شبح النكبة ما زال موجوداً

19.05.2016 03:46 PM

وطنكتب تسفي برئيل

البشرى الجيدة هي أن دولة اسرائيل أصبحت تعترف بالنكبة. فهي تفهم أنه قد حدث شيء للفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في الدولة اثناء حرب التحرير، شيء تراجيدي. صحيح أنه ليس كارثة، لكنه كارثة شديدة. اسرائيل تعترف بالنكبة لأنها تسميها باسمها العربي الصحيح. ولكن يجب التوقف عن الهتافات، لا يوجد تعبير في اللغة العبرية للنكبة أو الانتفاضة أو الهدنة أو التهدئة أو المقاطعة. هذه الكلمات مليئة بالمعاني والأبعاد العاطفية بالنسبة للفلسطينيين، أما بالنسبة لليهود فهي مجرد تعبيرات تقنية.

إن استخدام لغة الأصل واهمال الترجمة أو عدم ايجاد مفهوم مشابه في اللغة العبرية، يهدف الى زيادة الشعور بالتهديد والخوف. فكلمة انتفاضة مهددة أكثر من ردفها العبري النفض، وكلمة التهدئة مؤثرة أكثر من وقف اطلاق النار. إن النكبة تنصب كمينا في الزاوية للهوية الاسرائيلية. ولكن لو أن اسرائيل أرادت بالفعل محو النكبة من الذاكرة الفلسطينية لكانت منعت، وبشكل مطلق، استخدام هذه الكلمة. قبل بضع سنوات قالت لي طالبة عربية لشهادة الدكتوراة إن المرشد الاكاديمي طلب منها حذف كلمة “نكبة” من العناوين في بحثها. ومشكوك فيه أن تسمح السلطات بتسمية شارع باسم النكبة. لكن بشكل عام بقي المصطلح.

إن المقارنة مع الكوارث الطبيعية ليست صحيحة، لأنها تثير عادة نوعا من التضامن والمساندة، واحيانا يتم التجند لمساعدة الناجين. وكارثة اللاجئين السوريين تعتبر أقرب. ولكن كم مرة في السنة الاخيرة أو في السنوات الاخيرة أو العقود الاخيرة تحدث الصحفيون عن واقع اللاجئين الفلسطينيين في الاردن أو في لبنان أو في القرى العربية في اسرائيل؟.

يجب الابتعاد عن النكبة وأحفادها كما نبتعد عن الوباء. ولكن المفارقة هي أنه كلما بذلت جهود أكثر من اجل ابعاد النكبة عن النقاش الجماهيري، كلما كانت حاضرة أكثر.

إن اقتراح قانون “الولاء” لميري ريغف وقانون النكبة من عام 2011 يُبين بشكل واضح أن إحياء ذكرى النكبة يعني العمل ضد أسس الدولة. “إن من يعتبر يوم الاستقلال أو يوم اقامة الدولة هو يوم “حداد” لن يحظى بدعم الحكومة. أو أن تمويله من الحكومة سينخفض”. وكانت نية المشرعين هي فرض عقوبة تبلغ ثلاث سنوات سجن ضد من “يحتفل” بالنكبة. والضجة التي أثارها القانون هدأت منذ زمن، وبفضله لن تُتهم اسرائيل بانكار النكبة، فالقانون نفسه يعترف بوجودها، انه فقط يمنع احياء ذكرها. أي أن الفلسطينيين هم المسؤولون عن النكبة، ونحن مسؤولين عن نسيانها. ويعتقد الاسرائيليون انه بدون احياء الذكرى لن تكون هناك نكبة.

حكومة اسرائيل لا تهتم بازالة الاحداث نفسها من التاريخ. وهي لا تحارب فعليا الذاكرة الفردية والجماعية للعرب. وجهودها منصبة بالاساس على ازالة النكبة من الذاكرة اليهودية، وتقول ان من يتذكر النكبة لا يستطيع ان يكون يهودي. ولا صهيوني ايضا.

اذا كان بناء القومية يعتمد على تجميع احداث ايجابية من التاريخ في الذاكرة الجماعية، فان القومية الاسرائيلية تعتمد على النسيان الجماعي. لان كل قرية عربية دمرت او كل لاجيء فلسطيني، هم وصمة ونقطة سوداء على الثوب القومي النظيف. وهكذا، ففي كل عام عند احياء ذكرى النكبة التي تصادف هذا الاسبوع تُفوت فرصة اخرى من أجل البدء بعملية مصالحة للذاكرة الصهيونية مع ذاتها، والتي قد تؤدي الى مصالحة مع الذاكرة الفلسطينية، لكن يبدو انه ستمر عقود اخرى قبل أن يختفي شبح الذاكرة الجماعية الفلسطينية من قلب شعب لم يسلم بعد بماضيه.

هآرتس 19/5/2016

تصميم وتطوير