تأملات (3): برامج ومشاريع المرتديلا المجتمعية وحبكة التمويل

15.01.2016 04:30 PM

وطن - كتب ذوقان قيشاوي: لا يجب أن تمر البرامج والمشاريع المنفذة في المنطقة بطريقة عابرة وساذجة وأن لا نتوقف عندها، هناك حاجة كبيرة لتنفيذ العديد من البرامج والمشاريع المجتمعية، وهي في الكثير من الأحيان تعبئ الفراغ الناجم عن عدم مقدرة الحكومة على تغطية كافة الاحتياجات للفئات المختلفة وكافة المناطق الجغرافية. إن معادلة تنفيذ وتطبيق المشاريع تتكون من ثلاثة أطراف، حيث أن الطرف الأول هو الممول والذي يمثل الحلقة الأقوى في المعادلة لأنه يمتلك المال والنفوذ، ويتحكم في توجيه المال كما يشاء وبما يتفق مع مصالحه، أما الطرف الثاني فهو الجهة المحلية (الجمعية، النادي، المركز، الهيئة، الملتقى، المنتدى، وغيرها من المسميات)، وهي تمثل الطرف الوسيط في العملية والتي من خلالها يتم تنفيذ وتطبيق المشروع، وهناك في السياق الفلسطيني تنوع كبير في أداء وجدية ومصداقية تلك المؤسسات، أما الطرف الثالث، فهو الفئة المستهدفة (الفئة التي يتم العمل معها) ويتم تصميم المشروع لغايات يفترض أن تتناسب مع احتياجات تلك الفئة وأولوياتها.

