ثمّ مزّقوني إلى 25 خبراً عاجلاً .. كتب..أحمد العلي

11.10.2015 08:28 AM

رميت بجسدي النحيل خلف المقود، كعجوز بلغ من العمر عشرين عاماً، بعد الألف، أدرت المحرّك وأخذت أذرع الطريق، وحالما وصلت أحد الحواجز الإسرائيلية، وقفت لبرهة أتلفّت من حولي، لا أحدٌ هناك، كانت السيارات تسير بشكل طبيعي !، ما الذي يحدث !، شيء لم يسبقه مثيل !، أين الجنود الذين اعتدنا رؤيتهم هنا ؟، ثمّ وجدتني أحدّث نفسي: "لا ضير، هناك المزيد من الحواجز، فالزاخم قادم" !!.، إلا أنّني أصررت على الانتظار، فكيف يتغيّر روتيني اليومي بين لحظة وأخرى !!، لذلك انتظرت حال وصول أي جندي يوقفني، يطلب هويتي، يتفحّصها وهو يسألني عن اسمي بسذاجة، ثم يناولني جرعة ماء أشربها بسذاجة، وأنا أبتسمُ لكاميرا بيد زميله أيضاً بسذاجة.

ثم تحوّلت خيالاتي إلى واقع حقيقي، لحظة وصول أحد الجنود، والذي فعلاً طلب هويتي ثمّ أمرني بالنزول من السيارة، واقتادني خلف إحدى المكعّبات الاسمنتية، هناك دفعني بعقب بندقيته دون سابق إنذار، رفعت يديّ تلقائياً محاولاً ردّ الحقد البغيض، وإذ بخمس رصاصات أخذت طريقها داخل جسدي، سقطت بعدها على الأرض وفارقت الحياة على الفور.

الجنود منعوا وصول الإسعاف إلي، حتى أنّهم لم يحاولوا إنقاذي أبداً، بل سارع أحدهم ووضع مسدساً صغيراً بيدي، قبل أن يأخذه ويرمي به بجواري، ثمّ جاء من كنت أبتسم لكاميرته بسذاجة، وبدأ يلتقط صوراً عدّة ومن زوايا مختلفة، أظهر فيها عنصران فقط أنا والمسدس الذي لا أعرف كيف يتم استخدامه !، وأنا الذي حينما أذهب لشراء الدجاج، أشيح بوجهي عن البائع لحظة عملية الذبح.
ساعة، اثنتان، ثلاث، مرت وأنا مُلقىً وأكاد أرى آخر قطرة من جسدي وهي تسيل على الأسفلت، قبل أن تصل سيارة الإسعاف التي نقلتني إلى المستشفى، وهناك أعلنوا وفاتي بشكل رسمي.

وصل أهلي وأصحابي إلى المستشفى، في تلك الأثناء كنت أشعر ببرد شديد يسري في جسدي، قبل أن يهمّ أحدهم لا أعرفه، ويرمي بقطعة قماش صفراء على جسدي أشعرتني بالدفء، ثمّ سرعان ما جاء آخر  فخلع عنّي القطعة الصفراء ورمى بأخرى خضراء اللون، وتوالى الأمر قطعة قماش سوداء، سرعان ما يتمّ استبدالها بحمراء وعاشرة لا أدري ما لونها، وظللت أعاني لحظة بردٍ وأخرى دفءْ، حتى أصبت بالزكام.

ثم همّ الحضور برفعي فوق أكتافهم، في وقت كنت فيه أرتعد خوفاً من هول صوت الرصاص المنسكب في سماء المنطقة دون هوادة، حيث قيل أنّه احتراماً وتقديراً لمكانتي كشهيد !!.

ساروا بي في مسيرة حاشدة لم أرَ لها مثيل، قبل أن تبدأ معركة أخرى بين الحاضرين، إذ كل واحد تمسّك بطرف من جسدي، وبدأ يشدّ بقوة محاولاً جذبي باتجاهه، حتى تمزّق جسدي إلى 50 حزباً و 23 رايةُ، و45 فكراً ومذهباً، و13 عائلة وحمولةً.

وبعد أن أنهوا مراسم التشييع وتم دفني في إحدى المقابر التابعة لأحد الأحزاب التي لا أعرفها، وبينما كنت داخل قبري أتابع أخبار ذات اليوم، هالني حجم التضارب في الأخبار العاجلة التي واكبت ما حدث معي طوال اليوم حتى لحظة استشهادي، "إطلاق النار على فلسطيني حاول قتل جندي إسرائيلي"، "مواطن يطعن مستوطن قبل أن يسقط برصاص الجنود"، "كان عائداً من جامعته"، "كان عائداً من عمله"، "اسمه أحمد سعيد العلي 20 عاماً من نابلس"، "اسمه أحمد نصر المصري 40 عاماً من الخليل"، "اسمه أحمد سالم القريوتي 70 عاماً"، "الأنباء تؤكّد استشهاده"، "لم يستشهد"... الخ، لدرجة أنّني اضطررت للخروج من القبر ودعوت لمؤتمر صحفي عاجل، شرحت فيه تفاصيل الحادثة منذ بدايتها وحتى النهاية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير