، لويد جورج، وبلفور، قالا وهما واعيان لعظمة الفعل: “عودة اليهود الى صهيون هي حدث تاريخي من الدرجة العليا يفترضها أمر الباري”. أما سفير فرنسا في بريطانيا، بول كمبون، فرأى في التصريح “فعل عدل واصلاح مظالم الماضي”. وكذا رئيس الولايات المتحدة، وودرو ولسون، اعطى موافقته ايضا.

وبالتالي سيتعين على رام الله ان تزيد عدد المتهمين، بل وأكثر من ذلك: فتصريح بلفور يتحدث عن “اقامة” الوطن القومي وليس عن “اعادة اقامة”، مثلما كان مكتوبا في الاصل، كون مونتغيو طلب نزع كل صلة تاريخية بين اليهود في عصره وبين بلاد اسرائيل. وهنا ايضا جاء الخلاص، وهذه المرة من عصبة الامم كلها، التي أدرجت الجملة في كتاب الانتداب الذي سلم بلاد اسرائيل للبريطانيين، وتصريح بلفور اقتبس في كلمة بكلمة.

وها هو التعليل للتفضيل التعديلي الذي حظي به الشعب اليهودي في تصريح بلفور، ولا سيما في هذه الجملة – “الا يتم أي شيء من شأنه ان يمس بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في بلاد اسرائيل” – التي لا تعترف الا بـ “شعب” واحد في بلاد اسرائيل، الشعب اليهودي. اما عرب البلاد فيسمون “طائفة”، وبناء على ذلك فقد ضمنت لهم حقوق شخصية – مدنية ودينية فقط. اما الحقوق الوطنية فلم تعطى الا للشعب اليهودي، وبلغتنا: “وطن قومي واحد لشعب واحد”. لماذا؟ لانه في ذاك الزمن لم يكن اخترع بعد “الشعب الفلسطيني”، ولانه في ذات السنة قسم البريطانيون البلاد وخصصوا شرقي القدس للعرب المحليين، ولان الـ 22 دولة التي اقامها العرب لانفسهم كل واحدة منها هي “دولة واحدة لشعب (عربي) واحد”، مثلما وعد تصريح بلفور للشعب اليهودي في بلاده الوحيدة.

دعكم من مونتغيو ورام الله، ولكن ماذا نقول عن القدس، التي في شارع بلفور فيها يسكن رئيس وزراء اسرائيل، وهو صاحب رؤيا دولة ثانية، عربية، في داخل الوطن القومي اليهودي الواحد الذي رآه بلفور؟ كيف نتدبر مع هذا التضارب؟

يديعوت 3/8/2016

تصميم وتطوير