ماذا قال أبو علاء عن واقعة مهاجمة الرئيس كلينتون له في كامب ديفيد؟

19.05.2012 09:53 AM
رام الله- وطن للانباء – عن القدس - المحرر السياسي- "في إطار لجان العمل الثنائية، تواصلت المفاوضات بيننا وبين الإسرائيليين في اليوم الخامس من أيام كامب ديفيد.وكان الوفدان الفلسطيني والإسرائيلي، اللذان اجتمعا في إطار لجنة الأرض والحدود والأمن هما أنفسهما اللذان واصلا اجتماعاتهما في هذا اليوم، وقد استهل شلومو بن عامي مفاوضات اليوم بالحديث محاولا استدراجنا إلى البحث في مسألة التعديلات على الحدود ، واختتمه الرئيس بيل كلينتون بتوجيه اللوم إلى وفدنا، وتحميلي المسؤولية الشخصية عن عدم إحراز التقدم وذلك في أجواء من الصراخ الذي يشي بنهاية تفاوضية عاصفة"هكذا كتب احمد قريع"أبو علاء" في كتابه (الرواية الفلسطينية الكاملة للمفاوضات من أوسلو إلى خريطة الطريق) مفاوضات كامب ديفيد.

وكان محمد رشيد المستشار السابق للرئيس الراحل ياسر عرفات أشار إلى هذه الحادثة في شهادته على إحدى المحطات العربية.

وكشف أبو علاء في روايته النقاب أن الجانب الإسرائيلي عرض ضم 14% من مساحة الضفة الغربية مع استثناء القدس من حدود 1967 وقال أبو علاء" بعد أن استمعنا إلى هذا العرض الإسرائيلي رفضناه رفضا قاطعا، وقلنا لهم انه إذا كان لديكم عرض معقول غير هاذ، فنحن على استعداد للاستماع إليه، وشرحنا موقفنا القابل بالتعديلات لا بالضم، تعديلات بالقيمة والمثل ، دونم ارض في مقابل دونم ارض يساويه في القمة وفي الأهمية من حيث الموقع.كما ارفضنا استثناء القدس من حدود 1967 ، وفق ما جاء في الخريطة المعروضة علينا، قائلين أن الخريطة مرفوضة ، والمقترح الإسرائيلي مرفوض كذلك".

أبو علاء تحدث في كتابه عن التفاصيل الكاملة لتلك الحادثة وفيما يلي محضر ذلك اللقاء برواية قريع:

شلومو بن عامي: التعليمات التي لدينا هي أن نضع كل شيء على الطاولة فيما يخص الأرض والحدود والأمن، بما في ذلك التعديلات الحدودية،نريد أن نستمع إلى وجهة نظركم في التعديلات ، نريد معرفة ملاحظاتكم ومطالباتكم.من دون الموافقة على التعديلات لن نستطيع التقدم.وإذا ما عرضنا مواقفنا إزاء هذه المسألة سنكون فادرين على تحديد الخلافات القائمة بيننا فيما يتعلق بالتعديلات الحدودية هذه وبعد ذلك سيكون لدينا موقف عملي".

أبو علاء: "لن نبحث في أي جانب يتعلق بمسألة التعديلات هذه، قبل إقرار الجانب الإسرائيلي بمبدأ التبادل على جانبي الحدود".

أمنون شاحاك:"افهم من موقفكم انه من دون الإقرار بمبدأ التبادل، بالقيمة والمثل، فإنكم لن تقبلوا بالبحث في التعديلات الحدودية.وأنا سأضع هذا السؤال الذي أرى انه يشكل أساس المساومة: لنفترض أننا قررنا إجلاء المستوطنين، وانتم بحاجة إلى ممر آمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة، قولوا لنا ما هي احتياجاتكم؟".

بعد فترة طويلة وبعد أن اتضح لنا أن الخلاف عميق والمواقف متعارضة بشدة، قضضنا الجلسة لتلافي مزيد من الحدة.ثم تدخل الأميركيون، وأرسل الرئيس كلينتون عضو الوفد المفاوض روب مالي ، الذي حضر إلينا واستمع منا إلى شرح كامل عن موقفنا القائم على قاعدة أننا لن نبحث في التعديلات الحدودية قبل قبول إسرائيل بدفع الثمن، أي التبادل بالقيمة والمثل.وبعدها ذهبت إلى مقر الأخ أبو عمار، شارحا له الموقف من جوانبه كافة، فرد غاضبا:"إذا لم يقبلوا بوجهة نظرنا هذا يعني أنهم غير جادين.نريد أن نبحث في كل شيء، بما في ذلك المستوطنات".غير أن التدخل الأميركي المباشر ، تمكن من فتح الطريق مجددا لاستئناف الجلسة التفاوضية.

شلومو بن عامي:"أنا افهم موقفكم المتعلق بمبدأ التبادل ، وبالتعديلات.تعالوا ننظر إلى التعديلات في الحدود الغربية(الخط الأخضر) ، فالأمر هنا يتعلق بالسكان وبالأمن وبالاستقرار، وهي العوامل التي تجعل العملية ممكنة لدينا.نحن عندنا وجهات نظر متعددة، إذ هناك المتطرفون وهناك الواقعيون.نريد أن ننظر معا إلى ما نريد من الكتل الاستيطانية الثلاث:

(1)الكتلة الاستيطانية حول القدس.

(2) الكتلة الاستيطانية في عتسيون.

(3)الكتلة الاستيطانية حول ارئيل.

وبعد ذلك ننظر إلى وجهة نظركم في ذلك، ونستمع إلى ما تريدون منا، وفي النهاية لن نصل إلى اتفاقية ما لم يتم الاستجابة لطلبات كل منا".

ثم دخل شلومو بن عامي في حديث تفصيلي عن المناطق التي تريد إسرائيل ضمها، مستعرضا على الخريطة اللون البرتقالي (مناطق فلسطينية) ، واللون البني(ترتيبات خاصة لفترة محدودة وهي تشمل المستوطنات في الضفة الغربية وفي وادي الأردن، معددا أسماء المستوطنات في كتل استيطانية من الكتل الثلاث(القدس وعتسيون واريئيل) ، ومقترحا ضم الأراضي الواقعة على طول نهر الأردن، مع ثلاثة معابر على النهر ، بما في ذلك جسر اللنبي الذي سيبقى في يد إسرائيل ، ناهيك عن ضم مستوطنات في القدس ومنطقة اللطرون، الأمر الذي سيجعل حجم الأراضي المضمومة يصل إلى نحو 14% من مساحة الضفة الغربية.

وبعد أن استمعنا إلى هذا العرض الإسرائيلي رفضناه رفضا قاطعا، وقلنا لهم انه إذا كان لديكم عرض معقول غير هاذ، فنحن على استعداد للاستماع إليه، وشرحنا موقفنا القابل بالتعديلات لا بالضم، تعديلات بالقيمة والمثل ، دونم ارض في مقابل دونم ارض يساويه في القمة وفي الأهمية من حيث الموقع.كما ارفضنا استثناء القدس من حدود 1967 ، وفق ما جاء في الخريطة المعروضة علينا، قائلين أن الخريطة مرفوضة ، والمقترح الإسرائيلي مرفوض كذلك.

أمام حالة الاستعصاء هذه ، تدخل الرئيس كلينتون بنفسه مرة أخرى، فحضر مصحوبا بالوفد الأميركي وأدار الجلسة، وقد عرضت الموقف الفلسطيني وأوضحت للرئيس الأمريكي أن إسرائيل تتجاهل خطوط سنة 1967 ، وهي لا تقترح تعديلات وإنما تسعى للضم .وأكدت أن هذا سيجعل الضفة الغربية منطقة محصورة ضمن إسرائيل.وحينما يتحدثون عن المناطق البنية فإنهم لا يتحدثون عن المدة، وان الانتشار سيسبب مزيدا من التعقيدات,وقام شلومو بن عامي بعرض الموقف الإسرائيلي.ولم تخل الجلسة من تبادل الصراخ، الأمر الذي جعل الرئيس كلينتون يتدخل لتهدئة الوضع قائلا:"طوال ثمانية وعشرين عاما مضت انخرطت في العمل السياسي ، وحاولت خلالها تشخيص المصالح والتوفيق بينهما، ودفع الأمور نحو نتائج ايجابية تخدم مصالح الأطراف معا ، شمروا الآن عن سواعدكم ، هيا إلى العمل لديكم الكثير لفعله، وسألتقيكم بعد انتهائكم من جولة المحادثات هذه".

شلومو بن عاميك "الخريطة المعروضة هي خريطة قديمة، سبق وان عرضناها في استوكهولم.نحن لم نطور هذه الخريطة استعدادا لمفاوضات هذه القمة، وليس لدي وهم بأن هذه الخريطة ستكون مقبولة، وأبو علاء رفضها ورفض تقديم عرض مقابل فيما يتعلق بمسالة التعديلات الحدودية".

الرئيس كلينتون: :كيف ستحولون اللون البني إلى لون اصفر؟ وكيف ستحولون الأبيض إلى اصفر أيضا؟أنا اقترح أن تبحثوا في الموضوع الأمني".

دنيس روس:" اقترح أن نعمل على خريطة توصلنا إلى تحديد حجم الأراضي التي ستضم إلى إسرائيل".

أبو علاء:" إن قبولنا بهذا الطرح سيجعلنا نعطي شرعية للمستوطنات، وشرعية لضم الأرض الفلسطينية إلى إسرائيل، وشرعية لتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية، وشرعية لضم القدس، وهذا ما لا يمكن أن يتم مهما كانت الأسباب والأوضاع، هذا مستحيل، يبدوا أننا أمام مأزق جاد وحقيقي يصعب التغلب عليه بهذا المنطق".

بعد أن استمع الرئيس كلينتون إلى وجهتي النظر الفلسطينية والإسرائيلية، وبعد أن اقترح علينا الحديث في الموضوع الأمني على أساس الخريطة الإسرائيلية المعروضة بالألوان والهادفة إلى ضم أجزاء مهمة وعزيزة من الأراضي الفلسطينية على امتداد الحدود الغربية، من نابلس وطولكرم وقلقيلية في الشمال، بما في ذلك المناطق المحيطة بالقدس وداخلها، ومن رام الله إلى بيت لحم ومستوطنات كفار عتسيون وافرات، وبعد أن استمع إلى موقفنا المتماسك في رفضنا الحازم لهذا المشروع الإسرائيلي، الذي يريد الرئيس كلينتون منا أن نناقشه، لينتهي هذا النقاش إلى فرض كامل المشروع الإسرائيلي علينا، بعد أن يشعرنا بأنه عدل فيه هنا أو هناك، بعد ذلك استغربنا للغاية أن يقف الرئيس الأميركي غاضبا منا بقسوة ، وان يلوح بإصبعه الطويلة في وجوهنا.

الرئيس كلينتون: "أنا هنا في لقاء قمة، ولست في لقاء لإضاعة الوقت.لقد قدم الإسرائيليون مشروعهم.وأنا اتفقت مع الرئيس عرفات أمس على أن تتم مناقشة جميع القضايا، وأنت(موجها إصبعه نحوي) الآن تريد منهم أن يغيروا مواقفهم وخرائطهم.إذا كنت تريد أن تلقي محاضرات وخطبا عن القرارات فاذهب إلى الأمم المتحدة وقل هناك ما تشاء ، أما هنا فلا تضيع وقتي.إنني أحملك المسؤولية ، نعم أحملك أنت شخصيا مسؤولية فشل هذه القمة.احزم حقائبي وأعود ، وتتحمل أنت شخصيا المسؤولية عن ذلك ومسؤوليات هذه القمة.هذه ليست هي الطريقة، ولا هذا هو المنهج الذي يمكننا من الوصول إلى اتفاق، وعندها سيفقد شعبكم فرصة حل قضيته والتمتع بحريته في ظل دولته".

هكذا، وبعد أن اظهر الرئيس كلينتون كل هذا الانحياز الشديد إلى الموقف الإسرائيلي، والى المنهج التفاوضي الإسرائيلي، من خلال توجيهه النقد الشديد إلينا على موقفنا ومنهجنا التفاوضي، غادر قاعة المفاوضات مصحوبا بوزيرة الخارجية مادلين أولبرايت ومستشاره للأمن القومي ساندي بيرغر ودنيس روس وباقي الفريق الأمريكي.

لقد كان هذا التصرف الرئاسي الأمريكي صاعقا بالنسبة إلي، ومحل دهشة وصدمة كبيرتين.لم اعلق بكلمة واحدة على الرئيس الأمريكي وهو يتهمني بإفشال القمة، وتجنبت إظهار أي انفعال، ورحت أفكر كيف سأتصرف على المستوى الشخصي وأنا المواطن الذي يعيش تحت الاحتلال يتلقى اتهام رئيس الدولة الأعظم في هذا العالم.بقيت في القاعة لبعض الوقت.ولم تمض سوى لحظات حتى عاد جمال هلال، المترجم في الخارجية، مع دنيس روس وتبعه مارتن انديك وروب مالي، محاولين جهدهم استيعاب الوضع المتفجر ، وتوضيح الموقف الأمريكي ، الذي يتحدث عن الشكل والأسلوب لا عن الموضوع.

وعلى الرغم من كل تلك الشروحات والتوضيحات فقد وجدت أن الموقف الأميركي غير مقبول، بل غير مفهوم، الأمر الذي دفعني إلى رفض الذهاب لتناول العشاء بحضور الرئيس كلينتون والوفود الأخرى، وهذا ما دفع الأخ أبو عمار إلى المجيء بصحبة الأخ أبو مازن والأخ ياسر عبد ربه لإقناعي بالذهاب معهم لتناول العشاء.غير أنني رفضت ذلك رفضا قاطعا مهما تكن الظروف، وقلت للرئيس عرفات: أبو عمار لن اذهب حتى لو عدت ومعي الحل العادل والشامل...

بعد انتهاء تلك الجلسة العاصفة ، ذهبت مساء ذلك اليوم الواقع في 15/7/2000 إلى مقر الرئيس ياسر عرفات لشرح الموقف له، وكان نائما فتوجهت إلى الشاليه الذي ينزل فيه نبيل شعث وصائب عريقات وياسر عبد ربه وأكرم هنية.وكان الأخ أبو مازن هناك، وإذا بهم جميعا يستقبلوني بالقبل وعبارات التقدير للموقف الشجاع الذي سجلته، والذي يشكل نقطة مهمة في هذه المفاوضات.وطبعا فرحت لترحيب الإخوة وتقديرهم لي على الرغم من الهجوم القاسي الذي تعرضت له من جانب الرئيس الأمريكي، ذلك الهجوم الذي اعتبره الرئيس عرفات أكثر من هجوم شخصي، بل رأى فيه تهديدا للوفد الفلسطيني كله.
تصميم وتطوير