فورين بوليسي: "البحر هو البحر والعرب هم العرب" ونتنياهو هو شامير

19.07.2012 10:43 AM
وكالات تكتب دانيال ليفي مقالا في "فورين بوليسي" سلط فيه الضوء على خطوط التشابه بين رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق، اسحاق شامير ورئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو. واشار الى تأكيد نتنياهو لمقولة شامير "البحر هو نفس البحر والعرب هم نفس العرب: كتبرير لسياسة الرفض الاسرائيلية التي يرمز اليها شامير ويطبقها نتنياهو، مشيرا الى تقاطع الاثنين في عدة امور اهمها رفض تقسيم ما يسمونها بارض اسرائيل.

مؤخراً، مات إسحق شامير، سابع رئيس وزراء لإسرائيل. وفي القريب، سيتجاوز رئيس وزراء إسرائيل الحالي، بنيامين نتنياهو، سلفه شامير كثاني رئيس وزراء من حيث طول مدة خدمته في تاريخ الدولة. ومن النظرة الاولى، نجد أن شامير ونتنياهو يعكسان صورتين متضادتين ومتناقضتين جداً: فقد كان شامير متواضعا ومتسما بالخصوصية، بينما نتنياهو هو الصريح، وصديق أصحاب البلايين الذي يدخن السيجار... "الملك بيبي".

لكن الرجلين ربما يمثلان، باعتبارات الأيديولوجية وتعبيرها السياسي، الروحين الأكثر تقاربا على الإطلاق، واللتين شغلتا أرفع منصب منتخب في إسرائيل. ويشكل أسبوع من التذكر والتعليق ورثاء شامير مدخلا جاء في وقته لفهم سياسات رئيس الوزراء الحالي، والمرحلة التي قطعتها السياسة الإسرائيلية حتى وصولها إلى حقبة من الهيمنة التي لا يتحداها شيء من عدم التسامح، والنزعة القومية القائمة على التركيز الإثني.

عند استلامه منصب رئاسة الوزراء، كان شامير هو زعيم الليكود الثاني فقط (أو حيروت، الحزب السياسي الذي بشر بالليكود) الذي كسر طوق ما يقرب من 30 عاما من القبض على سلطة الدولة من جهة حركة حزب العمل الصهيونية التي أسست البلد. وكان حزب العمل قد طرد من السلطة أول الأمر في العام 1977. ومنذئذ كان إسحق رابين هو زعيم إسرائيل الوحيد الذي لم يتحدر من الليكود، ولم ينته به المطاف مغادرا حزب العمل إلى حزب أقرب إلى يمين الوسط، أو إلى بيت سياسي يستلهم الليكود.

وعليه، وبينما كان لاستعادات ذكرى شامير مؤخراً إحساس بحقبة مرت وتستدعي الحنين، فإن القصة الحقيقية هي مدى الإخلاص الذي تتم به متابعة مسار شامير حالياً.

كرئيس للوزراء، أشرف شامير على الكثير من حرب لبنان والانتفاضة الأولى، ورفض في العام 1987، ما يدعى "اتفاقية لندن" الخاصة بإعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى السيطرة الأردنية، وقام بوقف إطلاق النار الإسرائيلية رداً على إطلاق صواريخ "سكود" خلال حرب الخليج العراقية الأولى، وحضر مؤتمر مدريد للسلام الذي أعقب تلك الحرب. كما كان أيضاً على رأس الموجة الضخمة الأولى من هجرة ما بعد الاتحاد السوفياتي إلى إسرائيل، وحارب من أجل منع قبول المهاجرين في الولايات المتحدة (جاعلا من إسرائيل الخيار الوحيد لهروبهم)، وخالف إدارة جورج اتش. دبليو بوش حول استخدام ضمانات القرض الخاص بتوطين أولئك المهاجرين على طول الخط الأخضر، وواجه امتعاضا متناميا بسبب الفساد في حزب الليكود الحاكم وسوء الادارة الاقتصادية العامة. حتى أنه تغيب عن التصويت الذي جرى في الكنيست لإقرار معاهدة السلام مع مصر.

وكما قال شيمي شالين، الذي غطى أخبار شامير بتوسع خلال فترة رئاسته: "كان إسحق شامير متحمسا حقيقيا -ومخلصا متشددا لرؤياه للشعب اليهودي وأرض إسرائيل الكبرى... وقد أبقى عينه مصوبة على الكرة الوحيدة التي كانت تهمه -المحافظة على أرض إسرائيل الكبرى- واعتبر ما عدا ذلك تفرعات لاحقة".

