إلى أين وصلنا في مشوار التنمية؟

01.04.2016 05:08 PM

كتب ذوقان قيشاوي*

عندما تحدث ميشيل تودارو عن التنمية قال أن هناك ثلاثة مؤشرات أساسية يجب النظر إليها حتى نقول أن هناك تنمية قد حصلت في مجتمع ما، وهو في تفكيره نقد التفكير التقليدي الذي نظر إلى التنمية من جانب  المقارنة في الزيادة بقيمة إجمالي الناتج القومي على مدار السنوات، بل رأى أن النظر إلى التنمية يجب أن يتعدى أيضاً المقارنة في معدل الزيادة في نمو القطاعات الخدماتية والأولية والصناعية، لقد أخذنا ميشيل تودارو إلى مستوى أعلى من ذلك، فكأنه نصحنا إلى النظر إلى ثلاثة قيم رئيسية يمكن من خلالها تحديد اتجاهات التنمية:-
وهذه الثلاث اتجاهات للتنمية تأخذ التوصيف النوعي، ويقع تحتها الكثير من المؤشرات الفرعية، ولكن عند النظر إلى الحالة الفلسطينية، وتحليل الواقع نرى أننا ما زلنا نحتاج إلى الوقت الكثير حتى نحقق مؤشرات تم التحدث عنها في السبعينات، والكثير من الدول قد حققت ما هو أبعد من ذلك حتى يومنا هذا.
1- توفير قوت المعيشة: وهي تعني بالحد الأدنى تلبية الحاجات الضرورية التي تشمل  الطعام والمأوى والصحة والأمن، وهي تتفق مع مستوى قاعدة هرم ماسلو، حيث أنها تعبر عن الاحتياجات الأساسية من أجل استمرار الحياة البشرية، وهذا يحتم على الدولة تطبيق العديد من السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتي تساهم في تقليل معدلات الفقر والعوز وخلق فرص العمل وزيادة الدخل، بحيث يكفل ذلك تلبية الاحتياجات الأساسية.
يبدو أن الواقع الفلسطيني لم يحقق هذه الجزئية بشكل كافي، وتكمن المشكلة الرئيسية في تدني مستوى الدخل مقارنة مع زيادة الأسعار، حيث أن نسبة البطالة تجاوزت ال 25% حسب الإحصائيات الرسمية للعام 2015، وكذلك تبلغ مخصصات برنامج الحماية الاجتماعية للأسر الفقيرة في قطاع غزة والضفة الغربية أكثر من 130 مليون شيكل للدفعة الواحدة كل ثلاثة شهور، حيث تقدم هذه المخصصات إلى ما يقارب ال 114 ألف عائلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتضم هذه العوائل 750 ألف فرد، فالأرقام أعلاه ترصد واقع ليس بالسهل وينذر بالخطر الكبير.
2- الاعتزاز بالذات وتقديرها : وتعني في مضمونها كل ما يتعلق بالكرامة الإنسانية، ولكن كيف لشعب يقع تحت الاحتلال أن يعتز بذاته؟ فتهان كرامته في كل يوم، يشعر بالإذلال في كل لحظة، وكأن هناك منهجية في تدمير كل مقومات الشعور بالقيمة وتقدير النفس الإنسانية. هناك سادية في تعذيب الناس وتفنن في التنغيص على حياتهم، وكأن هذا أصبح شيئاً طبيعياً وما علينا إلا التعايش معه.

لا يمكن الحديث عن مؤشرات وقيم للتنمية بمعزل عن تحليل الواقع والنظر له من كل الجوانب، وكأن أهل فلسطين هم بحاجة إلى مؤشرات خاصة بهم، ترصد واقعهم الفريد وتبني عليه حتى نستطيع المقارنة. هناك تقاعس دولي كبير ساهم في الوصول إلى هذا الواقع، والمؤلم إن درجة التسارع السلبي عالية جداً فمقارنة مع السنوات السابقة من عمر الإحتلال نرى أننا في اسوأ مرحلة من حياة الشعب الفلسطيني ولا يوجد هناك ضمانات لعدم التدهور إلى ما هو أسوأ من ذلك.

3- التحرر من العبودية: وتعني هنا القدرة على ممارسة الاختيارات وبحرية مطلقة، وكأننا نكون أحرار من مؤثرات منظومة الجهل والفقر وقلة الوعي والمعتقدات والعادات والتقاليد الخرافية البالية،  وتعني التحرر من العبودية خلق المساحات والهوامش لتوسيع الخيارات الاقتصادية وأن لا نكون عبيد للاستهلاك هذا بالإضافة إلى التحكم بعناصر الانتاج بما يتفق مع تحقيق منظومة من الأهداف الاجتماعية.
ولكن وبنظرة سريعة على الواقع الفلسطيني، فما زلنا تحت اتفاقيات سياسية كبلت الأيادي، وجعلت منا تابعين وبشكل مطلق لدولة الاحتلال، وأي تعديل أو تغيير على تلك الاتفاقيات سوف يكون ثمنه سياسياً في المستقبل. وما زلنا نعيش في تركيبة اجتماعية حدت من الكثير من الطاقات وعطلت فرص الإنطلاق نحو التغيير، فكأننا بحاجة إلى إعادة تشكيل الخطاب التعليمي في المدارس والمؤسسات الدينية حتى يكون هناك مساحة مواتية لتحقيق التغيير.
بالتأكيد الحالة الفلسطينية لا يمكن مقارنتها مع أي دولة في العالم، لأن الواقع مغاير، فنحن لا نتحكم بشيء على أرض الواقع، ولكن على الأقل نطلب أن تعكس الخطط على مستوى الدولة والقطاع الخاص والأهلي رؤية إستراتيجية لرسم ملامح مستقبل أفضل، وأن نكون في الأعوام القادمة أقرب إلى تحقيق هذه القيم الثلاث بنجاح أفضل، فمشوار التنمية لا يمكن عزله عن وجود الاحتلال الذي شوه هذه الاتجاهات الثلاث، ولكن ليس لنا إلا الأمل لنبقى متعلقين به.

*مختص في بناء القدرات وكفايات التنمية البشرية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير