البريد الفلسطيني: تاريخ حافل ... ومستقبل واعد.. بقلم: مشهور أبو دقة

31.07.2011 01:45 PM

بدأ البريد الفلسطيني العمل في عصر الحكم العثماني وذلك في عام 1840 حيث تم افتتاح أول مكتب بريد في فلسطين وفي عام 1849 تم افتتاح سبعة مكاتب بريد في كل من "القدس، نابلس، غزة، يافا، بيت لحم، طبريا، الخليل"، وكانت أول إرساليات تبادلية بين فلسطين ومصر في عام 1859 عن طريق مكتب بريد يافا.

وفي سنة 1899 كان التبادل البريدي بين فلسطين ودول العالم يمر عبر بيروت وبورسعيد، وفي سنة 1910 تم افتتاح مكتب بريد في خانيونس وفي سنة 1918 أصبح البريد الفلسطيني يدار بواسطة البريد الملكي البريطاني وفي سنة 1920 صدرت طوابع تحمل اسم فلسطين باللغات العربية والانجليزية والعبرية، وطبعت في القدس، وفي سنة 1938 صدرت مجموعة طوابع بريدية مكتوب عليها فلسطين للعرب و طبعت في يافا.

وبمناسبة تأسيس جامعة الدول العربية سنة 1945 صدر طابعان بريديان حملا اسم فلسطين محاطاً بأعلام الدول العربية، وبعد انتهاء الانتداب أصبح البريد الفلسطيني في غزة يدار بواسطة الإدارة المصرية وفي الضفة الغربية بواسطة الأردن، حتى عام 1967 حيث العدوان وإحتلال باقي فلسطين فأصبح يدار البريد الفلسطيني بواسطة إدارة الإحتلال وكان من أكثر القطاعات خضوعاً للسيطرة والرقابة بسبب أهميته الاقتصادية والأمنية، حيث تركزت الخدمات البريدية في فلسطين إبان الإحتلال في المدن الرئيسيـة فقط وتقدم خدماتها بالوكالة عن البريد الإسرائيلي واقتصر الإرسال للبريد الفلسطيني مـع الدول الأجنبية فقط بسبب مقاطعة الدول العربية لإسرائيل واستعمال قسائم الجواب  الدولية التي كانت تباع بأضعاف ثمنها للجمهور الفلسطيني مخالفين أبسط بنود القانون الدولي، بالإضافة لذلك استخدم الاحتلال مؤسسة البريد كأحد أذرعه الإحتلال من ناحية جمع الضرائب و جمع المخالفات ماليا مثل مخالفات السير.  

في عام 1995 تسلمت السلطة الوطنية الفلسطينية قطاع البريد من الجانب الإسرائيلي وهو ضعيف الفاعلية وباعتبار البريد من أهم المرافق الحكومية أبدت السلطة الوطنية الفلسطينية اهتمامها بقطاع البريد كرمز من رموز السيادة، فعمدت إلى زيادة عدد المكاتب البريدية إلى "102" مكتب بريدي في أرجاء الوطن بزيادة قدرها 150% عما كان عليه أبان الإحتلال،  في غياب رؤية واضحة لعمل البريد، إن الزيادة الغير مبررة اقتصاديا في العدد الهائل من مكاتب البريد والموظفين أدى لزيادة كبيرة في النفقات المالية بالإضافة إلى تردي الخدمات. 

 على المستوى الخارجي أصبحت فلسطين عضواً مميزاً في اللجنة العربية الدائمة للبريد واستطاعت فلسطين أن تحصل على قرارات دولية من خلال مشاركتها في المؤتمرات العالمية وخاصة في مؤتمر بكين في أب- أيلول عام 1999 حيث أصبح لفلسطين الحق في المبادلات البريدية مع دول العالم، وأصبحت فلسطين عضواً مراقباً في الاتحاد العالمي. وفي 18 أب من العام 1999 أي قبل الذهاب لمؤتمر بكين وقعت السلطة الوطنية الفلسطينية مع بريد إسرائيل اتفاقيتين، الأولى شاملة تغطي بالتفاصيل عمليات التبادل البريدي و التعرفه بين السلطة و العالم من خلال البريد الإسرائيلي، هذه الاتفاقية فوضت بريد إسرائيل بإجراءات العمليات البريدية بما فيها نقل البريد الفلسطيني مع الخارج و تحديد أسعار النقل. أما الاتفاقية الثانية مع الجانب الإسرائيلي و التي وقعت في نفس يوم توقيع الاتفاقية الأولى تنظم إجراءات عمليات البريد بين السلطة و كل من  جمهورية مصر و المملكة الأردنية. لم يتم تطبيق الاتفاقية الثانية لعدم موافقة كل من مصر و الأردن على الاتفاقية، حيث يتم تبادل البريد بين فلسطين وكل من مصر و الأردن بواسطة شركات القطاع الخاص حتى يومنا هذا.   

 أثناء اندلاع أحداث الانتفاضة في الفترة 2000 – 2004 لم يكن هناك تبادل بريدي حقيقي و منتظم بين السلطة و إسرائيل.

وفي عام 2008 في مؤتمر جنيف تم الاتفاق بين فلسطين والجانب الإسرائيلي على التبادل البريدي المباشر لفلسطين عبر الأردن وبرعاية الاتحاد الدولي . لم يتم تطبيق هذا الاتفاق بسبب تعنت الجانب الإسرائيلي وتغيير في سياسة الحكومة الإسرائيلية اتجاه التعامل مع البريد الفلسطيني.

في عام 2009 تمكنت فلسطين من الحصول على الرمز البريدي الدولي في مؤتمر عقد في جنيف حيث أن هذا الرمز لا يعطى إلا للدول، ويعتبر احدى الركائز المهمة في ترسيخ استقلال فلسطين. إن حصول فلسطين على الرمز البريدي الدولي يجعل من الممكن لفلسطين استقبال ارسليات بريدية خاصة بفلسطين وليس ضمن الارساليات البريدية الإسرائيلية، والمحاسبة المالية المباشرة مع الدول المرسلة مع الاستفادة المالية من المساعدات المالية المخصصة من قبل الاتحاد البريد الدولي لتحسين جودة الخدمة في الدول النامية مثل فلسطين وكذلك يعطي تخصصيص الرمز البريدي الدولي إدارة البريد الفلسطيني الإمكانية الفعلية للاهتمام بنوعية وجودة الخدمات البريدية وتمكنها من إضافة خدمات جديدة من أجل إعادة الثقة للبريد الفلسطيني وتميزه. إن حصول فلسطين على الرمز البريدي الدولي أثار حفيظة الساسة الإسرائيليين واعتبروها خطوه منفردة تعزز سعي الفلسطينيين للاستقلال.

بالرغم من توقيع الاتفاقيات المختلفة مع البريد الاسرائيلي لم تقم اسرائيل بتسديد أي من المستحقات المالية السابقة (منذ قيام السلطة) لصالح البريد الفلسطيني حيث اننا نستقبل ارساليات بريدية اكثر من المرسلة من طرفنا. حديثا وبعد مفاوضات مضنية ووقف استقبال البريد من الجانب الاسرائيلي تقريبا لمدة شهر اقر الجانب الاسرائيلي بهذه المستحقات ويجري الآن إعداد المحاسبة اللازمة لتنفيذ ذلك.

نظرة مستقبلية للنهوض بالبريد الفلسطيني

تتطلع الوزارة الى خلق جهاز مالي وإداري كفؤ وتقديم خدماتها المالية والإلكترونية مع إمكانية إتاحة وصول المواطن الى شبكة خدمات بريدية داخل المدن والقرى والمخيمات او اي من المناطق النائية وبأسعار مناسبة تلبي حاجات الجميع، ومنذ تسلم الحكومة الثالثة عشر لمهامها بدأت الوزارة بتطبيق خطتها الخاصة بالبريد حيث قامت الوزارة بالخطوات التالية:

  1.  اعتماد شعار سيادي مميز وموحد للبريد مستخدم بجميع مرافق البريد بما فيها مركبات البريد.

2.  إعادة ترميم وصيانة المكاتب البريدية الرئيسية  وتجهيزها حيث أنهت العمل بمكاتب البيرة، رام الله، أريحا, طولكرم ، رام الله ، نابلس ، طوباس، و فتح مكتب البلدة القديمة بالخليل ومكتب الاغوار في عين البيضة لتعزيز صمود المواطنين في المناطق المهددة، والعمل جاري لتأهيل المكاتب الرئيسية الأخرى، وتم إنشاء مركز تدريب حديث للعاملين في البريد بمدينة أريحا.

3.   اطلاق الخدمات البريدية الجديدة وبحلة جديدة وتشمل: خدمة الطرود البريدية الداخلية، البريد الممتاز الداخلي، البريدي الحكومي، البريد الدعائي، حيث أصبح البريد يوزع للمرسل إليه خلال مدة لا تتجاوز 36 ساعة من تاريخ استلامه.

4.  إضافة الخدمات الإلكترونية إلى قائمة مهامه ونشاطاته، يعمل فريق وطني من 20 مهني من القطاع العام و الخاص لاتمتة العمليات الحكومية منها البريدية و ربطها بشبكة حكومية واحدة، بهدف مواكبة مكاتب البريد في العديد من الدول والتي أصبحت مركزاً أساسياً لتقديم الخدمات الحكومية مثل تعبئة النماذج واستصدار الوثائق إلكترونياً بحيث يمكن للمواطن الحصول على الوثائق الرسمية من خلال البريد إضافة لما يقدمه البريد من خدمات تقليدية مثل الرسائل والظروف وجباية الفواتير وغيرها، ومن خلال ذلك سيكون البريد من أهم نوافذ الخدمات للحكومة الالكترونية.

5.  اقرار وتنفيذ خطة تنمية وتطوير الخدمات البريدية في فلسطين التي أعدها المكتب الدولي للإتحاد البريدي العالمي التي تحوي (19) مشروعا يجري العمل على تنفيذها وتوفير التمويل اللازم من خلال مشاريع الاتحاد البريدي العالمي وجامعة الدول العربية ووكالة التنمية الأمريكية.

بدأ العمل على إنجاز الترميز البريدي للمناطق الفلسطينية حيث سيتم التعارف على العناوين من خلال الرمز البريدي كما هو الحال دوليا. لقد تم إنجاز المرحلة الاولى من الترميز بتقسيم جميع المناطق الفلسطينية إلى رموز بريدية،وتم تنميط هذه المناطق والرموز بتقنية نظم المعلومات الجغرافية (GIS) ونشرها (Open Source) على شبكة الانترنت (http://zinnar.pna.ps/InteroperabilityPortal/addressServer/) كي يتسنى للقطاع الخاص الإستفادة منها في بناء تطبيقات حديثة. كما أن نتائج هذه المرحلة تؤسس للمرحلة الثانية والتي تهدف إلى استكمال عملية الترميز بالتعاون مع البلديات والمجالس المحلية –بعد الإنتهاء من تسمية الشوارع وترقيم المباني- للوصول الى قاعدة بيانات جغرافية مؤتمتة تحوي جميع العناوين البريدية في فلسطين (GIS-enabled Address Server).

6.  تعمل الوزارة الآن على تأهيل بنك تجاري لمشاركة البريد في الفروع الرئيسة كبداية ثم الانتشار إلى الفروع البريدية الفرعية وذلك لتحسين وتعدد الخدمات التي يقدمها البريد .

7.   تعكف الوزارة الآن على إعداد قانون البريد الفلسطيني لفصل البريد عن الوزارة و لتنظيم أعمال البريد والذي سيعرض على مجلس الوزراء قريبا.

8.  تعمل الوزارة على إدخال خدمات بريدية جديدة وذلك عن طريق إشراك القطاع الخاص بهذه الخدمات، مثل الدفع والفوترة الالكترونية والطوابع البريدية الإلكترونية، وكذلك إشراك القطاع الخاص لتقليل النفقات من خلال التعاقد من الباطن و اصدار وكالات بريد في المناطق الريفية بدلا من فتح مكاتب بريد.

إن للبريد الفلسطيني تاريخ عريق، وقد أخذ على عاتقه الكثير من المهام الإجرائية نظرا لعدم استكمال السيادة، وقد شهدت إصداراته على مر العصور من طوابع البريد على العديد من المناسبات، وهو ببنيته الحالية –رغم الحاجة للنهوض والتطوير- قادر على تحمل مهام جديدة ضمن مفهوم ورؤية جديدة لعمل البريد، وهو ما نعمل عليه حاليا، لكي يتمتع البريد باستقلالية مالية وإدارية تمكنه من الاضطلاع بمهام عصرية مواكبة للتطورات.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير