خرم إبرة ما بعد رفع العلم رامي مهداوي

 منذ أول قطرة دم لشهيد أو جريح والعلم الفلسطيني ما زال يُرفع، وسيبقى في حالة سمو دائمة ومستمرة أينما تواجد الفلسطيني على كوكب الأرض، هناك من رفع العلم فصعد معه شهيداً/شهداء أسير/أسرى جريح/جرحى؛ هناك من رفع العلم في القمم والمرتفعات الجبلية العالمية؛ هناك من هو مستمر برفعه؛ هناك من يرفعه في المحافل الرياضية.. منتخبنا لكرة السلة نموذجاً، هناك من رفعه وسيرفعه بسبب قصيدة، قصة قصيرة، رواية، عرض مسرحي/دبكة، هناك من رفعه بعلمه واختراعاته، يرفع أينما تواجد الفلسطيني في المحافل الدولية والمؤتمرات والأنشطة التي سيمثل بها دولة فلسطين المحتلة، هناك ما زال يرفع العلم في المساجد والكنائس وعلى أسوار القدس. من منّا لم يرفع العلم، من منّا ليس له مع العلم قصة!!

ابتسامتي كانت ممزوجة بدمعة سقطت وحدها عندما شاهدت ارتفاع العلم في الأمم المتحدة، تذكرت طفولتي وما علمتني إياه أمي كيف أرسم بالألوان الأربعة ما تم تسميته "علم بلدك"، تذكرت كيف كنت أعلق العلم ليلاً على أسلاك الكهرباء من خلال ربط العلم بحبل _طوله نصف متر_ وعلى الطرف الآخر من الحبل حجر ثم رميه على السلك بطريقة تربط الحجر على السلك، بالتالي يرفع العلم وبعدها أهرب راكضاً ومتأكداً أنه لم يشاهدني أحد.

أثناء حصولي على منحة دبلوم في جامعة "بيرمنغهام" ببريطانيا، في الكتاب التعريفي بالمشاركين والبرنامج الدراسي تم تعريفي بأنني من الضفة الغربية وقطاع غزة ولم يوضع علم فلسطين بجانبي أسوة بزملائي الطلاب، فقمت بشطب الضفة الغربية وقطاع غزة بقلمي وكتبت فلسطين، ورسمت العلم بعد أن قمت بشراء علبة الوان وكتبت باللغة الإنجليزية هذا هو علم بلدي. بالتأكيد هناك العديد من الفلسطينيين قام بذات الفعل الذي قمت به، وأعرف بعض الأصدقاء لم يشاركوا في بعض المحافل والمؤتمرات الدولية احتجاجاً على عدم وجود اسم وعلم فلسطين.

بعد رفع العلم رسمياً في الأمم المتحدة، دخل العلم بكل رمزيته مرحلة جديدة، وهذه المرحلة يجب الإعداد لها بشكل يليق بتاريخ هذا العلم وما يحمله العلم من معنى تاريخي، نضالي، ثقافي، حياة، وجود، تحرر وأكثر وأكثر من كل هذا، حتى نصل الى حق تقرير المصير كشعب كباقي الشعوب. لهذا ما بعد رفع العلم دولياً ما هو مطلوب منا كشعب مازال الاحتلال يسيطر على حياته بكامل مقوماتها، وهنا ما هو مطلوب علينا أن نستمر برفع العلم بطرق مختلفة كجزء من عملية التحرر ضد المحتل. ذلك يتطلب منا عملا مستمرا في كافة مناحي مكونات القطاعات المختلفة المكونة لأي دولة على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، فرفع العلم يجب ان نتعامل معه كمحفز لنا في استمرار العمل على الصعيد البنيوي للمؤسسات الفلسطينية من حكومية، أهلية وقطاع خاص. 

يجب وضع خطة وطنية للعلم للتعامل معه بما يعكس كل ما سبق، ضمن إستراتيجية بعيدة المدى لتحقيق أهداف متعددة تجيب على أسئلة كثيرة أهمها: لماذا أردنا رفع العلم؟ هل نكتفي فقط برفع العلم؟ ما هو المطلوب من العلم؟ ما هو المطلوب ممن يرفع العلم؟ أين نرفع العلم؟ ما هي إستراتيجية الدبلوماسية الفلسطينية بعد رفع العلم؟ ما هي الأدوات غير التقليدية التي سنرفع العلم من خلالها؟

ما اقصده بالسؤال الأخير، هو أن سارية العلم يجب أن لا تكون ثابتة بالمفهوم التقليدي لرفع العلم، وبمعنى أوضح؛ علينا إدخال العلم أماكن لم يدخلها بعد على الصعيد المحلي والعالمي، إن لكل وسيلة معاييرها المختلفة لتحقيق هدف معين في الحقول المختلفة التي نريد إيصال العلم وما يحمله من إرث ذكرته سابقاً من خلالها. وهذا يتطلب اشتباكات مع الآخر الذي يريد طمس وتدمير ما يحتويه العلم من إرث، وهذه الاشتباكات بأدواتها المختلفة علينا أن نتقن التعامل معها على الصعيد العالمي وبالأخص من خلال ما يسمى الآن بالدبلوماسية الشعبية، أيضاً ما يسمى الإعلام غير المباشر لصناعة الحدث وتحقيق الهدف.

رفع العلم الفلسطيني بحد ذاته له معنى وموقف واتجاه، وهذا ما شاهدته بأغلب البلدان التي زرتها مثل ايرلندا، جنوب افريقيا، برشلونة. وأيضاً ما نشاهده في المؤسسات العاملة بحقوق الإنسان والمقاهي وحتى بالشوارع العامة، علينا أن نستثمر بعلاقاتنا الشعبية والرسمية وننتقل مع مناصرين للقضية والمساندين لنا إلى فضاء جديد للعلم بحيث أيضاً يتم نقل العلم من مجرد فقط رفع العلم إلا أبعد من ذلك.

ما بعد رفع العلم ليس سؤال أو جملة عادية، لأن رفع العلم يجب ان يستمر لكن بشكل غير تقليدي وبطرق تتلاءم مع العصر الحالي، أتمنى من الجهات المسؤولة مثل منظمة التحرير الفلسطينية أو/  والخارجية الفلسطينية المختلفة أن تؤسس لنقاش جدي للخروج بخطة عمل نحقق من خلالها العديد من الأعمال والأفعال لما بعد رفع العلم.