شهيد التعليم الهش

15.01.2016 06:40 PM

وطن - كتبت نادية حرحش:  شهيد  تلو الشهيد ... والقصص تختلف وحالة التعظيم تتزايد . ويوما بعد يوم يصبح الشهيد رقما .. ويتحرك عداد الشهادة أسرع .. والحال لا يتغير .

السلطة القيادية لا تزال في واد لا يمس بصلة للوضع الراهن . وكأن كل ما يجري زوبعة بفنجان . فلا تعليق ولا تنديد ولا اقتراح ولا حراك .. قمع خفي او معلن ، كشأن الموت المجاني الذي يقدمه أبناؤنا ليصبحوا أرقاما ، كذلك حالة القمع الداخلية بهذا الشأن.
تغييرات وقرارات حكومية وميزانيات لا تمس الواقع المعاش بصلة . ويستمر الأمن في تصدر قائمة الميزانية الفلسطينية للعام الجديد. من يرى ان هناك ميزانيات وموافقات عليها يظن ان هناك دولة حقيقية . وكلنا نعرف حكاية الامن وأهميته . الا اننا كلنا كذلك توقفنا منذهلين عند غياب الامن في الوقت الراهن امام تعنتات سلطات الاحتلال .

ولن اجتر الكلام في هذا الموضوع ، فكفره من الأمور مللنا الحديث به وما من تغيير او حتى تعبير او اجوبة للشعب كالعادة .
ولكن استوقفتني رسالة يتم تداولها لشهيد الخليل الجديد اليوم .. وكالعادة يتم تمجيد الشهيد . هذا الراحل  قصرا وظلمايصبح موته بطولة يروج لها غير الأبطال .

في الوهلة الاولى ظننت ان الرسالة المكتوبة لابن ست سنوات . فأصابتني الرهبة من  الفكرة .. رسالة تشبه الكثير من الكلام الذي يملأ صفحات اطفالنا من شجون لعواطف مدججة بمشاعر الظلم الواقع ..
ولكن الشهيد ام يكن ابن ست أعوام او سبعه. فهو شاب في عمر ألورد وكغيره في قافلة الخسارة قطف باكرا .عندما رأيت ما تركه الشهيد تيقنت ان المشكلة الاساسية هي بالتعليم .. كيف تنشيء مدارسنا جيلا بالكاد يقرأ ويكتب . حقيقة كتبها هذا الشهيد البطل كان وقعها اكبر من الجريمة والظلم الذي رحل لاجله ...

كيف ينشأ اطفالنا على حب وطن لا يعطيهم حتى علم نافع ؟ 
كيف تمر سنوات التدريس والتعليم في بلدنا ؟ ننشغل في موضوع التوجيهي وإدا ما كان يجب إلغاءه . علينا الانشغال بفحوى ما يتعلمه الطلاب بالمدارس . اذا ما كان مستوى اللغة العربية بهذا الشكل ، فكيف يكون وضع المواد الاخرى؟ كيف يتم تأهيل الأبناء من هذا المجتمع بداخل المدارس الحكومية او الوكالة ؟

نتساءل ونطالب بضرورة تغيير جذرية المناهج لتحرك جمود التفكير المتمأسس بعقولنا على الحفظ والبصمات والتلقين ، والحقيقة ان اساسيات التعليم تغيب .

كنت اتعجب من طلاب جامعيين يكتبون الكلمات بالعربية بكم كبير من الأخطاء الإملائية والنحوية المبدئية. الا انتي كنت كذلك أعيد هذا الى موضوع التكنولوجيا التي هشمت ما تبقى من لغة .
الا ان رسالة الشهيد تؤكد على ان الخلل في عقر دار المؤسسةالتعليمية الاساسية . قد يكون هذا الشهيد متعسرا بالتعليم ولا بد انه لم يكن على دراية . فإذا ما كنا لهذه اللحظة لا نعي مباديء الحياة ونقدرها فكيف نصل الى تعليم يفهم فيه الاستاذ والطالب والاهل ان هناك مشكلة تخص بعض الطلاب في هكذا أمور .

انظر مجددا لتلك الرسالة وأفكر باستهزاء مع نفسي متسائلة : كيف تتكلمين عن تغيير بالمناهج التي بطريقة غير مباشرة تساهم بحالنا المتطرف لغياب التفكير والقمع . حيث التلقين والحفظ والترديد هو ما نقوم بإعادة تدويره بحياتنا عامة . تلك بالبيوت ثم ندورها للمدارس والمدارس تدورها للجامعات والجامعات تدور لسوق العمل والمستقبل الذي سنبني من خلاله حلم الوطن.
حتى شهيدنا حرم في خطاب وداعه من حق التعبير بتعليم منقوص ككل شيء في حياتنا هنا .
نعيش على بقايا حتى العلم ...

كنت شعبا يضرب به الأمثال بسعيه نحو التعليم .. صرنا شعبا يستشهد ابناءنا ولن يملكوا حتى القدرة على الكتابة بوداع يليق بحفظ التاريخ لكلمة ...

كشفتنا أيها الشهيد البار ... عريتنا عريا يزيد على العري الكاشف لجبننا وهواننا ... رسالتك عرَّت النظام التعليمي المتهالك في مدارسنا ... فهنيئا لك الشهادة ... وعار علينا حياة لا نعي لما نعيشها ....
نهيم كالدواب على وجوهنا في سبيل حياة ليس فيها أمن لمواطن ولا تعليم نشد فيه هممنا الهزيلة .
ويستمر البعض الكثير منا بالتساؤل لما وصلنا الى هذه المرحلة من الهوان ....
فالعلم يبني بيوتا لا عماد لها ... وتعليمنا يهدم بيوت العز والكرم ...

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير