معادلة شكسبير ... كل عام وانت بخير
وطن: كتب حمدي فراج
فرح غامر ينتاب الانسان وهو يتابع احتفالات البريطانيين بمرور اربعمائة سنة على ميلاد اديبهم الكبير وليم شكسبير ، لا يضاهيه – الفرح – الا حزن عربي عميق في أمة لم تستطع ان تفعل شيئا مماثلا ازاء عظمائها ممن مضى على رحيلهم ألف سنة واكثر ، وكانت لهم قامات ادبية قد تصل الى قامة شكسبير وأطول . احدهم ابو العلاء المعري ، الذي بدلا من الاحتفال بمرور ألف سنة على ميلاده ، نبش الضلاليون في سوريا قبره .
حول البريطانيون القرية التي ولد فيها شكبير الى اشبه ما يكون بالمحج السياحي ، تستقبل الزائرين من كل بقاع الارض على مدار السنة ، وأغلقوا بيته بالزجاج واحتفظوا بكل مقتنياته داخلها بما في ذلك سريره الحديدي ، واقاموا متحفا ضخما يعرض لمسرحياته واشعاره كلها في وقت واحد بدون توقف ، وعرضت اعماله في مجلدات بعدة لغات يتم بيعها بأسعار مخفضة ، وطبعت صوره على القمصان والقبعات الخ .
معظم جامعاتهم في بريطانيا وبقية الجامعات العريقة في العالم قاطبة وبكل لغات الارض ، تدرس مساقات مختلفة ومتعددة عن شكسبير ، خاصة في الادب والحقوق واللسانيات ، وهناك بدون ادنى شك مئات ان لم يكن الاف الدراسات وشهادات الدكتوراة منحت عن هذا الاديب الكبير ، حتى في مناهج مدارسنا القديمة قبل خمسين سنة ، عندما كنا في المرحلة الابتدائية ، كان هناك ملخصا جميلا عن احدى مسرحياته ، "مصرع يوليوس قيصر" تحت عنوان "سحر البيان" ما زال ابناء جيلي متأثرا بها وبروعتها ، كيف استطاع بروتس ان يستميل الناس الغضابى في قتل قيصر ، "لاني كنت أحب روما اكثر منه" ، ثم اعتلاء انطونيوس منصة الخطابة واستمالتهم من جديد ضد بروتس بعد ان اراهم رداءه المطعون من الخلف "من هنا مر خنجر بروتس" .
هل يا ترى ما زال يتم تدريس مثل هذه المقتطفات في مدارسنا او في جامعاتنا الفلسطينية على كثرتها العددية ، فتترك اثرها على اجيالنا المتعاقبة بعد مرور خمسين سنة على تناولها ، ام ان تمجيد الحاكم العربي والتغني بالتاريخ غير التاريخي والاكاذيب والاهاويل والخراريف هو الذي يستهوينا ويطغى على ذاكرتنا ومخيلتنا ، فسرعان ما تصاب بالنرجسية البالغة ، فترى كما كبيرا من الشعراء والادباء يطبعون نتاجاتهم ولما يبلغ الواحد منهم سن الرشد الابداعي .
طبعا ، فإن الفكر التكفيري الذي طال ابو العلاء المعري في قبره كزنديق ، طال شكسبير ككافر ، ولهذا يزداد جهلنا به ، في حين يحاول البعض تندرا اعتماده من اصل عربي "الشيخ جبير" . ونتوقف عند ما قاله زعيمهم تشيرتشل ، ما لم يقله اي زعيم عربي عن اي اديب عربي في اي زمن عربي :" ان بريطانيا على استعداد لأن تتنازل عن كل مستعمراتها ولن تتنازل عن قصيدة واحدة لشكسبير ".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء