قراءة في دراسة د. صبيح صبيح حول صناعة الرأي العام.. كتبت: ديمة أمين

02.02.2016 08:36 AM

تشكل صناعة الرأي العام الاداة الرئيسية في يد الفئة المهيمنة لإحكام سيطرتها و ضمان مصالحها.

تتم عبر مجموعة من الادوات و الآليات و اجهزة السيطرة التي تعمل بدورها على اعادة انتاج النظام الاجتماعي من خلال اعادة انتاج العلاقات القائمة في المجتمع بحجة التغيير و الاصلاح و التقدم و التحضر و تحقيق العدالة و الحرية ، وتبعا لذلك يتم اقصاء الفئه المهيمن عليها.

من هذا المنطلق تعمل اجهزة السيطره على:
اولا صناعة الرأي العام
ثانيا تزييف الواقع الاجتماعي لشرعنة الهيمنة
ثالثا ترسيخ مجموعه من الاولويات و الاحداث و التي لا تشكل اي قيمه بمعزل عن ايديولوجية الطبقه المهيمنه.

التصدي للرأي المهيمن غير ممكن بدون صناعة وعي مادي جمعي محمول بواسطة الطبقات المهمشة ، بينما يستخدم الوعي الناقض لتجريد ادوات وآليات السيطرة التابعه للطبقه المهيمنة من سلطتها المعرفية.

فلسطين الدول المانحة هو المسمى الذي ابتكرته الفئة المهيمنه بايدولوجيتها الريعية ونمذوذجها التنموي و فلسفتها النيو ليبرالية حاملة ثقافة الاستهلاك و مركزانية السوق.

تتم هيمنة الممول من خلال قدرته على التاثير و التغيير في سلوك متلقي التمويل و فعله وخطابه ورؤيته.

ترسيخ الهيمنه يعتمد على القدرات العسكرية والمالية بالاضافة الى السطوة المعرفية وتصوير الحقيقه الاجتماعية في فلسطين انها حقيقة ما بعد الصراع مع تحييد السياق السياسي والاجتماعي بذريعة تطبيق النموذج التنموي النيوليبرالي.

يتم تقديم المجتمع الفلسطيني وفق مفهوم اداري اي هيمنة ادارية على حساب واقع الصراع الطبقي وعلاقات القوى الداخلية والتطبيع الضمني والصريح لوجود الاستعمار والهيمنه الخارجية.

تحييد البعد التاريخي هو السمة الاساسية في قراءة الظواهر والاحداث في ظل الخطاب السائد، بحيث يرتبط المستقبل بمهارات الاداريين في تطبيق وصفات التنمية.

الفهم النيوليبرالي:
يرى الشعب مجموعه من الافراد يحتكمون للعقلانيه ضمن هيمنة السوق ، منا يعني ان السوق بديل للمجتمع بينما يرتبط الاقصاء والتهميش بدرجة الاندماج بالسوق الذي يتحدد بالقدره على الاستهلاك والتي تصبح بدورها قيمة اجتماعية.

استطلاعات الرأي
تشكل احد ادوات اجهزة السيطرة في سياق ميكانيزم الهيمنة و ممارستها.

تصيغ المؤسسات التي تخدم ايديولوجيا الفئة المهيمنة الرأي العام من خلال استطلاعات الرأي بتحديد نوع الاسئله وطرق اجابتها وما ينتج عنها من تحديد القضايا الاولوية في المجتمع.

في الحالة الفلسطينية ساهمت استبيانات الرأي في شرعنة التغير في منظومة القيم السائدة عبر تهميشها للقيم الوطنية بالمعنى السياسي و التحرري لصالح مشروع بناء الدولة.

استعادة القيم الوطنية في الخطاب السائد جاء نتيجة التناقض بين بنية اوسلو و الادوار التي تصنفها مع القيم الوطنية و فشل خطط التنمية التي عجزت عن الايفاء بوعودها بالدولة و الاستقلال و الرفاه و الاستغناء عن التمويل.

التلفاز و الصحافة
التلفاز و الصحافه
ابتذال المواضيع و صناعة الاحداث مرتبطة بدور التلفاز و الصحافه الخاضعة للفئة المهيمنة.
يصبح السبق الصحفي معيارا لنجاح العمل في ظل خضوع اعداد كبيرة من المجتمع تحت سيطرة التلفاز في الوصول الى المعلومة و التحليل ، في ظل غياب مصادر بحثية جاده كافية كبديل لهذا المصدر.