الكثير يسأل لماذا يقوم الممول بالعمل والدعم وتقديم المال؟ ما هي دوافع هذا الممول؟ ما هي أجندته؟ ماذا يريد أن يحقق؟ لماذا هذا الاهتمام بنا؟ فكل ما سبق هي أسئلة مشروعة، ويجب أن يكون هناك ارتقاء في مستوى الإجابة ليليق بعقولنا ومستوى إدراكنا، فعندما تقبع في دولة محتلة لا تتحكم في مواردها، وليس لها سيادة لا على الأرض أو ما فوق الأرض أو حتى تحت الأرض فأنت ترغم هنا على قبول الكثير من أجندات الممولين، لأن هناك حاجة ولا يوجد لدينا موارد لتلبية تلك الحاجات، بلغ عدد المنظمات الدولية التي تعمل في فلسطين ولها برامج ومشاريع أكثر من 192 منظمة دولية حتى تاريخ إعداد هذا المقال، ولكل منظومة من الأهداف والقيم والمبادئ والأجندات المختلفة.
أتاح قانون رقم (1) لسنة 2000م بشأن الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية مساحة هامة لتطور وانتشار هذا القطاع، ولا ينكر أحد أن هناك تأثير حقيقي وتغيير لبعض هذه المؤسسات يمكن ملاحظة نتائجه، فهناك الكثير من النماذج الملهمة، ولكن وبنفس الوقت هناك العديد من التجارب والنماذج التي يتوجب الوقوف عندها ونقدها ومحاولة بذل الكثير من الجهد لتعديل مسارها، فكم عدد تلك المشاريع والبرامج التي طورت وتم تصميمها وتخطيطها بطريقة بعيدة عن الواقع والاحتياج المجتمعي؟  وكم هي عدد تلك والمشاريع البرامج التي تم تصميمها لأنها تستجيب مع أولويات الممول، وتعتبر جاذبة للمال؟  فقد تم تصميمها لأنها تأتي "على مقاس الممول".
هناك حاجة ملحة لأن نترجل ونترك لبعض الوقت مكاتبنا وأن ننزل إلى الأغوار الفلسطينية، إلى القرى والخرب المنفية والمنسية، إلى داخل المخيمات، والتجمعات المشرذمة، هناك حاجة إلى أن نعيش هناك بعض الوقت، لنحس ونرى، لنقف على هذا الكم من الهموم، هناك حاجة إلى أن نسمع من الناس، نترك لهم المجال ليشكوا ويبكوا، فإذا كانت تلك الجمعيات خلقت لهؤلاء الناس ولتحسين حياتهم فأين نحن منهم؟ إذا نزلتم إلى هناك ستسمعون الأنات، وسترون في عيونهم الكثير من الأحزان، فهم ضحية الشتات والتشتيت، وهم ضحية الإهمال لأنهم ليسوا على أولويات الأجندة في البلد، الكثير من البرامج والتي يحلو لي أن أسميها "برامج المرتديلا" لا تعبر عن طموحهم ولا آمالهم، فهرم ماسلو بالنسبة لهم ما زال عن الدرجة الأولى، ونافذة جوهاري لا تعني شيئاً لأن نوافذهم لا تقيهم برد الشتاء وحر الصيف.
هناك كذبة كبيرة وكلنا شركاء بها، عند تصميم بعض المشاريع، نضع  في الموازنة جزءاً من راتب المدير العام والذي يتقاضى في بعض المؤسسات الأهلية أكثير من 12000 يورو، ونضع راتبا لمدير المشروع، وراتباً لمنسق المشروع، وراتبا للمحاسب، وغير ذلك من المسميات، ونضع مصاريف التنقل في الجيبات، ومصاريف مكتبية وغير ذلك من أشكال وأنواع المصاريف والنفقات، هناك خلل كبير، وهناك فجوة قاسية، وهناك عملية نصب مبطنة تحصد أوجاع وآلام من هم يتألمون، نتاجر بقضايا المسحوقين, ولأن بعض تلك المؤسسات يتقنون اللعبة بشكلها الصحيح، ويفهمون الحبكة بطريقة ذكية فإنهم يحصدون المشروع تلو الآخر.
الكثير من هذا المال هو سياسي بامتياز، ترى الكثير من الهيئات التمويلية أن فقط بمقدورها أن تساهم في تمويل مشروع ما، ولكن الاحتياج الحقيقي من هذه الجهة ليس المال، بل هو موقف سياسي حاسم فيما يخص القضية الفلسطينية، لا اعتقد أن المزارعين الفلسطينيين هم بحاجة إلى متطوعين أجانب كي يقطفوا معهم محصول الزيتون في الأرض التي تقع بجانب المستوطنة، هؤلاء المزارعون هم بحاجة إلى أن تعترف تلك الجهة الممولة ودولتها بأن هذه المستوطنة غير شريعة، فهي تشكل انتهاك صارخ لكل القوانين والمواثيق الدولية، ويجب على تلك الجهة ودولتها أن تأخذ قرارات وأفعال عالية المستوى وبما يليق بتلك القضية، فالمطلوب هو إزالة المستوطنة، وإرجاع الحق للفلسطينيين، نحن لا نريد برامج ومشاريع تزين وجود الاحتلال، وتقنع عقلنا الباطن أن نتعايش معه.
نحن بحاجة إلى مؤسسات أهلية نوعية بها درجة عالية من المصداقية، نحن بحاجة إلى أعضاء مجالس إدارة ليسوا كأرقام هويات فقط للاستجابة لمتطلبات تسجيل الجمعية لدى الجهات الرسمية الفلسطينية المختلفة، ونحن بحاجة إلى هيئات عامة حقيقية وليست شكلية، من الضروري أن تقف وتحاسب وتساءل.
يبدو أننا بحاجة إلى مراجعة وطنية لطبيعة عملنا ولما نقوم به، العمر يمشي بسرعة والوقت يمر، وعلى الطرف الآخر منظمات وهيئات وشبكات، تعرف كيف تلعب وتخلق لها مساحات كبيرة في التأثير في السياسات الدولية وتوجيه مصادر الدعم والتمويل، فكفى لبرامج ومشاريع "المرتديلا"، لأن رائحتها فاحت وأزكمت الأنوف.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير