ظاهرة اغتيال الشخصية الناجحة ...بقلم: ريما كتانة نزال

31.07.2011 02:02 PM

ليس  جديدا  القول ان اغتيال الشخصيات العامة في المجتمع الفلسطيني تعد واحدة من المظاهر السلبية  البارزة في اوساط الحركه السياسية الفلسطينية، والمثير اكثر من وجودها، ضمن الثقافة السياسية السائدة،  هو المغالاة في استخدامها وتوظيفها في خدمة اهداف ومآرب شخصية من خلال إلباسها عباءة الاختلاف  السياسي،  الأمر الذي يثير حفيظة واستغراب المجتمع الفلسطيني بكل فئاته ومستوياته.

يجب عدم الاستهانة بهذا الاسلوب، لان الاغتيال المعنوي للشخصية العامة لا يقل أثرا عن اغتيالها جسديا، لأنه يعادل الموت بأثره، حيث كلاهما بالنتيجة يقود الى تصفية الشخص، واخراجه من العمل العام. لا بل أجزم بالقول ان اغتيال الشخصية يتفوق بأثره على الاغتيال الجسدي، حيث يسعى لضرب مصداقية الشخص المستهدف، ولإفقاده التأثير على الرأي العام في المساحة السياسية والاجتماعية، اضافة الى سحب رصيده الجماهيري.

أدوات اغتيال الشخصية معروفه، تبدأ بكيل التهم واطلاق الاشاعات والتبشيع، كما تتنوع أشكالها: منها ما يركز على استخدام سلاح التهم الاخلاقية، وأكثرها يعتمد على استخدام تهم الفساد المالي ومشتقاته، وأخطرها يعتمد على تهم العمالة والخيانة. تعددت الأشكال والموت المعنوي للشخصية واحد، يقود الى الطعن في مصداقية الشخص وحرق صورته الاجتماعية في الحياة العامة واغلاق الطريق امام مستقبله السياسي.

عموما ظاهرة اغتيال الشخصية  انتقلت لنا من الغرب، حيث نشأت الظاهرة في الغرب بشكل مبكر لذلك نجد بأن لها تقاليد وأعراف، وتمارس بمهنية واحتراف، حيث تقدم فيها الوثائق المدعمة والبيانات والأدلة ويتم تبنيها من مؤسسات اعلامية واجتماعية ورقابية. ويقف خلفها عادة الطامحون الذين أيضا تجمعهم مؤسسات حزبية ومجموعات الضغط.. بينما في مجتمعاتنا العربية حيث بدائية النسخ والتقليد، فتبدو عمليات اغتيال الشخصية، بوقوف اشخاص من ذوي الأطماع خلفها، أشبه بحرب الاشاعات الشخصية، أو أقرب الى القيل والقال، باعتماد مطلقوها على الفبركة والصناعة، وبابتعادهم عن المهنية والاحتراف.

الحملة التي تتعرض لها وزيرة الشؤون الاجتماعية واتهامها "بالفساد" يمكن ان تندرج ضمن عمليات ومحاولات اغتيال الشخصية المعنويه لها، وهي من نوع المحاولات التي أصبحت معروفة ومكشوفة في المجتمع الفلسطيني، حيث تعرض لها مسؤولون كبار وبطريقه اكثر فظاعه وشناعة، أذكر منها للمثال ما تعرض له الرئيس الفلسطيني كما تعرض  لها رئيس الوزراء وآخرون..

تندرج الحملة ضد وزيرة الشؤون الاجتماعية كأحد مظاهر وعمليات الاغتيال المعنوي لكونها تعتمد على الفبركة والتأليف. حيث يلمس فورا في ثناياها الرغبة الجامحة والإرادوية لقتل الشخصية المعنوية والاجتماعية، حيث تُستخدم المعلومات المضللة ويُعمل على تعميمها عبر وسائل الاعلام، والأنكى؛ ان الحملة تتواصل على الرغم من  بروز معلومات  تقتضي توقف مطلقيها ومراجعة الأمر، مثلما تتطلب متابعة الخيوط الجديدة، الامر الذي يكشف ان الغاية هي الشخص المستهدف، وليس إظهار الحقيقة وكشف الفساد المستور كما يشاع، انها اذن حملة على الطريقه "الميكافيليه"، الغاية تبرر الوسيلة..

المجتمع الفلسطيني جاهز لتقبل كل ما ينشر حول الفساد، يتقبله مع كل رشات البهار والإضافات، لأن المواطن يكتوي بلهيب الفساد المستشري بوجود الاحتلال، ولأن لديه أزمة ثقة بالنظام الإداري والمالي، ولأنه لا يملك ترف فرز الحقيقي عن الفبركة، أو التمييز بين التهم الحقيقية والكيدية. وموضوعيا فان الآليات النظامية  المتبعة لمواجهة الاشاعات الكيدية لا تصل للمواطن بذات القوة التي تصل بها الاشاعة ذاتها، لأن التحقق من الشائعة يمر بدروب أكثر تعقيدا من اطلاقها. والمواطن الفلسطيني الغلبان لا يجد تفسيرا لبقائه جائعا وعاريا بلا عمل بينما يرى بأم عينه الذين يترقون بسرعة البرق دون مسوغات مقنعة، وغيره من ينتقل من طبقة اجتماعية الى طبقة اخرى بقدرة القادر..

وحتى  لا  يوضع كلامي  بغير  اتجاهه، لا بد من التصدي بكل حزم وقسوة للفساد وللفاسدين وجعله أحد الأولويات التي يجب مكافحتها واجتثاثها، ولكن بآليات غير فاسدة.  وهذا يعني بأن على المعنيين مهنيا وبموجب الصلاحيات أمام الظاهرة وردع محاولات خلط الأوراق التي تهدف الى خلق القناعة بأن الجميع فاسد من جهة، والى تبهيت دور المؤسسات الرقابية التشريعية والتنفيذية المختصة والموكل لها المساءلة والتدقيق والرقابة. الأمر الذي يفرز مهمة لا بد من معالجتها على صعيد المجلس التشريعي، ربما بصيغة الكتل النيابية بسبب الغياب القسري للتشريعي عن العمل الموحد، لوضع المحددات اللازمة وتصويب ما يجري.

لا بد من عدم السماح بخلط الاوراق، وستبقى كذلك وتتعقد طالما بقيت القوى السياسية غير معنيه بالوقوف بصلابة امام ظاهرة الفساد الحقيقي.  وسيبقى الفساد طالما استمرت المؤسسة التشريعية والمؤسسات المخوله بالرقابه والتدقيق غائبة او ضعيفة، وطالما بقي "الميكافليون" بلا رقابة أو مسائلة عن الغاية العاتيه في اغتيال من يستهدفون او من سيشوهون ومن سيعزل اجتماعيا او بالجهور الفقير والموجوع  الذين باسمهم يخاض الصراع.

وأخيرا وليس آخرا، يجب ان  ندرك ان الشجر المثمر يجتذب العصي والحجارة، وربما يكون النجاح، في هذه الآونة الغريبة، يثير الغيرة والحسد عوضا عن التنافس الشريف، فيصبح وضع الشخصية الناجحة في دائرة الهدف أسهل، والرصاص الذي لا يصيب يزعج..

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير