جبر وشاح يتحدث عن رفقته للقنطار
وطن - الهدف: بيسان الشرافي
بطلاً في الصبا، مُقاتلاً في الأسر، مِقداماً بعد التحرّر، شجاعاً فذّاً ورقماً صعباً في كل زمانٍ ومكان، هو المُناضل الأسير المحرر والشهيد سمير قنطار.
بين لبنان وفلسطين وسوريا، كان الرجل الحرّ الذي يُلاحق الظلمَ أينما كان وممّن كان، اليوم أفاقت الأمّة العربية على نبأ ارتقائه شهيداً بعد اغتياله الليلة الماضية من قبل الطائرات "الإسرائيلية" في مدينة جرمانيا بالعاصمة السوريّة دمشق.
الفتى اللّبنانيّ، من مواليد بلدة عبية عام 1962، لعائلة درزية، طلّق صباه يومَ اختار أن يُناضل من أجل الحق والحريّة، دون أن يحسب حساباً للاستشهاد أو الأسر، فالهدف أسمى وأضخم. انضمّ لصفوف جبهة التحرير الفلسطينية، بعمر الخامسة عشرة، ليتّخذ القرار بتنفيذ عملية "نهاريا" البطولية الشهيرة، بتاريخ 22 إبريل 1979، وكان في السادسة عشرة من عمره، برفقة 3 أبطال آخرين، وانتهت العملية بمقتل 4 جنودٍ صهاينة على الأقل، واستشهاد بطليْن من منفذي العملية، هما: عبد المجيد أصلان و مهنا المؤيد، واعتقال سمير القنطار ورفيقه أحمد الأبرص.
قنطار البطل، حُكم بعد اعتقاله بخمس مؤبدات و47 سنة إضافية.
رِفاق الأسر
القنطار الذي عُرف بعُمقِ فكره وثبات طريقه، اعتُقل 30 عاماً في سجون الاحتلال، تنقل خلالها بين أكثر من مُعتقل "إسرائيلي".
"15 عاماً من النضال المشترك مع سمير في السجون الإسرائيلية، كانت كفيلة لأن أدرك أن هذا المُناضل هو نموذجٌ نادرٌ للمقاوم العربي الحر" يقول الأسير المحرر، ونائب مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، جبر وشاح، الذي رافق القنطار لسنواتٍ طوال في المعتقلات .
ويُضيف وشاح، بحروفٍ مخنوقة "سمير كان مناضلاً صلباً عنيداً، وإنساناً مُتفائلاً محباً للحياة، في ذات الوقت، ورغم كل الظروف التي مر بها، إلا أنه كان مداوماً على زرع الأمل في نفوس زملائه المعتقلين،..، كان على يقينٍ تام بأنه سيُعانق الحرية يوماً ما".
"أكثر لحظات الفرح التي كان يعيشها سمير في السجن كانت حينما يسمع أخباراً من عائلته في لبنان، حيث كان ممنوعاً من الزيارة طوال 15 عاماً، وهي الفترة التي أمضيتها برفقته في الاعتقال".
سمير قنطار تحدّى السجان وأصرّ على إكمال دراسته في المعتقل، وهو حق انتزعه من السجان الإسرائيلي انتزاعاً، فحصل على بكالوريوس في الأدبيات والعلوم الاجتماعية من الجامعة المفتوحة في تل أبيب وهو داخل السجن، وكان ينوي استكمال دراسته العليا، إلا أن الاحتلال حال دون ذلك.
وبألم فقدان الصديق، يتحدّث وشاح لـ"بوابة الهدف": لقد أمضيت 3 سنوات ونصف في زنزانة واحدة مع القنطار، في سجن بئر السبع الإسرائيلي، حينها أدركت البعد الإنساني العميق في شخصية هذا البطل، إلى جانب الصلابة والاستعداد للتضحية، في أي لحظة مواجهة مع الاحتلال، كان في مقدّمة الأسرى أوقات الإضرابات والمواجهات مع السجان الصهيوني.
عن مواقفٍ لا تُنسى..
اللقاء الأول : "لا أنسى أول لقاءٍ لي بالقنطار، عرفته في سجن نفحة أسيراً لبنانياً ذو معرفة عميقة بالقضية الفلسطينية"
اللقاء الثاني : "بعد قرار الإفراج عنّي ضمن صفقة عام 1999، أصرّيت أن أودّعه من شبك الزنزانة، لم أستطِع الحديث حينها رغم أنّني على بعد خطوة من الحرية، فصديقي ورفيقي لا يزال في الأسر، وقتها سمير هو الذي شدّ على يديّ ورفع من معنوياتي، مؤكّداً لي أنّه سيتحرّر يوماً ويهزم السجّان، ..، لا تزال صورة وجهه من خلف الزنزانة مرسومة في مخيلتي".
اللقاء الثالث : "قابلته عام 2008، بعد تحرّره، ضمن صفقة التبادل مع وحزب الله".
وروى الأسير المحرر، حكاية والدته هندومة "أم جبر"، مع سمير قنطار الذي أعلنت تبنّيها له منذ كانت تزور ابنها جبر في سجون الاحتلال، ومع كل زيارة كانت تمرّ لتتفقّد سمير، الذي كان محروماً من زيارة عائلته، طوال عشر سنوات، وحتى بعد تحرّر ابنها جبر، ظلّت المناضلة ومن تُعرف بعميدة أمّهات الأسرى تزور ابنها الذي لم يُنجبه رحمها، القنطار.
جبر وشاح، يقول اليوم : "ربما اغتالت إسرائيل سمير القنطار، لكنّها لم ولن تغتل الفكرة التي زرعها، والنموذج التضحوي الذي سطّره في تاريخ النضال باسم الحرية والحق،...، سمير هو نموذج لكل شرفاء العالم في النضال ضد الظلم، واليوم هناك الآلاف على طريق سمير"
الأسير المحرر أحمد أبو السعود الذي أمضى سبعة وعشرين عاماً في سجون الاحتلال، عاش معه سمير القنطار أربعةً منها، يقول مؤبّناً سمير :هذا مناضل كبير دخل مسرح النضال وهو طفل فعلياً، تبنى القضية الفلسطينية وانخرط في صفوف الثورة الفلسطينية، وهو شهيد فلسطين ولبنان وسوريا والأمة العربية.
وعن معرفته بالشهيد في سنوات الأسر يتحدّث أبو السعود "التقيت به في سجن نفحة في بداية اعتقالي عام 1987، قبيل اندلاع الانتفاضة، وكان بالنسبة لي أحد الاسرى الذين أمضوا أكثر من 20 عام في سجون الاحتلال بما تحمله هذه السنوات من مخزون التجربة النضالية، وكان يتحلى بروح مرحة توّاقة للحرية، وانفتاح على كافة مكوّنات الحركة الأسيرة".
ويضيف أبو السعود، إن سمير ساهم في بناء الحركة الوطنية الأسيرة، فرغم أنه كان يمثل فصيل فلسطيني قليل العدد نسبياً داخل السجون وهو الجبهة العربية لتحرير فلسطين، إلا إنه كان صرحاً كبيراً ورمزاً من رموز الحركة الأسيرة، ارتباطاً بما تمتع به من روح صِدامية ومبدئية عالية في وجه الجلادين الصهاينة.
أبو السعود يروي أن الشهيد قد طلب منه في خضم إضراب الأسرى عن الطعام في العام 1992، أن يمثّل الحركة الأسيرة في التفاوض مع إدارة السجون، وذلك بناء على طلب من حركة فتح كونها كُبرى الفصائل من حيث عدد الأسرى آنذاك، لاعتبار هذه المكانة التي يتحلى بها سمير بين الأسرى على اختلاف فصائلهم، حينها قام الضابط الممثل لإدارة السجون بتوجيه لفظ مهين تجاه أحد الفصائل الفلسطينية، فكان موقف سمير غايةً في الحسم والتحدي مما أجبر هذا الضابط على الاعتذار.
رمز لا يُقهر
رغم محاولات السجانين طيلة 29 عاماً داخل السجون، قهر القنطار، باعتباره رمزاً، إلا أن روح سمير الحرة الثائرة المتوثبة لقتال عدوها كانت دوماً حاضرة لتتحدى هؤلاء الصهاينة، فالرجل لم ينسَ يوماً أنه حمل البندقية لقتال هذا المحتل، وظل يردد في وجه سجانيه أنه سيعود ليحملها ويقاتلهم مؤكداً ثقته بالحرية.
ويُكمل، الأسير المحرر أبو السعود، عن صفات القنطار وإنسانيّته و" كان يعتبر كل الأسرى أخوته، وأمهاتهم أمّه، كرس حياته للقضية الفلسطينية التي ارتبط بها وعاد حراً لفلسطين مقاتلاً ومواصلاً للطريق التي اختارها ولم يحِد عنها يوماً، وهذا الخيار بالتحديد يُخبرنا من هو سمير القنطار.