تتنافس المحطات على ابتذال الافكار و تغييب اي نقاش فلسفي عميق مما يجعل التلفاز خطرا حقيقيا على مستوى المصطلحات المستخدمة و المواضيع المقترحة ، لذلك هو يصنع الاحداث بفعل التأثير على وعي الجمهور والمشاهد الذي يصنعه كما يشاء، كما تصنع ذوقه و قيمه الاجتماعية فتروض اجيالا بكاملها من المشاهدين لهذا الفكر الساذج المتعلق بالبنية التنافسية للتلفاز.
كما يخلق حقائق لا وجود لها بواقع منفصم عما هو معاش.

يتداخل مع عمل التلفاز في صناعة الرأي العام و الاحداث و الاولويات مواقع التواصل الاجتماعي و الصحافة و استطلاعات الرأي و الاوراق البحثية مما يتيح للفئة المهيمنة اعادة انتاج ذاتها و بيئتها و تشرعن و جودها و ذلك بتهميش العمق و تسطيح الجدل و التركيز على صفات الشخوص بينما تتهاوى في بيئة من التبعية و البؤس.

الاعمال البحثية
يتمثل هدف الباحث الملتزم بانتاج خطاب علمي رصين مقابل خطاب سائد مدعوم من اجهزة السيطرة التي تبث سمومها في وعي المجتمع.

تتجلى صعوبة انتاج الخطاب المعرفي ببطئ تبلوره و صعوبة لغته مما يجعل منحه القوة الاجتماعيه شرطا اساسيا لترسيخه.

تبعية الحقول الاكاديمية في المنطقة العربية للنظريات التي انتجتها المركزانية الاوروبية تتطلب التعامل معها بجهد و مسؤولية كبيرين لضمان استخدام المفاهيم دون فصلها عن سياقها التاريخي.

تغدو اهمية البحث العلمي في قدرته على الاستقلال عن الخطاب السائد في وقت ترضخ فيه الجامعات لهيمنة السوق و الريع و تتمظهر بتصورات نيوليبرالية قائمة على فردنة المجتمع و تحييد الصراع و مركزانية الاستهلاك.

الحاجة الى التجربة و الممارسة و العمل الجماعي لانجاز عملية تأمل ذاتية عميقة و قاسية .

يشكل البحث في فلسطين في ظل خطاب مهيمن ريعي مهنة ارتزاق في بنية تابعة و محددة بمفردات الخطاب السائد بعد تغليفها بالمعرفة لضمان مكان في الفضاء الاجتماعي و الوظيفه في سوق العمل و الاعتراف الاكاديمي من قبل المؤسسات البحثية و الاكاديمية المهيمنة لضمان الاندماج فس شبكات القوى الموجودة .

تترجم المؤسسات البحثية الفلسطينية الاشكاليات النيو ليبرالية في عقود و شروط تقنية تعمل على اقصاء اي رؤية نقدية شامله و تفكيكية الى خارج سوق العمل .

اعادة انتاج الجهل باسم المعرفة لخدمة النظام القائم و اعادة انتاجه بطريقة تحفظ لهم مراتبهم الاجتماعية التي استقرها من هذه الخيانه للمعرفه.

احتكار النقد
يتم من خلال هذا الاحتكار السيطرة على انتاج النقد المناسب لدعم المنظومة و تقويتها دون المساس بمضمونها.

في ظل العجز الاوسلوي بات من الضروري وجود نقد غير حقيقي يبرر استمرارية المشروع و هو ما يدعى بالنقد التصحيحي والذي يعمل على اظهار مواطئ العجز على انها فردية و استثنائية يتم تجاوزها بالمزيد من التوصيات برفع القدرات البشرية و عمل ورشات عمل .

يأتي هذا النقد و الذي ترعاه القوى المهيمنة كبديل عن النقد التشكيكي العقلاني الذي يتم اقصائه و تصويره بانه لا عقلاني و غير واقعي .

يأتي دور النخب الفلسطينيه للوقوف جديا امام صناعة الرأي من قبل القوى المهيمنة لرعاية مصالحها بمساهمات نقدية عميقة في اتجاه الخروج من الوضع الراهن المتمثل في التوغل في مراحل جديده من الاستبداد الفكري و صناعة الرأي العام وفق نظرة من يمسك النفوذ الطبقي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير