دحلان جيت... أم "فتح جيت"؟..بقلم: عريب الرنتاوي!

31.07.2011 10:56 AM

في فضيحة «دحلان جيت»، بتنا نعرف الآن، ومن أرفع مصدر فلسطيني رسمي، سياسي وقضائي، علناً، جهراً، ونهاراً، ما يلي: دحلان قارف «تجاوزات تمس أمن الدولة والأمن القومي والاجتماعي الفلسطيني والثراء الفاحش والتآمر»...

دحلان مُتهم بـ «الاستقواء بجهات خارجية وارتكاب جرائم قتل على مدار سنوات طويلة، وممارسات لا أخلاقية لم ينج منها وجيه ولا زعيم سياسي ولا رجل أعمال في قطاع غزة وذلك باستخدام البلطجية وفرقة الموت»... دحلان مُتهم بـالثراء الفاحش نتيجة الكسب غير المشروع ونهب أموال حكومية واستثمار الجزء الأكبر لحسابه الخاص خارج الوطن»...

دحلان مُتهم بـالتآمر في محاولة لاحتلال إرادة الحركة (فتح) كمقدمة لكسر الإرادة السياسة الوطنية التي لم ينج منها حتى الشهيد القائد ياسر عرفات».

بم تختلف بيانات فتح هذه، عن بيانات حماس عشية «الانقلاب» وغداته...ألم تقل حماس أن الدحلان، رجل فتح والسلطة والأجهزة الأقوى في قطاع غزة، فاسدٌ أثرى بوسائل غير مشروعة... ألم تقل حماس بأن الرجل متورط بالاستقواء بأجهزة مخابرات إسرائيلية وعربية ودولية، وأنه متماهٍ مع أجنداتها، ويحظى برعايتها وتمويلها وتسليحها وتدريبها... ألم تتهم حماس رجل فتح الأقوى، بأنه يعمل على بناء ميليشيات خاصة به من فرق موت وبلطجية وزعران وسفلة وقطاع طرق...

ألم تتهم حماس الرجل بهتك الأعراض والابتزاز وتوريط شخصيات قيادية ورجال أعمال ورجال دين ومعارضين وخصوم وأصدقاء، لا فرق، بفضائح وجرائم ومسلسلات جنسية وتعدٍ على الأعراض... ألم تتهم حماس الرجل بأنه تآمر على فتح قبل أن يتآمر عليها، وعلى ياسر عرفات و(لاحقاً محمود عباس) قبل أن يتآمر على إسماعيل هنية وخالد مشعل...

ألم تقل حماس أن الرجل لا ذمة وطنية أو دينية أو أخلاقية تردعه عن القيام بكل ما يمكن أن يُشبع نهمه للسلطة، وبأي ثمن... ألم تكشف حماس، بعض الوثائق «بعد انقلابها على الشرعية»، تؤكد كل ما ورد في كلامها بدايةً، وفي لائحة الاتهام التي تعدها فتح ورئيسها لدحلان، هذه الأيام.

كل ما يرد من اتهامات بحق دحلان اليوم، وعلى ألسنة قادة فتح والسلطة الكبار، سبق وأن أوردته حماس، وكشفت عنه بالوثائق الدامغة، لكن فتح والسلطة والرئاسة و«أجهزتها الأمنية والقضائية» انبرت للدفاع عن الدحلان، واتهام حماس، بدل أن تدقق وتحقق وتأخذ الإجراءات المناسبة بحق «الطحالب التي نمت على ضفاف الدم الفلسطيني» كما جاء في بيانات فتح الأخيرة... كل الاتهامات الموجهة للدحلان، تعود إلى سنوات «حكمه الدموي واللا أخلاقي» لقطاع غزة... لماذا صمتت فتح صمت القبور عن جرائم رجلها الأقوى... لماذا الآن، وبعد كل هذا الخراب الذي حل بالسلطة وفتح والحركة الوطنية الفلسطينية، جراء استشراء «الطحالب» وتنامي نفوذها وتعدد أذرعتها.

دحلان في غزة، كان رمز «الشرعية» في القطاع المنكوب به، وذراعها الأقوى ورجلها الذي لا منافس له ولا منازع... على هذه «الشرعية» انقلبت حماس في حزيران 2007، ودفاعاً عن هذه «الشرعية» ظلت فتح والسلطة والمنظمة تتباكي سنوات طوال، فمن هو «الشرعي» حقاً، ومن هم الخارجون على «الشرعية»... فتح أجابت على هذا السؤال من قبل، وعليها أن تعيد طرح السؤال من جديد، لتقدم إجابة جديدة، أو قراءة جديدة لأحداث «الانقلاب على الشرعية»، أقله في ضوء اكتشافاتها المتأخرة ؟!.

لا تستطيع فتح أن تدعي أنها لم تكن تعرف... القاصي والداني كانا يعرفان عن «الثراء المشروع» لرجل خرج من قطاع غزة بـ«الشبشب» وعاد ليقطن في «قصر الشوا» إرضاء لعقد نقص غائرة ومتأصلة... القاصي والداني كانا يعرفان عن صلات الرجل بأجهزة الاستخبارات وتآمره مع موفاز على عرفات، وثمة رسائل وكتب ومحاضر نشرت بعد «الانقلاب على الشرعية»...

القاصي والداني كانا يعرفان عن مسلسل الإسقاط والابتزاز الذي لم تنج منه قيادات فتح والسلطة، وقد ألمحت حماس إلى وجود «خزان» من الوثائق والأفلام، التي لم تنشرها حفاظاً على كرامات الناس والعوائل والحمائل الفلسطينية... فتح كانت تعرف كل هذا، فتح لم تتحرك لوضع حد له، فتح تأخرت طويلاً في الانتفاض لتطهير صفوفها من «الطحالب والعوالق»، ليصبح من حقنا أن نسأل اليوم، لماذا الآن، وبعد كل هذه السنوات؟.

والأهم من كل هذا وذاك، أن دحلان لم يكن ليفعل كل ما فعل، وحده منفرداً... دحلان فعل ذلك بالشراكة والتواطئ والتآمر مع عدد «يكبر أو يصغر» من قيادات فتح وكوادرها... لدحلان شركاء في جرائمه في الأجهزة الأمنية والمجلس الثوري والسلطة واللجنة المركزية لحركة فتح ذاتها... على «أكتاف» دحلان، صعد عديدون إلى مواقع قيادية هنا وهناك، لا لشيء إلا لأنهم شركاء في مسلسل الفضائح والإثراء غير المشروع والتآمر... أموال الشعب المنهوبة، تستمثر في مشاريع يديرها فاسدون نعرفهم بالاسم يقيمون في القاهرة، ويستثمرون في عوالم القمار والكازينوهات...

أموال الشعب الفلسطيني المنهوبة، تستثمر في تمويل أنشطة إعلامية ساقطة لوزراء ونواب سابقين، بعضهم من فتح وجلّهم من متساقطي الفصائل والأحزاب اليسارية الفلسطينية... جميع هؤلاء شركاء في «لائحة الاتهام» الموجهة للدحلان، وأي تحقيق مع الدحلان، يستثني هؤلاء، هو تحقيق ناقص، لا يشبهه إلا التحقيق الذي أجرته فتح بعد هزيمتها في قطاع غزة.

حتى الآن، ثمة في فتح، قيادات وكوادر، ممن هم محسوبون على الرجل، نحن نعرف ذلك، وفتح تعرف ذلك، وإلا لما اضطرت قيادتها لتوجيه بيانات تستنهض فيها «الهمم الفتحاوية» وتدعو منتسبيها «للاصطفاف خلف قرارها الهادف تطهير الحركة من هذه الطحالب التي نمت على ضفاف الدم الفلسطيني» مشددة على وجوب «التحلي بروح الالتزام بالأنظمة والقوانين واللوائح الحركية في هذا الظرف الدقيق»؟!.

فتح والسلطة والرئاسة تعرف كل هذه المعلومات، وتعرفها منذ زمن، ومن حقنا أن نتساءل: ألا تصبح كل هذه «التجاوزات» و«الإرتكابات» جرائم إلا بعدما تطال شخص الرئيس وتطاول أفراداً من عائلته؟... ماذا لو أن الدحلان لم يفعلها، ولم يفتح النار على الرئيس ونجليه، أما كان ليظل قائد فتح المستقبلي وفتاها الأغر؟.

فتح مطالبة بالاعتذار من الشعب الفلسطيني، وبالذات في قطاع غزة، عن كل الجرائم التي قارفها الدحلان وصحبه، تحت اسمها ومظلتها وبسيفها... فتح مطالبة بتقديم قراءة جديدة للوقائع الفلسطينية أقله منذ انتخابات 2006، حتى لا نقول منذ قيام السلطة مروراً بكامب ديفيد والسور الواقي والتآمر على «القائد الرمز» كما ذكرت هي في بياناتها الأخيرة بشأن الفضيحة... فتح مطالبة بوقفة مطوّلة مع الذات، فيما خص «الانقلاب على الشرعية»، ما سبقه وما تبعه، من أحداث وتطورات، لتحديد المسؤوليات بدقة، واستخلاص ما يلزم استخلاصه من دروس وعبر، خدمة لقضية المصالحة والوحدة الوطنيتين.

لا يجوز أن نبني «نظرية كاملة» على قاعدة «الانقلاب على الشرعية»، وبعد مرور خمس سنوات عجاف من الانقسام والتناحر، وبعد سقوط العشرات والمئات من الضحايا الأبرياء، أن نعترف، بأن رمز «الشرعية» وتجسيدها القوي على الأرض، كان فاسداً ومتآمراً ومبتزاً وبلا أخلاق، ومع ذلك، نستمر في حديث «الانقلاب» وكأن شيئاً لم يحدث؟!.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير