مُحررون يستذكرون لحظات التعذيب القاسية في سجون الاحتلال
27.06.2012 02:02 PM
ورسم محمود أبو لبادة، ونافز جوابرة، وباسل منصور، ووديع منصور، وعائد جعايصة، وعمر أبو حسن، ورائد جعايصة، وإبراهيم نصار، الأوقات العصبية التي قضوها خلال اعتقالهم قبل سنوات عديدة.
وتجول المحررون في زنازين سجن الفارعة السابق، الذي أطلقوا عليه "المسلخ"؛ لوحشية ما كانوا يتعرضون له من تنكيل وقمع وتعذيب، واستعرضوا شريط ذكريات قاتم لا زال عالقاً في الذاكرة.
وحطت ذاكرة أبو لبادة ( 68 عاماً) إلى الثاني من تشرين ثاني عام 1967، حين اعتقل في مخيم الفارعة هو و11 شاباً وتناوب جنود دورية الاحتلال على التنكيل بهم، وضربهم، والتفنن في القفز عليهم من حافة الدورية.
وقال: المسافة التي تفصل نابلس عن الفارعة لا تحتاج غير ربع ساعة، لكن جنود الاحتلال أمضوا ثلاث ساعات، وهم يضربوننا، ويوجهون إلينا الشتائم، ووضعونا فوق بعضنا البعض ككومة قش. ومن اللحظات التي لا تنسى، كيف أنهم كانوا يعطونا مياه الشرب من تحت باب حديدي، ويطلبون منا أن نضع الكأس الفارغ، ولم يكن ينتهي الأمر دون أن جرح أحدنا من الباب والتزاحم.
يضيف: خلال سنة في سجن نابلس، لم نعرف الاستحمام إلا بعد مضي ثمانية أشهر بمياه باردة، وكان السجانون يجبروننا على وضع الأغطية( البطانيات) فوق بعضها البعض، ونعود لاختيارها مرة أخرى، ويحرموننا من الجلوس عليها، وفي بعض الأحيان يطلب السجان منا في منتصف الليل أن نظل واقفين لساعتين وثلاثة أحياناً.
كان أبو لبادة شاهد عيان لنوع جديد من التعذيب، إذ أخذ واثنين من الأسرى إلى سجن صرفند، وأدخلوا إلى مكان معتم، ولم يكونوا يعرفون ليله من نهاره، وأمامهم حفرة كالقبر، وأوهموا أنهم يُساقون إلى الإعدام، عبر إطلاق رصاص حي، في الزنزانة المجاورة، وإصدار صوت بالعربية يقول: صاحبك أعطاها، انتظر دورك.
يتابع: خلال أيام الجمعة والسبت، كان الجنود يوجهون إلينا الضرب والإهانة بشكل عنيف، ودون حدود، وكنت أتمنى الموت من شدة ما لقيته.
فيما تعيش في يوميات نافز جوابرة( 62 عاما) قصص تعذيب لا تفارقه، حين اعتقل نهاية أيار 1970، وهو يدرس لامتحان الثانوية العامة، منتصف الليل، واقتيد سيراً على الأقدام إلى السجن، وفي اليوم التالي نقل إلى سجن جنين، وأخذ جنود الاحتلال يُغنون ويضحكون بالعربية:( جينا جينا جينا، جبنا العروس وجينا)، وسط الضرب والشتائم.
يقول: أدخلونا إلى زنازين صغيرة، وكنا فوق بعضنا البعض، فالمكان ضيق ونحن سبعة أسرى، أما غرف السجن، فكانت بطول أربعة أمتار مربعة وعرض ثمانية، وزجوا فيها 60 أسيرا، لدرجة أننا لم نستطع مد أرجلنا أو قلب جنبنا، وكنا مثل علب ( السردين).
كان جوابرة شاهد عيان على التنكيل بالأسير المقعد أبو طلعت من بلدة قباطية، عندما انهالوا عليه بالكهرباء، أما هو وأصحابه فتعرضوا للضرب من المجندات والجنود، وحينما كانوا يغادرون الغرف للساحة، يدخل السجانون لخلط كل أمتعتهم ببعضها البعض، أما العلاج لأي مرض فكان الأسبرين وشرب الماء.
وتسكن ذاكرة باسل منصور حكاية قاسية لتعذيب نفسي جماعي وقع يوم 22 آذار 1988، إذا اعتقل و25 شاباً من مخيم الفارعة ، عقب مواجهات عنيفة في ذكرى معركة الكرامة، وأمضوا في الحافلة التي أقلتهم ثلاثة أيام، متنقلين بين الفارعة وجنين وعتليت، فيها أوهمهم الجنود بأنهم يُبعدون إلى لبنان؛ لأنهم من "المخربين".
يقول: رفض المسؤولون عن سجن الفارعة أن ندخل إلى المعتقل؛ لأننا من "المخربين الذين يشكلون خطراً على إسرائيل"، والشيء نفسه حدث في جنين، وخلال التنقل، كنا نتعرض للتنكيل والتعذيب والأذى.
يضيف: لا ننسى كيف أن المجندات كن يتبولن علينا، وأيدينا مقيدة وأعيننا معصوبة، وسط ضرب عنيف، وشتائم، وإهانة تصل إلى التحرش الجنسي، حينما كانت تقترب المجندات من أعضائنا التناسلية، وتسألننا إذا ما أردنا التبول!
يتابع: كانوا يضربون الأطفال منا بعنف، وحينما كنا نبول في وعاء داخل بركس سجن جنين، كانوا يسكبونه علينا، ولم يحرموا الجرحى منا، وكانوا يضغطون بأيدهم على أمكنة إصابتهم. ولا ننسى كيف أن أحد الجنود الذي سمى نفسه لنا( سرطان الدم) يتبول علينا، ويرشنا بمياه المجاري، فيما استخدم جنود آخرون كماشة للضغط على جلودنا.
يسترد وديع منصور حكايات اعتقاله المتكررة الأعوام: 1979، و1988، و1989، وفي أولاها كان في السابعة عشرة، عندما اعتقل في ذكرى يوم الأرض من المدرسة الصناعية بنابلس، حيث كان يدرس.
يقول: كان الجنود يتعاملون معنا كالحيوانات، ولا يوفرون أسلوب ضرب، وتعرية، وشبح، وحرمان من النوم، وتحرش، وتعرية، وضغط نفسي، وإهانة إلا ومارسوه. وعندما يدخل السير الفارعة كان يخضع لفحص طبي شكلي، ثم يتعرض للضرب من صف جنود بالعصي.
لا ينسى منصور قائمة المحققين التي كانت تستخدم، وفي غالبها وهمية كنور، وأبو جبل، ، وأبو علي ميخا، وأبو خنجر، ومرزوق، وجاكي. لكنه يتذكر تجربة سجن عتليت القاسية، وفيها يتعرض الأسير للرش بمادة تعقيم اسمها( دي دي تي)، ويصل الجنود برفقة المجندات، الفتحة الشرجية للمعتقل، الذي يُطلب أن يفتحها!
يقول: وضعوا برادة الحديد لنا في الطعام، وحرمونا من النوم، وكانوا يجبروننا على عدم الاقتراب من البطانيات، عدا عن الضرب، والشتائم.
ويستعرض عائد جعايصة لحظات القهر التي عاشها في عام 1989، ووقتها حرم من الزيارة ثلاث سنوات، ولم ير أهله غير مرة واحدة في بداية الاعتقال.
يقول: الأمر القاسي، هو أن تتعرض لتعذيب جسدي ونفسي، بالضرب والشبح، ووضع الكيس على الرأس، لكنني لا أنسى كيف أنني انقطعت عن أهلي ثلاث سنوات دون أي تواصل، وعلمي بوفاة جدتي عفيفة، التي تربيت في بيتها وعشت معها كل أيامي، من خلال أسير جاء من المخيم، بعد سنتين من رحيلها.
فيما تسكن في ذاكرة عمر أبو حسن، الذي اعتقل في نيسان 1987، لحظات التعذيب النفسي، وفيه يشاهد الأسير أهالي مخيمه، ورفاقه وهو يسيرون على الشارع الرئيس، ويسمع أصوات الأطفال، والأذان، ويشعر بالقهر لأنه محروم من الحرية، ويتعرض للإهانة، والضرب.
يفيد: كان الجنود يجبروننا على ممارسة أشغال شاقة حسب المهن التي نجيدها، إذا عملت مساعد حداد، وسط الحر، والإهانة، وكنا نصنع الحماية للسجن الذي نتعذب فيه!
فيما تأتي رواية رائد جعايصة، الأسير الذي صار موظفاً في المبنى نفسه الذي كان شاهدًا على تعذيبه وقهره. يقول: تصادف أن اعتقلت في 20 كانون أول عام 1987، وفي التاريخ ذاته عام 1991، ويومها كان الثلج يهطل بغزارة علينا، ونحن في ساحة الشبح، وقبلها تنقلت بين الفارعة وعتليت.
من أوراق رائد يمكن الاستماع إلى العديد من أساليب التعذيب التي تعرض لها، وفي مقدمتها الضرب، والتعذيب، والإجبار على التعري بدعوى التفتيش والتعقيم، وإجبار الأسير على تناول الثلج البارد، وهو مقيد، أو سماعه لهو المجندات والجنود بالثلج.
يضيف: كان السجانون يجبروننا على التعري ثلاث ساعات متواصلة وسط البرد، وفي عز المربعانية، فيما تناوبت المجندات مع الجنود على ضربنا المفتوح والمتواصل، وكانوا يتفننون في وضعنا ونحن عراة فوق بعضنا البعض كأكوام القش، ونجبر على تأدية التحية للعلم الإسرائيلي أمام ضابط السجن.
يتابع: في إحدى المرات طلب أحد الأسرى شربة ما، وجاء الجندي وطلب مني أن أسقى من في ساحة الشبح كلهم، وما أن أعطيت أولهم( كان سامع عاصم منصور) الوعاء المعدني ليشرب، إلا واكتشف أن الكاز هو الذي دخل إلى جوفه، فأخذ يصرخ، ويشتم الجنود.
وتقطر رواية إبراهيم نصار قهراً، وهو يروي لحظات اعتقاله في شباط عام 1989، وقتها، دخل السجن سليما من الأمراض، ليخرج منه بعد ستة أشهر، دون قدرة على النطق، بعد أن ضغط أحد المحققين على رقبته فترة طويلة، أفقدت الوعي.
يقول: بعد الضغط على رقبتي، اختفى صوتي، واستمر حالي على ما هو عليه، حتى بعد خروج من السجن. ولا أنسى كيف أن أحد الممرضين حقنني في رجلي بمادة غريبة، لأتوقف عن الحركة، وأصاب بالشلل المؤقت، ولم تعد إلي القدرة على المشي إلا بعد العلاج في الأردن عام 1991.
وقال منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، إن توثيق التجربة الاعتقالية للأسرى، وما فيها من تعذيب، يأتي بالتزامن مع 26 حزيران، اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1984، وصار تقليداً دولياً.
وأضاف: بأن الطريقة الإنسانية لإحياء هذا اليوم، والتضامن الأمثل مع ضحايا التعذيب في العالم كله، لا تتم بإصدار بيانات، أو تنظيم احتفالات، وإنما بتوثيق ما تعرض له شعبنا، وبإدانة الاحتلال ومقاضاته على جرائمه، وممارساته وسياساته وقوانينه التي تشرعن التعذيب، وتنكل بالأسرى، في مخالفة لكل القوانين والمواثيق.