وذكّر محرر جريدة هآرتس السابق ديفيد لانداو بقراءة: "من أجل أرض إسرائيل، يجوز الكذب"، وقد نحت شامير معياره الخاص للأمانة... كان قد فاوض بلا نهاية حول التفاوض، كما قال، وقصد استمرار مفاوضات السلام إلى ما لا نهاية، بينما مضى قدماً في بناء المستوطنات التي جعلت السلام مستحيلاً... وكان كل يوم يمر دون إحراز تقدم يشكل انتصاراً بالنسبة إليه.

وبالنسبة لشامير، تمت ترجمة عملية سلام مدريد إلى ميدان لشراء الوقت. وكان عدم التورط في حرب العراق طريقا لتفادي الضغط المحتمل فيما يتعلق بالتعويض عن الاراضي الفلسطينية، كما أن جمع يهود الاتحاد السوفياتي السابق شكل جزءاً من إنجاز مهمة صنع الدولة اليهودية، وطريقة لضمان المزايا الديمغرافية وتشجيع إسكان اليهود في إسرائيل الكبرى. وقد لاحظ المحلل البارز في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية بن كاسبيت أن شامير "كان يعتقد أن الهدف واضح وبسيط: حينما لا يحدث أي شيء... كان يعتقد بأن الوقت يعمل لصالحنا".

كان رثاء نتنياهو لشامير، سواء في الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء أو في مراسم تشييع الجنازة، كاشفاً. فقد اعترف نتنياهو، بداية، بأن شامير هو من أعطاه دفعة قوية على السلم السياسي، حين عين "بيبي" في منصب سفير لدى الأمم المتحدة. ويستحضر نتنياهو أن ذلك كان "واحداً من تعييناته العديدة للشباب الذين شجعهم". ولم يتطرق وداعه عند الدفن إلى ذكر وجود الفلسطينيين بالاسم (شيء يتجنب نتنياهو الاقرار به كلما كان ذلك ممكناً على نحو يشبه شامير نفسه)، لكنه قال بالفعل (وموافقاً كما يفترض المرء) عن شامير والأرض: "كان عنيداً وشكاكاً إزاء أي فكرة تشي باختصار حدود أرض الوطن".

وذهبت تعليقات نتنياهو في مجلس الوزراء أبعد من ذلك. فقد استحضر قول شامير: "إن البحر هو نفس البحر، والعرب هم نفس العرب" —في تقرير خطابي يشير إلى أن "نزعة الرفض" العربية غير قابلة للنقض، لكنها أيضاً مرتبطة بالعنصرية. وفي إشارته إلى هذا المقتطف من شامير، علق بيبي قائلاً: "من الممكن أن هذه الملاحظات تسببت في انتقاد قوي، وحتى ازدراء اليوم، ثمة بالتأكيد أناس أكثر بكثير ممن يفهمون أن هذا الرجل شهد وفهم أشياء أساسية وأصيلة، ولم ينحن لا هو ولا الحقيقة للتواؤم مع الشائع في زمنه". ومن الناحية الفعلية، يتبنى نتنياهو "نزعة شاميرية" أسوأ صيتا وإثارة للجدل.

وتمثل مصادقة نتنياهو على كلمة "دولتين" في كلمة له في جامعة بار إيلان في العام 2009، حيث تتناقض مع سياساته وممارساته على أرض الواقع، قبول شامير لصيغة "الأرض مقابل السلام،" كجزء من رسالة الدعوة لمؤتمر مدريد للسلام. كلام بلا معنى.

وقد تعلم نتنياهو دروس التراجع الخطابي التكتيكي والصغير (طالما لا يحيد أي شيء حقيقي عن السكة على أرض الواقع

— ويشكل "وقف بناء المستوطنات" قضية توضح هذه النقطة) مستغلاً حالات الارتباك، من دون السماح باستخدام خطابه لتوليد ضغط فيما يتعلق بالهدف المحوري لإسرائيل الكبرى (العراق لشامير، وإيران لبيبي)، واللعب على عامل الوقت على أمل حدوث التطورات غير المتوقعة (موجة الهجرة السوفياتية لشامير؛ وربما فرص لإعادة تشكيل المنطقة التي خلقتها "الانتفاضات العربية" كما ينظر إليها نتنياهو بشكل مشابه).

