وقود الثورات ..بقلم: اوري مسغاف/ يدعوت

03.08.2011 02:25 PM

منذ اللحظة التي طالت فيها الخيام الاولى في جادة روتشيلد حاولوا في بلاط رئيس الحكومة التي تشتمل على مقربين ومتحدثين وصحفيين ومعلقي انترنت مأجورين، أن يضعضعوا هوية الجالسين فيها. وهذا تكتيك عمره كعمر الثقافة الديمقراطية. وقد زعموا انهم قلة قليلة وأنهم مدللون وهاذون ويساريون متطرفون ومرتزقة مأجورون. وحينما تبين ان جميع هذه التهم داحضة وانهارت واحدة بعد اخرى، اصيبوا في بلاطه بالذعر. وبعد بضعة أيام من صدمة المعركة، وكانت ذروتها المظاهرات الجماعية المدهشة مع خروج السبت، صحوا هناك سريعا وانتقلوا الى المرحلة التالية، فهم ما عادوا يستخفون بقوة الاحتجاج أو سعتهم بل يحاولون أن يضعفوه بحيل مختصة.

لهذه السياسة احتمال اكبر أن تحصد انجازات في الايام القريبة لان اكثر الاسرائيليين ما يزالون اسرى أطر عالم الامس وتصنيفاته وقواعد لعبه، ويصعب أن نتهمهم فقد نشأت ههنا اجيال كاملة لا تعرف سوى لغة عامة واحدة يجوز تصنيف النضال على حسبها. لانه يفترض أن تكون له "قيادة" مع "قائمة مطالب"، يدخلون معها الى "غرفة المباحثات" و "التفاوض" ويحرز آخر الامر "مصالحة" وتقاس "انجازات".

ان كل شذوذ عن هذا النظام القديم يثير عدم الارتياح بل الغضب. فان غير المعروف هو الاكثر تخويفا دائما. ونحن نشعر بالراحة في واقع تعودناه حتى لو كان فاسدا معوجا.

فعلى سبيل المثال أصبح طلب المحتجين ان يجرى معهم تفاوض مفتوح موثق اعلاميا يُرى صلفا ووقاحة وجنون عظمة وانتشاءا بالقوة. وكان في واقع الامر تعبيرا عن تصور ديمقراطي ساذج بالمعنى الجميل بالمصطلح (لماذا لا تجرى في الحقيقة مباحثات تتعلق بالامة كلها عن شفافية ومع رئيس حكومة لا يرى مثال الصدق والوفاء بالكلمة؟ هل عدسات التصوير ببث حي حسنة لخطب الحيل الدعائية والارتجال فقط؟). ولكن هذا الطلب أخرج نشطاء الطلبة الجامعيين الذين يطمحون بطبيعتهم الى الاندماج سريعا في الخريطة السياسية الموجودة، أخرجهم عن طورهم. ومن المحقق ان انتهازيا كبيرا كرئيس الهستدروت عوفر عيني، وهو جزء اساسي من المؤسسة الاقتصادية المريضة الحالية ما كان قادرا على فهمه. ومن هنا تقصر الطريق الى "فرق تسد"، وهو تكتيك تقليدي بحسم صراعات عامة سابقة.

كذلك يقلق خيار استطالة الاحتجاج جهات كثيرة وفيها ناس اعلاميون اعتادوا ان يقفزوا بين امور متبدلة ويصعب عليهم استيعاب حوادث متصلة. ومن هنا ينبع الطلب الغاضب لـ "التركيز" و "اهداف قابلة لاحرازها"، او اجل مسمى على الاقل يكون من الممكن بعده التفرغ للسخافات المعتادة.

أجل أنا أحرص على أن ازور كل يوم خيمة الاحتجاج في روتشيلد، وعندي أنباء سيئة لنتنياهو وسائر ناس الامس. وهي انه ليس من المؤكد ان ينجح الامر هذه المرة، كنتم على حق في أمر واحد في بدء الطريق وهو أن المحتجين أنفسهم ليسوا مهمين. فهناك خليط كبير من العقائد وبرامج العمل والرؤى والاحلام. ان ضعفهم بحسب مفاهيم العالم القديم هو قوتهم بحسب الواقع الجديد. برغم جهود اليوم الاخير، فليس من المحقق أن ينجحوا هناك بصياغة قيادة واحدة لوقت طويل مع قائمة مطالب واحدة. وليس من المؤكد أنه يوجد من تتم صفقة معه. قد تكون الخيمة فارغة عندما تطرقون باب القماش. ان هذا الاحتجاج هو اندفاع مؤثر وآسر لا لقطاع ما بل لشعور انفعالي. هناك طوفان غضب وخيبة أمل واذلال وعجز وعدم أمل قرر حاملوه في لحظة واحدة أن يقلبوا الامور رأسا على عقب. وهو ذلك "الاغتراب" الشهير الذي كان كارل ماركس اول من عرض انه وقود الثورات. سيكون من الصعب اعادة هذا الغليان الى الزجاجة بالسبل المعروفة. فالغوغائية وبلاغة الحس ومال المؤسسة سلاح عظيم القوة للامد القصير لكن حتى هو لا يستطيع أن يغير الواقع.

تصميم وتطوير