ولم يعمل شامير، كما لا يعمل نتنياهو، في فراغ. فأولئك المحيطون بشامير والمتأثرون بسياساته قد استجابوا، سواء كان ذلك في شكل معارضته المحلية، أو في الولايات المتحدة، أو الفلسطينيين أنفسهم. لكن، وبينما يبدو أن نتنياهو تعلم من هذا التاريخ، فإنه يمكن بالكاد قول نفس الشيء عن أولئك اللاعبين الآخرين.

لقد انتهز حزب العمل، الذي كان معارضا في حينه، فرصة جر قدم شامير إلى مباحثات السلام، وعلى وجه الخصوص اختياره وتفضيله موضوع المستوطنات على أهم علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة، من أجل مهاجمة شامير والدعوة لإعادة الأولوية لتخصيص الموارد. وكان هناك شعار شعبي في انتخابات العام 1992، هو: "المال للضواحي الفقيرة لا للمستوطنات". وبالطبع، كسب حزب العمل، بزعامة رابين، ومعه حلفاؤه في ميريتس تلك الانتخابات. لكن الوضع أصبح مختلفاً اليوم فالمعارضة الصهيونية من يسار الوسط أصبحت ظلاً لذاتها السابقة (مع 46 مقعداً عشية انتخابات العام 92 إلى 56 مقعداً بعد التصويت مقارنة مع 11 مقعداً اليوم). لكن العمل (على النقيض من ميريتس) يتفادى راهناً خوض الانتخابات على بطاقة موضوع المستوطنات، أو حتى على بطاقة السياسة الخارجية الطوفانية لنتنياهو.

من جهتها، تغيرت واشنطن أيضاً في التداخل الذي شهده العقدان الماضيان. فقد تخلت إدارة بوش الأولى عن تحدي سياسة شامير للاستيطان ودعمتها بالعمل، مؤثرة على مجرى النقاش في داخل إسرائيل بطريقة محسوبة. ومن جهته، عرف أوباما أيضاً المستوطنات بأنها خط خاطئ، لكنه تراجع عندما قال له نتنياهو: "بو". ومن المؤكد أن الحقائق الراهنة في القدس وواشنطن (وبشكل ملحوظ على الجانب الجمهوري) تعني أن الخيارات المشابهة غير متوفرة لإدارة أوباما. ومع ذلك، فقد فشل فريق أوباما منفرداً في تطوير أي آليات للتأثير على حسابات إسرائيل، أو حتى على النقاش العام هناك.

وأخيراً، القيادة الفلسطينية. ونجد أن ردها على السياسة الإسرائيلية الراهنة المستقاة من منهج شامير هو الأصعب على التخيل. فالزعماء الفلسطينيون، سواء تحت الاحتلال أو في المنفى، قد طوروا تحديات استراتيجية لطريقة شامير في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي.

حينذاك، أطلقوا الانتفاضة الحضرية غير المسلحة في جزئها الأضخم من الانتفاضة الأولى، وتبنوا خطاب الدولتين في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في العام 1988، وانضموا إلى مفاوضات مدريد في العام 1991 كجزء من الوفد الأردني-الفلسطيني. وفي بعض الأوقات، كانت الحكومة الإسرائيلية تفقد الإيقاع دبلوماسياً، حيث راكم الفلسطينيون وسائل ضغط ودعم سياسي.

وفي المقابل، تبدو مبادرات اليوم، مناشدات فاشلة لدى الأمم المتحدة، ومتابعة الاعتراف بالمواقع الأثرية لدى منظمة التربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" التابعة للأمم المتحدة،و منح الأولوية لتمويل السلطة الفلسطينية، تبدو بالمقارنة هامشية وغير ذات صلة أو حتى محتواة. ولكن، ربما يكون الفلسطينيون. مع ذلك، بصدد خوض اللعبة الطويلة، مقتنعين الآن بأن تقسيم الأرض، من شامير إلى نتنياهو، أثبت أنه مبدأ غير قابل للتطبيق.

*زميل رفيع في "ذا نيو أميريكان فاونديشن" وزميل رفيع في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي حول العلاقات الخارجية، والمحرر المشارك في قناة الشرق الأوسط
تصميم وتطوير